نداهة خالد جلال.. والاسم وحده يكفى
بدأت قبل ساعات عروض مسرحية "الشُهرة"، وذلك في إطار فعاليات مهرجان العلمين.
في واقع الأمر أنني لن أتحدث هنا عن تفاصيل العرض مدحًا أو قدحًا، ببساطة لأنني لم أشاهده بعد، لكنني سأتحدث عن صانعه الذي أصبح اسمه على بوستر أي عمل مسرحي علامة ثقة وشهادة نجاح تدعوك للاطمئنان لجودة العمل والسعي لمشاهدته حتى لو بادرت بحجز تذكرة طيران- كما فعل بعض الإخوة العرب- للذهاب إلى العلمين خصيصًا لمشاهدة العرض، ليس إلا.
خالد جلال في تجربته المسرحية يشبه تمامًا حالات لمبدعين آخرين في الوسط الفني، إذ كانت أسماء أي منهم على تتر أو أفيش عمل ما كفيلة بجاذبية خاصة لقاعدة كبيرة من عشاق إبداع هذه الشخصية.. شيء مشابه لوجود اسم أسامة أنور عكاشة وجلال عبدالقوي كمؤلفين، أو محمد فاضل وإسماعيل عبدالحافظ مخرجين لمسلسلات الدراما التليفزيونية، أو وجود اسم يوسف شاهين أو تلميذه خالد يوسف على بوستر فيلم سينمائي، أو كشيوع خبر تنظيم حفل غنائي للست فيروز مثلًا.
خالد جلال هذا المخرج الذي انجذب ملبيًا نداء النداهة ليجري خلفها باحثًا عن مصدر ذلك الصوت في قاعات المسرح الجامعي منذ كان طالبًا في كلية التجارة، ليعلو النداء بعد ذلك فيستمر في البحث عن مصدره في معهد الفنون المسرحية بمصر، ثم في روما بإيطاليا.
وإذا بالوزير "الفنان" فاروق حسني يسمع عن إصرار جلال وشغفه ورحلة بحثه في دهاليز المسرح، ليستدعيه ويكلفه برئاسة مسرح الشباب وهو في عمر الثامنة والعشرين، فتكون تلك واحدة من مغامرات الوزير التي وجهت بانتقادات الغيورين حينها، كما هو حال معظمنا اليوم. بدون أدنى تغيير لعاداتنا القديمة من فكرة قتل المواهب وتقييد حريتهم في الانطلاق، خوفًا من أن يفكروا في سحب الكراسي الوثيرة من المتمسكين بها حتى النفس الأخير في الدواوين والمصالح الحكومية.
حقق جلال نجاحًا مشهودًا كمدير، حيث أدار بروح الفنان، فقدم تجربة غير مسبوقة، ما دفع أصحاب القرار لمنحه فرصة أكبر بإدارة مركز الإبداع الفني، ثم مسرح الغد، ثم البيت الفني للفنون الشعبية والاستعراضية، ثم العودة لبيته الأول مركز الإبداع مشرفًا عامًا، لينتهي به الحال منذ عام 2015 رئيسًا لقطاع الإنتاج الثقافي بوزارة الثقافة. وفي كل موقع تولاه ترك الرجل أثرًا، فأصحاب المواهب من المبدعين لا خوف عليهم ولا هم يخذلون من يطلق العنان لمواهبهم ويحرر قدراتهم لتحلق في عالم الإبداع والتميز.
وقد كان جلال محظوظًا إذ جاء في عهد وزير ثقافة متحقق أضاء موهبة الرجل وحقق له الحماية من مكائد صغار الموظفين ومؤامراتهم فجعل له الولاية على المناصب التي تكفل النجاح لأعماله وتدفع عنه أذى أنصاف المواهب من الحاقدين.
وفي رحلة بحثه عن مزيد من ملامح روحه الفنية التي بدأها قبل نحو أربعين عامًا، مضى جلال ليدخل استديوهات السينما والتليفزيون مؤلفًا ومعدًا وممثلًا، فحقق نجاحات وصنع أعمالًا متميزة. إلا أنه وجد ضالته، أو بالأحرى وجد روحه التي ظل يبحث عنها، هناك في المسرح. تملأ شهرة الرجل الآفاق ليستعين به الإخوة العرب في أكثر من تجربة مسرحية فيخرج للشارقة العرض المسرحي "تيكيت" بمشاركة مجموعة من فناني الوطن العربي، ويستدعيه القائمون على موسم الرياض؛ ليقدم للنجم محمد هنيدي مسرحية "ميوزيكال سكول".
وعلى الرغم من تعدد نجاحاته في مواقع عدة ومنصات كثيرة، إلا أن نقطة تميزه الحقيقية تجدها حين يقدم إبداعًا مسرحيًا جديدًا يكتشف من خلاله وجوهًا شابة يصنع نجوميتها في وسيط لم يعد له مكان- وإن كان هو أصل الفنون وأبوها- وفي هذا نجاح يضاف للرجل.
فحقيقة الأمر أننا نحن من يصنع نجاح الوسيط طالما امتلكنا الموهبة والقدرة الحقيقية على الإبداع، وحين لا نستسلم لحيل المثبّطين، وعندما لا نرضخ لألاعيب الغيورين، وبشرط ألاّ ننهزم أمام مؤامرات الموتورين. ولهذا تجد جلال متألقًا في أعمال كثيرة صنعها بدون نجوم ولكن اسمه وحده ظل كفيلًا بتحقيق النجاح الذي لا تقدر على بلوغه ملايين الجنيهات التي تذهب من ميزانية العمل لجذب نجم أو اثنين لتسويق المنتج الفني. دليلي على ما ذكرت نجاحات ساحقة حققتها مسرحياته: قهوة سادة، حاجه تخوف، إس إم إس، ليلتكم سعيدة وغيرها من الأعمال المتميزة.
حسنًا فعلت وزيرة الثقافة السابقة نيفين الكيلاني حين قررت مد فترة خدمة جلال عامًا جديدًا بعد بلوغه سن التقاعد، فأصحاب المواهب والأكفاء من المبدعين الحقيقيين لا ينبغي أن نسمح لهم بالخروج للمعاش، فهم مطمع لكثير من المنصات وصناع القرار في الجوار الذين يسعون لاستقطابهم تحت أي شرط فهُم لا يعجزهم المال ولا تعيقهم اللوائح العقيمة لتحقيق غرضهم- المشروع- وإن كنا نحن أولى بمبدعينا. وعلى هذا فأنا- وكمواطن متذوق للفن ويشهد الله أن لا علاقة مباشرة لي بالرجل- أناشد د.هنّو وزير الثقافة أن يصدر قرارًا بتجديد خدمة جلال للمدة الأقصى التي يسمح بها القانون، خصوصًا أن فترة التمديد الحالية تنتهي مع نهاية شهر سبتمبر المقبل.
أراني في شوق وشغف شديدين لمشاهدة عرض "الشهرة" لأكتب عن الإبداع الأحدث لخالد جلال، وعن وجوه جديدة يقدمها للفن ولعالم الشهرة من خلال هذا العرض في تحد جديد يخوضه الرجل وسط منافسة لعدد من العروض الأخرى التي يشهدها مهرجان العلمين بمشاركة كبار النجوم. وتلك في حد ذاتها واحدة من إيجابيات مهرجان العلمين التي تستحق التوقف عندها لاحقًا.