رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

وسائل تعذيب لا تخطر على بال بشر.. فلسطينيون يكشفون جحيم المعتقلات الإسرائيلية

المعتقلين الفلسطينين
المعتقلين الفلسطينين

كشف معتقلون فلسطينيون عن وسائل التعذيب التي تنتهجها إسرائيل في معتقلاتها ضدهم، والتي يبدو أنها تجاوزت خيال البشر وحدود العقل حتى أن البعض وصفها بأنها تجاوزت ما كان يحدث في معتقلات جوانتانامو، وفقًا للشهادات التي رصدتها صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية.

تعذيب يتجاوز حدود العقل وتحذيرات حقوقية من ما يحدث في السجون الإسرائيلية

وبحسب الصحيفة، فقد توفي أحد السجناء الفلسطينيين بتمزق في الطحال وكسر في الأضلاع وكسر في بعض العظام التي يصعب الوصول إليها بالضرب العادي، بعد أن ضربه حراس السجن الإسرائيليون بشكل غريب وجنوني، بينما لقي آخر نهاية صعبة بسبب إصابة خطيرة لم يتم علاجها، وصرخ ثالث طلبًا للمساعدة لساعات قبل أن يموت.

ونقلت الصحيفة روايات شهود العيان المعتقلين السابقين، كواليس وفاة أحد المعتقلين والتي أكدها أطباء من منظمة أطباء من أجل حقوق الإنسان في إسرائيل، الذين حضروا تشريح الجثث، وتم تبادل النتائج مع الأسر وحصلت عليها الصحيفة. 

وتابعت أن الرجال الثلاثة هم من بين 12 فلسطينياً على الأقل من الضفة الغربية وإسرائيل ماتوا في السجون الإسرائيلية منذ السابع من أكتوبر وفقاً لمنظمة أطباء من أجل حقوق الإنسان في إسرائيل، كما توفي عدد غير معروف من السجناء من قطاع غزة.

وتقول جماعات حقوق الإنسان إن الظروف في السجون الإسرائيلية المزدحمة تدهورت بشكل خطير منذ اندلاع الحرب الوحشية على قطاع غزة، ووصف السجناء الفلسطينيون السابقون الضرب الروتيني، الذي كان يتم في كثير من الأحيان على زنازين أو أقسام كاملة، عادة بالهراوات وأحياناً بالكلاب، وقالوا إنهم حرموا من الطعام الكافي والرعاية الطبية وتعرضوا للإساءة النفسية والجسدية.

وتحدثت صحيفة واشنطن بوست إلى 11 سجيناً سابقاً وعدد كبير من المحامين، وفحصت سجلات المحكمة واستعرضت تقارير التشريح، وكشفت عن العنف والحرمان المتفشي، والذي كان مميتاً في بعض الأحيان، من قبل سلطات السجون الإسرائيلية.

في حين ركز الاهتمام الدولي والإدانة على محنة المعتقلين في غزة ــ وخاصة في موقع سدي تيمان العسكري سيئ السمعة ــ يقول المدافعون عن حقوق الإنسان إن هناك أزمة أعمق وأكثر منهجية في النظام الجزائي الإسرائيلي.

وقالت جيسيكا مونتيل، المديرة التنفيذية لمنظمة هموكيد الإسرائيلية لحقوق الإنسان، التي عملت لسنوات مع السجناء الفلسطينيين: "العنف منتشر على نطاق واسع، كل سجين التقينا به فقد 30 رطلاً على الأقل من وزنه".

وتُرجع تال شتاينر، المديرة التنفيذية للجنة العامة لمناهضة التعذيب في إسرائيل، الانتهاكات، جزئياً، إلى جو الانتقام في إسرائيل في أعقاب عملية طوفان الأقصى، قائلة: "إنه مزيج من المشاعر الفردية السلبية والعنيفة للغاية، ودعم صناع السياسات والافتقار إلى المساءلة".

وفي بيان لها، قالت مصلحة السجون الإسرائيلية: "نحن لسنا على علم بالمزاعم التي وصفتها، وبقدر ما نعلم، لم تحدث مثل هذه الأحداث، ومع ذلك، يحق للسجناء والمحتجزين تقديم شكوى سيتم فحصها ومعالجتها بالكامل من قبل السلطات الرسمية".

شهادات صادمة من المعتقلات الإسرائيلية.. ماذا يحدث في بها؟

وتابعت الصحيفة، أنه بالنسبة لعبد الرحمن بهاش، 23 عاماً، أصبحت إقامته في السجن بمثابة حكم بالإعدام، حيث قالت عائلته إنه كان عضواً في كتائب شهداء الأقصى وتم اعتقاله فيما يتعلق باشتباكات مسلحة مع القوات الإسرائيلية في مدينة نابلس بالضفة الغربية.

