خلال مناقشتها بنادي القصة بالإسكندرية..
أماني عزالدين: "الحرب في الشرق" تمس وجدان كل من عاش بهذا الزمن
تحدثت الكاتبة أماني عز الدين عن الخيال الموسيقي في رواية "الحرب في الشرق"، للكاتب د. زين عبد الهادي، وذلك خلال مناقشة الرواية بنادى القصة فرع الاسكندرية.
الخيال والموسيقي في “الحرب في الشرق”
وقالت “عز الدين” حديثها عن رواية زين عبد الهادي: البداية أود أن أذكر أننا أمام رواية تتجلى قوتها في أن الراوي هنا هو طفل صغير، لا أحد يستطيع أن ينكر أن هناك حدثا أشد إيلام علي النفس البشرية من الحرب وما تتركه من أثر مظلم داخلنا.
يأخذنا الطفل الراوي إلى عالمة ليحدثنا عن واقع الحياة التي عاشها تحت وطأة الحرب وما تبعها من تدمير وتهجير وانتقاله من مدينته الجميلة بورسعيد إلي القاهرة تلك المدينة ذات السماء الضيقة كما وصفها. ربما رأها كذلك بعين طفل لم يستطع أن يمارس فيها براءته كبقية أطفال مدينته ويستمتع باللعب بطائرتة الورقية فقام بتمزيقها وكان هذا اعتراض واضح منه برفضه التأقلم مع تلك الحياة الجديدة. هذا الطفل الذي بالكاد لامست أقدامه الأرض منذ بضع سنوات.
وأردفت: هنا في رواية الحرب في الشرق ستجد الكثير من الأحداث التي يرويها لنا بدقة بدءا من وصفه للشتاء والسماء والبيوت وصولا إلي تعلقه الشديد بأمه التي يحكي لنا عن صوتها العذب وهى تغني أغاني ليلي مراد وأسمهان وما تحدثه من تناغم بينهما.
أجدني أقف أمام فيلم قديم أبيض وأسود له خلفية موسيقية كلاسيكية تأخذني وتظل تلازمني طيلة أحداث الرواية. طفل يحمل في داخله الكثير من المشاعر مع القليل من الأماكن والكثير الكثير من التفاصيل التي جعلتني أقرأ وكأنني أري وكأنني أسمع، أقرأ وكأنني انتقلت بروحي عبر الزمن لمكان اخر حيث يحكي لي هذا الطفل عن عالمه وعائلته، وبلدته الجميلة كل شيء هاديء إلي أن تعصف الحرب.
وتابعت “عز”: منذ البداية وحتي الختام أجد هذا الطفل فى حالة بحث دائم ينبش بين ذكريات بدت غير واضحة وكأنها تختفي خلف ضباب ثقيل يحاول أن ينتزع منها ما قد يساعده ويدله علي طريق يعيده إلي ذلك الوطن المسلوب والمتمثل في مدينته بورسعيد حتي يجد الأمان الذي سلب منه.
ويتحدث عن بيت جده كان بيت واحد يجمع عائلة كبيرة، فيتشارك الأجداد والآباء والعمات والأبناء حياة واحدة، وسقفًا واحداَ وطعامًا واحدًا.يجلسون جميعا حول طبلية ترفض ارتداء الأقنعة فتنكر طلائها وتعود للونها الكالح. يحكي عن الصور الكثيرة الباهته المعلقة داخل البرواز. كذاكرته المثقلة المحملة بالكثير من الأحداث التي لا أعرف هل يرويها لنا ليتحرر منها أم أنه يرويها ليثبت غرسها في وجدانه.
الأطفال هم الأقدر علي وصف ويلات الحرب
أرهقني هذا الطفل الذي يحمل في ذاكرته أشياء لا أدري كيف أنه ما زال محتفظا بها يصف كل شيء بدقة متناهية دون ان يغفل التفاصيل، أري ذلك واضحا حين قام بوصف عمته أمينة بأنها كالثعبان لم يخطر ببالي أبدا أنه يقصد أنها بلا رموش بسبب أصابتها بالرمد. هذا الطفل استطاع أن يتأرجح بي ما بين الخيال والحقيقة وينقلني إلي عالم الخيال وحكايات الجدة عن العفاريت والجنيات والعمالقة والاسكيلوب ذوي العيون الواحدة، وأيضًا في اعتقاده بملازمة اثنين له، لا تدركهما سوى عينيه وحده. ثم يعود بي إلي زمن الحرب كان دقيقا جدا في وصفه ملامح الحرب من ينسي النوافذ ذات الطلاء الأزرق والأصوات المدوية والشوارع الخالية من المارة.
حتي لحظات السعادة القليلة التي مر بها لم يغفل عن ذكرها لكن هل حقا كانت سعيدة بالنسبة له أم أنه كان يجترها بأسي وحزن أيضا، كيوم نجاحة وما ذكره عن السترة التي صنعتها له جدته شيء ما في وجداني جعلني أتوحد مع هذا الطفل واتبعة إلي حيث يريد.بكيت لأجل هذا الطفل الذي كره السماء الضيقة سماء القاهرة التي لاتتسع لطائرته الورقية.
واختتمت عز: حين انتهيت من قراءة الرواية أدركت حقيقة أن من يستطيع وصف الحرب ليس المؤرخين ولا العجائز كما كنت أظن ولكنهم الأطفال هم الأقدر علي وصف ويلات الحرب بعيونهم الصغيرة ومشاعرهم البريئة لأنه وللأسف الحروب تخلق منهم عجائز من نوع آخر، عجائز لم تتجاوز أعمارهم العاشرة ولكنهم محملين بذكريات أضعاف أعمارهم مرات ومرات. الحرب في الشرق رواية ذات طابع إنساني تمس وجدان كل من عاش بزمن الحرب وعاني منها وحفرت في ذاكرته.