نظام القبول بالجامعات.. فاشل
ساعات قليلة وتعلن نتيجة الثانوية العامة التى تنتظرها كل الأسر المصرية على أحر من الجمر.. الثانوية التى صارت بعبعًا بشعًا يؤرق كل البيوت المصرية بلا استثناء، لأنه لا يوجد بيت إلا وبه ابن أو ابنة فى هذه المرحلة.
هناك أسباب كثيرة على مدار الأربعين أو الخمسين عامًا الماضية جعلت من الثانوية العامة أزمة فى كل بيت. أولها هو أنها تحدد مستقبل الطالب، فإما مهندسًا أو إعلاميًا أو طبيبًا أو محاميًا أو خلافه.
وهذا جعل الآباء والأمهات وأولياء الأمور عامة يترقبون النتيجة بفارغ الصبر وكم المجموع الذى يحصل عليه الأبناء ويؤهلهم إلى الالتحاق بالجامعات.
الحقيقة المرة أن الثانوية العامة ليست شرطًا فى تحديد مصير الإنسان أو تحديد مصير عمله، فالأمر برمته من البداية خطأ فادح، والعملية التعليمية كلها فى حاجة شديدة إلى النسف وإعادة هيكلتها من جديد، خاصة فيما يتعلق بمرحلة التعليم قبل الجامعى. وصحيح أن هناك إجراءات جديدة تمت خلال العشر سنوات الماضية فيما يتعلق بالتعليم الجامعى، إلا أن الأمر ما زال حتى الآن فى تعثر شديد فى مرحلة ما قبل الجامعة. وتلك هى الكارثة الحقيقية. فلا الثانوية العامة هى التى تحدد المصير ولا المجموع الكبير هو الذى يحدد شخصية المواطن فيما بعد.
لذلك آن الأوان لنسف هذه المنظومة نسفًا بلا رحمة، من أجل أولًا أن تستقبل الجامعات خريج الثانوية طبقًا لفرص العمل المتاحة. فما مضى من سنوات اختلف عن الآن.. الظروف والمتغيرات مختلفة تمامًا عما سبق.. فرص العمل الحقيقية المواتية هى ما يتعلق بالمستقبل من تكنولوجيا وخلافه ويجب التركيز عليه. لذلك هناك كثيرون فهموا حديث القيادة السياسية خطأ عندما تحدثت عن كليات الآداب والحقوق والتجارة لكثرة الملتحقين بها وهم غير مؤهلين فيما بعد لسوق العمل. الذى كان يقصده الرئيس عبدالفتاح السيسى فى هذا الإطار هو أن تتاح فرص العمل للخريجين، لا أن يتم تخريج أعداد غفيرة وتنضم إلى طابور العاطلين، ولا تجد عملًا مناسبًا. من هنا يحتاج الأمر إلى تعديل نظام القبول فى الجامعات، وهو ما يطلق عليه مكتب التنسيق، الذى يحدد ما يسمى بكليات القمة بالمجاميع المرتفعة. وهذا فى حد ذاته خطأ فادح. وكلنا علم فى العامين الماضيين أن هناك طلابًا كثيرين حصلوا على مجاميع مرتفعة والتحقوا بكليات الطب وكانت النتيجة المروعة هى رسوبهم فى السنة الأولى، ما يعنى أن هؤلاء الطلاب غير مؤهلين بالمرة لدراسة الطب، وقد يكونون مؤهلين لدراسة أخرى يبدعون فيها وينطلقون انطلاقًا مختلفًا يفيد المجتمع.
فنحن فى حاجة شديدة إلى ضرورة تعديل نظام القبول بالجامعات بما يتماشى مع احتياجات سوق العمل. وبالتالى لا بد من وقفة سريعة فى هذا الأمر، ولماذا لا يتم التطبيق من الآن. وأعتقد أن وزير التربية والتعليم الجديد محمد عبداللطيف من الممكن أن يكسب ثقة الدنيا كلها لو بدأ بالفعل فى اتخاذ خطوة سريعة فيما يتعلق بنظام القبول بالجامعات. وبالتالى من الممكن أن يتم قبول الطلاب بالجامعات طبقًا أولًا لاحتياجات سوق العمل، وثانيًا طبقًا لرغبات الطلاب أنفسهم وألا يكون المجموع شرطًا للقبول.
وهذا يتم بالفعل لكنه على نطاق محدود جدًا، فمثلًا الكليات التى تدرس الفنون المسرحية والموسيقية والتشكيلية والتربية الرياضية والإعلام تشترط لمن يلتحق بها عقد امتحانات ومقابلات شخصية قبل قبولهم لماذا لا يتم تعميم هذه التجربة الآن على كل الكليات؟.. الذى يريد دراسة الزراعة نعطى له الفرصة، والذى يريد دراسة الموسيقى نعطى له الفرصة بعيدًا تمامًا عن شرط المجموع.
فى النهاية أطالب بضرورة تعديل نظام العمل بمكتب التنسيق، لأن هذا النظام أثبت على مدار السنوات الماضية فشله، والاستمرار فيه يعد خطأ كبيرًا.