وكشف اثنان من زملاء بهاش في سجن مجيدو، وهو منشأة في شمال إسرائيل حيث توفي ثلاثة سجناء على الأقل منذ أكتوبر الماضي، مقتله بضرب شديد بشكل خاص من قبل الحراس في عنبرهم في ديسمبر الماضي، وتحدث كلاهما بشرط عدم الكشف عن هويتهما خوفًا من الانتقام.

وقال سجين يبلغ من العمر 28 عامًا كان محتجزًا في نفس القسم، إن الضباط داهموا جميع الزنازين في الجناح وقيدوا السجناء بالأصفاد قبل ضربهم، وقال إن الضرب المبرح كان يحدث مرتين في الأسبوع أثناء سجنه.

وقال السجين السابق: "الحراس هاجمونا بطريقة جنونية، لقد استخدموا هراواتهم، وركلونا ... في جميع أنحاء أجسادنا".

وتابع: "بعد الضرب في إحدى المرات تم نقل بهاش وآخرون من زنزانتهم إلى منطقة من غرف العزل الملقبة بـ تورا بورا، على اسم شبكة كهوف القاعدة الأفغانية".

وأضاف: "كنا نسمع صرخاتهم من أماكنا، حيث انتشرت في جميع أنحاء القسم، وبعدها عاد بهاش وهو مصاب بكدمات غريبة وعميقة، واعتقدنا أنه تم تكسير أضلاعه، وصرخنا كثيرًا طلبًا للمساعدة الطبية، ولكن لم يحصل سوى على مسكن ضعيف للغاية للآلام".

واستطرد قائلاً: "في النهاية لم يكن قادرًا حتى على الوقوف على قدميه، كان يمشى كأنه طفل يتعلم من جديد الوقوف، وتوفي بعدها بـ 3 أسابيع من شدة الألم".

وبحسب الصحيفة، فقد أظهر تشريح الجثة "علامات إصابة رضية في الصدر الأيمن والبطن الأيسر، ما تسبب في كسور متعددة في الضلوع وإصابة مباشرة في الطحال، ربما نتيجة للاعتداء"، وفقًا لتقرير من دانييل سولومون، وهو طبيب في منظمة أطباء من أجل حقوق الإنسان في إسرائيل PHRI حصل على إذن من سلطات السجن بالجلوس في تشريح الجثة.

وأضافت أنه تم إدراج الصدمة الإنتانية وفشل الجهاز التنفسي بعد الإصابات كأسباب محتملة للوفاة، وتم حجب نتائج التشريح الرسمية عن الأسرة، كما تم حجب جثة بهاش.

وفي حادث آخر، توفي عبد الرحمن المعري، 33 عامًا، في مجيدو في 13 نوفمبر، وكان المعري يعمل نجارًا أب لأربعة أطفال، في السجن منذ فبراير 2023، وفقًا لشقيقه إبراهيم، الذي قال إنه اعتقل عند نقطة تفتيش مؤقتة واتهم بالانتماء إلى حماس وحيازة سلاح ناري.

فقد أقاربه الاتصال به بعد 7 أكتوبر، عندما تم إيقاف الزيارات العائلية، ما زالوا يحاولون تجميع تفاصيل وفاته.

وجد تقرير الطبيب داني روسين من PHRI من تشريح جثته أن "كدمات شوهدت على الصدر الأيسر، مع كسر في الأضلاع وعظام الصدر تحتها والتي تعد عظام موجودة في أماكن عميقة في الجسم ومن الصعب الوصول إليها ... كما شوهدت كدمات خارجية على الظهر والأرداف والذراع اليسرى والفخذ والجانب الأيمن من الرأس والرقبة".

وقال خيري حمد (32 عاماً)، وهو سجين في نفس القسم، إن المعري ركل من أعلى سلم معدني مكون من حوالي 15 درجة وهو مقيد اليدين - وهي عقوبة على الرد على الحراس أثناء تفتيش الغرفة حيث تم تجريد السجناء من ملابسهم وضربهم.

وتابع حمد أنخ وزملاءه في الزنزانة أُمروا بالنزول إلى الطابق الأرضي وهبط المعري على بعد حوالي خمسة ياردات منه، وقال إنه كان واعياً، لكنه كان ينزف من رأسه، كما نُقل المعري إلى الحبس الانفرادي في تورا بورا، ومن الزنزانة المجاورة، استمع المحامي ساري خوري (53 عاماً) إلى بكائه من الألم لساعات.

وقال خوري: "كان يصرخ طوال النهار والليل ويقول أحتاج إلى طبيب، وفي الساعة الرابعة صباحاً، صمت أخيراً".

