رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الخطاب الرابع فى الكونجرس

لم يتسن للبيت الأبيض الاطلاع على نسخة من الخطاب الذى ألقاه نتنياهو أمام الكونجرس، الأمريكيون قالوا إنهم متأكدون أنه سيكون خطابًا مختلفًا عن الخطاب الذى ألقاه فى عام ٢٠١٥، عندما فعلها نتنياهو من خلف ظهر الرئيس الأمريكى حينذاك باراك أوباما.. هل نتنياهو هو الذى تغير وأصبح لا يتحرك من خلف الرؤساء الأمريكيين؟.. لا نتنياهو لم يتغير.. الشهور الأخيرة أثبتت ذلك، لكن الظروف هى التى تغيرت. 

الظروف نعم تغيرت، ولكن ليس كلها للأفضل بالنسبة لنتنياهو، فالخلافات بينه وبين بايدن كانت قوية خلال الشهور الماضية، خلافات كانت حول الحرب فى غزة وطريقة إدارتها، ومسألة اليوم التالى، والدفع بحل الدولتين، ربما كان الأمريكيون متفقين نسبيًا مع نتنياهو فيما يخص الجبهة الشمالية وحزب الله والحوثيين، لكن حول غزة، هناك خلافات، وعلى الرغم من ذلك ظل نتنياهو يراوغ ويتلاعب، حتى وصل إلى إحدى المنصات التى يحبها «هو يحب منصتى الأمم المتحدة والكونجرس»، بصفته الزعيم الوحيد فى العالم الذى ألقى ٤ خطابات فى الكونجرس أكثر من أى زعيم أجنبى آخر على الإطلاق.

نتنياهو فهم الأهمية الكبيرة لزيارته، وفهم أن حملة دعاية مجانية جاءت له دون أن يدفع مقابلها شيئًا، وفهم نتنياهو أيضًا أن ظهوره فى الكونجرس له وزن أمنى كبير جدًا، لأنه فى العام ونصف العام الماضيين، كان أحد الأشياء المهمة التى أضعفت إسرائيل، هو الشعور بأن هناك أزمة فى العلاقات بينها وبين الولايات المتحدة، لكن نتنياهو كان يخرج علينا كل يوم ويقول: «علاقتنا مع حلفائنا الأمريكيين ممتازة»، وينظر للكاميرا وهو يبتسم، والخبر التالى يكون عن خلاف كبير مع البيت الأبيض، وهو يكرر أن كل شىء على ما يرام.

ادعى نتنياهو أنه لا توجد أزمة حقيقية، لكن أعداءه كانوا مقتنعين بوجود أزمة حقيقية، وبالتالى من وجهة نظر نتنياهو، فإن ظهوره فى الكونجرس هو تأكيد ليس محل شك أنه لم يكن هناك خلاف، رغم أن الجميع يعرف أنه كان خلافًا، لكن خطابه فى الكونجرس سيقطع الألسنة.

مرة أخرى يستطيع أن يؤكد ما كنا نراه نقيضه.

فى المحصلة، وصل نتنياهو إلى البيت الأبيض فى وقت تتفق فيه إسرائيل والولايات المتحدة على معظم القضايا، وكما يبدو أن الأمريكيين ارتاحوا لمضمون الخطاب بعد التوضيحات التى تلقوها من مكتب نتنياهو، رغم أنهم كانوا قلقين للغاية من أن يحرج نتنياهو إدارة بايدن، لكن نتنياهو لم يفعل، فقد أراد خطابًا قويًا، خطابًا يوحد الإسرائيليين والأمريكيين وينسجهم معًا، خطابًا تصالحيًا مع البيت الأبيض. 

الخطاب بالنسبة لنتنياهو ليس مجرد فرصة للحديث عن إيران وحزب الله ومحاولة التملص من قتل المدنيين فى الحرب فى غزة، ومهاجمة الحركات الاحتجاجية فى الجامعات الأمريكية، لكن الهدف كان مثلما قال نتنياهو بشكل واضح: «أعطونا المزيد من المساعدات لننهى المهمة»!

نتنياهو كسب شيئًا آخر من تلك الزيارة، وهو إضاعة الوقت حتى الأسبوع؛ حتى يبدأ الكنيست عطلة حتى أواخر أكتوبر، وبمجرد عدم انعقاد جلسة للكنيست، فلن تكون لديه مشكلة فى التوصل إلى صفقة وقف إطلاق النار، لأنه لن يكون هناك بعد الآن طريق أمام سموتريتش وبن غفير لإسقاط الحكومة. 

ورغم أنهما قادران على الصراخ والتهديد والاحتجاج، فلن يتمكنا من التوصل إلى تصويت لحل الكنيست قبل الخريف، وبحلول ذلك الوقت، سيكون نتنياهو وجد خطة أخرى.