رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

حرب إقليمية.. تنتظر ساعة الصفر

لم يعد السؤال الذي يشغل بال المحللين في العالم، هو: هل تندلع حرب واسعة بين إسرائيل وحزب الله في لبنان، تتجاوز قواعد الاشتباك بين الطرفين المتحاربين؟.. بل إن السؤال الحقيقي الآن، هو: متى تشتعل هذه الحرب؟.. إذ باتت الحرب الكبيرة تختمر بين إسرائيل وحزب الله وإيران، وبات الصدام أمرًا لا مفر منه، ويمكن لهذا الصراع أن يندلع بسرعة، ويشمل الولايات المتحدة وروسيا.. وقد يدفع ذلك الصين إلى اتخاذ خطوات في هذه الحرب، مما قد يؤدي إلى مواجهة بين واشنطن وبكين.. وكما قلنا، فإن السؤال الوحيد المتبقي هو توقيت تفجُّر الحرب.. هل يحدث قريبًا أم يتأخر لبعض الوقت؟
ستكون نقطة الاشتعال، هي الحدود بين شمال إسرائيل وجنوب لبنان.. في المنطقة التي يقوم حزب الله بإطلاق صواريخ وطائرات بدون طيار على إسرائيل منها، منذ السابع من أكتوبر.. وكان لا بد من إجلاء حوالي ثمانين ألفًا من سكان إسرائيل، وهو وضع لا يطاق بالنسبة لتل أبيب.. والهدف، فرض إيران صفقة، يتراجع حزب الله بموجبها، ويتوقف عن إطلاق الصواريخ، مقابل وقف إطلاق النار في غزة.. وهذا من شأنه أن يترك حماس، ليس فقط سليمة، ولكن أيضًا في وضع يمكنها من ممارسة السلطة في نهاية المطاف على غزة، ومن ثم الضفة الغربية.. ولا يمكن لنتنياهو أبدًا التوقيع على مثل هذا الاتفاق، لأنه سيكون بمثابة ناقوس الموت للدولة اليهودية على المدى الطويل، وإسرائيل ليس لديها القدرة الكاملة، للسيطرة على أعدائها اللدودين أو تدميرهم.. وهذا هو السبب في أن حربًا أكبر قادمة، كما يؤكد ستيف فوربس، رئيس مجلس الإدارة ورئيس تحرير "فوربس ميديا".
مقاتلو حزب الله أكثر عددًا، وربما أكثر قدرة من مقاتلي حماس، ويمتلكون مائة وخمسين ألف صاروخ من مختلف الأنواع.. لذا، فإن القضاء على حزب الله سيكون مُكلفًا، وقد وصل بعض صواريخها وطائراتها بدون طيار، واخترقت القبة الحديدية الإسرائيلية وأصابت قواعد عسكرية.. علاوة على ذلك، لن تقف إيران مكتوفة الأيدي.. ستطلق صواريخها الخاصة على إسرائيل، وسوف تميل إلى اتخاذ الخطوات النهائية في إنشاء قداراتها النووية.. فهل لدى إسرائيل الوسائل لتدمير المنشآت النووية الإيرانية أو شلَّها بشكل كبير؟
على مر السنين، تم تشييد منشآت إيران النووية تحت الأرض، ووزعتها طهران في جميع أنحاء البلاد، وهنا، ستحتاج إسرائيل إلى مساعدة الولايات المتحدة لمحاربة حزب الله وإيران، ناهيك عن حماس.. فهل ستعطيها واشنطن ما تريد؟.. صحيح، أن واشنطن ستحاول إبقاء يد إسرائيل قوية، في إطار حملة كاملة القوة ضد حزب الله.. وفي مواجهة مثل هذه الاحتمالات القاتمة، قد تشعر إسرائيل بأنها يجب أن تخوض حربًا كبيرة على أي حال.. والحروب لا تسير أبدًا في الاتجاهات المتوقعة.
كان البلدان حليفين حتى قيام الثورة الإسلامية في إيران عام 1979، والتي أتت بنظام استخدم معارضة إسرائيل كجزء أساسي من أيديولوجيته.. وانخرطت إسرائيل وإيران في حرب دامت سنوات، حيث هاجم كل منهما أهدافًا للآخر، دون الاعتراف بالمسئولية.. وتصاعدت هذه الهجمات بشكل كبير خلال الحرب الحالية في غزة، التي أشعل فتيلها الهجوم الذي شنته حركة حماس في أكتوبر الماضي.. لا تعترف إيران بحق إسرائيل في الوجود وتسعى إلى القضاء عليها.. وكان المرشد الأعلى للبلاد، آية الله علي خامنئي، قد وصف إسرائيل في وقت سابق بأنها "ورم سرطاني، سوف يتم استئصاله وتدميره بلا شك".. وتعتقد إسرائيل أن إيران تشكل لها تهديدًا وجوديًا، كما يتضح من خطاب طهران، وتعزيزها لقوات بالوكالة في المنطقة، بما في ذلك جماعة حزب الله اللبنانية، التي تتعهد بتدمير إسرائيل، وكذلك تمويلها وتسليحها الجماعات الفلسطينية بما في ذلك حماس.. كما تتهم تل أبيب طهران بمحاولة تطوير أسلحة نووية سرًا، رغم أن إيران تنفي سعيها لصنع قنبلة نووية.