وتابع: "في الصباح، سمعت الحراس يتحدثون عن اكتشافهم للجثة الهامدة واستدعوا الطبيب أخيرًا الذي حاول إنعاشه، ثم أخرجوه في كيس الجثث من الزنزانه".

كما كشف روسين من PHRI أن محمد الصبار البالغ من العمر 21 عامًا قد توفي أيضًا بسبب الألم المبرح لأنه كان مريض بالفعل، وقال عاطف عواودة (54 عاما) أحد زملائه في الزنزانة إن معدة صبار بدأت تنتفخ في أكتوبر بعد حرمانه من الدواء، ويتذكر عواودة أن طبيب السجن أعطاه حقنة واحدة في وقت سابق من ذلك الشهر، لكنه طلب من صبار ألا يخبر أحدا، وقال: "كانت هذه آخر مرة نتلقى فيها الدواء".

وقال روسين في خطابه إلى أسرته: "كان من الممكن تجنب وفاة محمد بالالتزام الصارم باحتياجاته الطبية"، واصفا القولون بأنه متسع ومليء بكمية كبيرة من البراز، وبحلول الوقت الذي تم نقله فيه إلى غرفة الطوارئ، "كانت حالته بالفعل متدهورة، وكانت فرصة إنقاذه ضئيلة للغاية".

وقال البعض إن الأغطية كانت تُزال من نوافذ الزنازين في الشتاء لتعريضهم للبرد، وقال آخرون إن النشيد الوطني الإسرائيلي كان يُعزف باستمرار بأصوات عالية؛ وتُترك الأضواء مضاءة في الليل لإزعاج نومهم.

وفقا لمحاميه وسجلات المحكمة التي استعرضتها صحيفة واشنطن بوست، تعرض سجين فلسطيني للضرب أمام القاضي عندما انضم إلى جلسة استماع عبر رابط فيديو في نوفمبر الماضي، وذكر محضر المحكمة: "يمكننا الآن أن نسمع في الخلفية صراخ الناس وهم يتعرضون للضرب"، ولكن توقفت الصيحات عندما تدخل القاضي.

قال المتهم، الذي تم حذف اسمه من سجلات المحكمة: "لقد كسر أنفي للتو، أطلب ألا تنتهي الجلسة قبل أن يعدوني بعدم ضربي".

وأوضحت الصحيفة أن العنف والإهمال الطبي مصحوبين بمنع الطعام، كما روى السجناء السابقون، وقال كل منهم إنه فقد وزنًا كبيرًا في السجن، حيث خسر ما بين 30 و50 رطلاً.

قال الصحفي معاذ عمارنة، 37 عامًا، الذي سُجن لمدة ستة أشهر في مجيدو بعد تصوير المظاهرات في الضفة الغربية، إن زنزانته التي تضم ستة أشخاص كانت تضم ما يصل إلى 15 شخصًا أثناء إقامته.

كان السجناء يتقاسمون طبقًا من الخضار والزبادي على الإفطار. وفي الغداء، يتلقى كل سجين نصف كوب من الأرز، وتقسم الزنزانة - بغض النظر عن عدد الرجال فيها - طبقًا من الطماطم المقطعة أو الملفوف. وفي الأيام الجيدة، قد يكون هناك سجق أو فاصوليا. وقال إن العشاء كان بيضة وبعض الخضار.

قالت المحامية آية الحاج عودة: "حصة الطعام هذه بالكاد تكفي للبقاء على قيد الحياة، كما أن المعتقلين يحصلون على قدر محدود من مياه الشرب".

وتقدمت جمعية الحقوق المدنية في إسرائيل بعريضة إلى المحكمة العليا في أبريل بشأن ما وصفته بأنه "سياسة تجويع". 

وكشفت الصحيفة عن نوع آخر من التعذيب النفسي والبدني والذي جعل معزز عبيدات، 37 عاماً، غير قادراً على المشي عندما غادر كتسيعوت، في جنوب إسرائيل، الأسبوع الماضي، حيث ألقي القبض عليه في أعقاب السابع من أكتوبر للاشتباه في ارتباطه بحماس، ولكن لم توجه إليه أي اتهامات على الإطلاق.

وتابعت أن عبيدات كان شبه مغيب، لا يعلم شيئًا عن أطفاله وبالكاد يتذكر ماضيه، فكل ما يتحدث عنه هو حارس في المعتقل الذي كان يتلذذ بتعذيبه بشتى أنواع التعذيب النفسي والجسدي، وأنه فقل 100 رطل من وزنه في 9 أشهر.

همس عبيدات وهو يصف حارسًا يعتدي عليه جنسياً بمقشة، وقال أطباؤه إنه يعاني من اضطراب ما بعد الصدمة وسوء التغذية، وقال: "إنه جوانتانامو".