وقد أدت الغارة الجوية التي استهدفت مبنى القنصلية الإيرانية في العاصمة السورية دمشق، في الأول من أبريل الماضي، إلى مقتل ثلاثة عشر شخصًا، وقالت إيران إن ذلك انتهاك لسيادتها.. وكان من بين القتلى، العميد محمد رضا زاهدي، وهو قائد كبير في فيلق القدس، الفرع الخارجي للحرس الثوري الإيراني.. شخصية رئيسية في العملية الإيرانية لتسليح جماعة حزب الله، فجاء الهجوم على القنصلية، في أعقاب نمط من الضربات الجوية ضد أهداف إيرانية، يُنسب على نطاق واسع إلى إسرائيل.. لأن الحرس الثوري الإيراني يقوم بنقل الأسلحة والمعدات، بما في ذلك الصواريخ عالية الدقة، عبر سوريا إلى حزب الله.. وتحاول إسرائيل وقف هذه الشحنات، كما تسعى إلى منع إيران من تعزيز وجودها العسكري في دمشق.
إيران أكبر كثيرًا من إسرائيل جغرافيًا، ويبلغ عدد سكانها ما يقرب من تسعين مليون نسمة، أي ما يقارب عشرة أضعاف عدد سكان إسرائيل، لكن هذا لا يترجم إلى قوة عسكرية أعظم.. استثمرت إيران بكثافة في الصواريخ والطائرات بدون طيار.. فهي تمتلك ترسانة ضخمة خاصة بها، لكنها تزود وكلاءها، الحوثيين في اليمن وحزب الله في لبنان، بكميات كبيرة، وما ينقصها هو أنظمة الدفاع الجوي الحديثة والطائرات المقاتلة.. ويُعتقد أن روسيا تتعاون مع إيران لتحسين تلك الأمور، بما في ذلك توفير طائرات مقاتلة من طراز Su-35، مقابل الدعم العسكري الذي قدمته طهران لموسكو في حربها على أوكرانيا.
وعلى النقيض من ذلك، تمتلك إسرائيل واحدة من أكثر القوات الجوية تقدمًا في العالم.. ووفقًا لتقرير التوازن العسكري، الصادر عن المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية، تمتلك إسرائيل ما لا يقل عن أربعة عشر سربًا من الطائرات، بما في ذلك طائرات F-15 وF-16، وأحدث طائرة الشبح من طراز F-35.. وتتمتع إسرائيل أيضًا بخبرة في شن ضربات في عمق الأراضي المعادية، وأقصر مسافة بين إيران وإسرائيل هي حوالي ألف كيلومتر.. ومن المفترض أن إسرائيل تمتلك أسلحة نووية، لكنها تحافظ على سياسة رسمية تقوم على الغموض المتعمد.. ولا تمتلك إيران أسلحة نووية، وتنفي أيضًا أنها تحاول استخدام برنامجها النووي المدني؛ لتصبح دولة مسلحة نوويًا.
أقامت إيران شبكة من الحلفاء والقوات الوكيلة في الشرق الأوسط، تقول إنها تشكل جزءًا من "محور المقاومة"، الذي يتحدى المصالح الأمريكية والإسرائيلية في المنطقة، وتدعمهم طهران بدرجات متفاوتة.. سوريا هي الحليف الأهم لإيران، وساعدت طهران، إلى جانب موسكو، نظام الرئيس السوري، بشار الأسد، على النجاة من الحرب الأهلية التي استمرت عقدًا من الزمن في البلاد.. كما أصبحت علاقة إيران مع روسيا ذات أهمية متزايدة.. وفي ديسمبر الماضي، قالت وزارة الخارجية الروسية إن البلدين سيسرعان العمل على "اتفاق رئيسي جديد بين الدولتين".. وقد زودت إيران روسيا بطائرات بدون طيار هجومية من طراز "شاهد".. وفي فبراير، نقلت رويترز عن مصادر قولها، إن إيران قدمت أيضًا صواريخ باليستية، الأمر الذي نفته طهران.. وفي الوقت نفسه تقول إيران إن روسيا تخطط لتزويدها بطائرات أكثر تقدمًا.
من بين الجماعات المسلحة التي تدعمها إيران، يعتبر حزب الله في لبنان هو الأقوى. وهو يتبادل إطلاق النار، عبر الحدود، مع إسرائيل بشكل يومي تقريبًا، منذ اندلاع الحرب بين إسرائيل وحماس.. واضطر عشرات الآلاف من المدنيين على جانبي الحدود إلى مغادرة منازلهم.. كما تدعم إيران العديد من الميليشيات الشيعية في العراق، التي هاجمت القواعد الأمريكية في العراق وسوريا والأردن بإطلاق الصواريخ.. وفي اليمن، تقدم إيران الدعم لحركة الحوثي التي تسيطر على المناطق الأكثر اكتظاظًا بالسكان في البلاد.. وأطلق الحوثيون صواريخ وطائرات مسيرة على إسرائيل، حتى أخرجوا ميناء إيلات عن الخدمة.. كما هاجموا السفن التجارية المارة في باب المندب، بالقرب من شواطئ اليمن، مما أدى إلى إغراق سفينتين على الأقل.. وردًا على ذلك، قامت الولايات المتحدة وبريطانيا بضرب أهداف للحوثيين.. وتوفر إيران الأسلحة والتدريب للجماعات الفلسطينية المسلحة، بما في ذلك حركة حماس، التي هاجمت إسرائيل في السابع من أكتوبر الماضي، ومع ذلك، تنفي طهران أي دور لها في هذا الهجوم.
وبعد..
فيبدو أن الحرب على لبنان تُعد في مطبخ إسرائيل بطريقة خبيثة، بعد أن ذهب بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلي، إلى واشنطن، ولم يجد إلا تصفيقًا حادًا، وكلامًا لم يعجبه، من الرئيس الأمريكي، جو بايدن، ونائبة الرئيس، المرشحة المحتملة لانتخابات الرئاسة، كامالا هاريس، ومن الرئيس السابق، والمرشح الحالي، دونالد ترامب، الذي لم يعده بشىء من الدعم لإسرائيل وتلبية جميع احتياجات تل أبيب من الأسلحة، حال فوزه في الانتخابات ووصوله إلى البيت الأبيض.. كل ما قاله ترامب لنتنياهو، إنه يتعهد بإحلال السلام في الشرق الأوسط.
لم يجد نتنياهو إذًا، ما يريده من ترامب، ومنزعج من تصريحات كامالا هاريس، "ما حدث في غزة، خلال الأشهر التسعة الماضية، مدمر.. صور الأطفال القتلى والجوعى اليائسين الفارين بحثًا عن الأمان، وأحيانًا ينزحون للمرة الثانية أو الثالثة أو الرابعة.. لا يمكننا أن نُغض الطرف في مواجهة هذه المآسي.. لا يمكننا أن نسمح لأنفسنا بأن نُغمض أعيننا عن هذه المعاناة، ولن أصمت".. لذا فهو يريد، استغلالًا للفوضى في أمريكا، وموسم الانتخابات الصاخب، تفجير حرب إقليمية في المنطقة، لفرض أمر واقع على الرئيس الأمريكي القادم.. وهذا يقتضي وجود "علم زائف"، لا يضر نتنياهو إذا ما انكشف سره.. وقد وجده في "مجدل شمس".. قرية بالجولان السورية المحتلة، أهلها من الدروز السوريين المتحدثين بالعربية، ومن القليل النادر أن تجد إسرائيليًا بينهم، تعرضت لسقوط صاروخ فوق ملعب كرة قدم، قتل تسعة أطفال وخمسة من البالغين.. انبرى المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي والإعلام العبري في توجيه الاتهام إلى حزب الله، "قاتل الأطفال الذي يستهدف المدنيين"!!.. ومن عجب، أن هذا القصف، وقع بعد ساعة ونصف من قصف جيش الاحتلال لمدرسة السيدة خديجة، بدير البلح، واستشهاد خمسة عشر طفلًا فلسطينيًا وثماني سيدات.
ولأن رايات الحرب لا ترتفع إلا لمن كان له حق، وهو ما لم يتمتع به أطفال فلسطين ونساؤها، إلا أطفال "مجدل شمس"، لحاجة في نفس إسرائيل، مع أن حزب الله نفى أن يكون وراء القصف، إذ كيف يفعل ذلك في سوريين مدنيين وعرب، وليسوا من بين أهدافه العسكرية التي يتقصدها في إسرائيل، كما جرت عادته في الشمال، إلا أن جيش الاحتلال مصمم على اتهام حزب الله، مع وجود سابقة لجيش الاحتلال، وموثقة بالفيديو، عن سقوط صاروخ من القبة الحديدية لتل أبيب بالخطأ، في المناطق الخالية من "مجدل شمس".
إسرائيل تريد الاستفادة من هذه الواقعة، لخلق "سردية" تتحصل بموجبها على الدعم اللازم لضربها حزب الله، وإشعال الحرب البرية في جنوب لبنان، أو توجيه ضربة جوية موسعة، لا يجب على حزب الله الرد عليها، حتى يعود الطرفان إلى قواعد الاشتباك المتعارف عليها بينهما.
حفظ الله مصر من كيد الكائدين.. آمين.