رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

السر الكبير.. لماذا ضربت إسرائيل «الحوثيين» بشكل مباشر لأول مرة؟

ضربة إسرائيل للحوثيين
ضربة إسرائيل للحوثيين

الأسبوع الماضى، شنت القوات الجوية الإسرائيلية غارات استهدفت منشآت لتكرير النفط فى محافظة الحديدة، غربى اليمن، وأسفرت عن سقوط ستة قتلى وعشرات الجرحى، وحرائق استمرت لعدة أيام، فضلًا عن تدمير خزانات نفط ومحطة لتوليد الكهرباء فى رصيف الميناء التابع لسيطرة الحوثيين. 

جاءت الضربة الإسرائيلية فى أعقاب هجوم بطائرة دون طيار على تل أبيب، نُسب إلى الحوثيين، وأسفر عن مقتل شخص وإصابة آخرين، وبعد ساعات منها أطلق الحوثيون، الأحد الماضى، صاروخًا بالستيًا على إيلات، تم اعتراضه.

وتُمثل الحادثة السابقة الأولى لإسرائيل فى ضرب الحوثيين باليمن بشكل مباشر، ما يعطى مؤشرات على حدوث تغييرات فى ساحات المواجهة، ويحمل رسائل متعددة لجهات مختلفة، ويطرح المزيد من التساؤلات حول مدى خطورة الأيام المقبلة، واحتمالات توسع المواجهة لتشمل الإقليم كله، وهو ما نستعرضه فى السطور التالية..

رسالة ردع للأذرع الإيرانية بالمنطقة دون التورط فى حرب استنزاف واسعة النطاق

لسنوات، لم تنظر إسرائيل إلى الحوثيين باعتبارهم تهديدًا مباشرًا، رغم أن العديد من التقييمات، التى أجراها كبار مسئولى المخابرات الإسرائيلية، كانت تولى اهتمامًا كبيرًا بمسألة الحرب على جبهات متعددة.

وفى حينه، ذكرت التقديرات أن تلك الحرب ستشمل «حزب الله» و«حماس» و«الجهاد الإسلامى»، و«الحوثيين»، والميليشيات الشيعية فى العراق وسوريا، ومع ذلك ظلت الساحة اليمنية ذات أولوية منخفضة للغاية بالنسبة لإسرائيل.

وبعد اندلاع الحرب فى غزة، هاجم الحوثيون إسرائيل بالصواريخ والطائرات دون طيار لعدة أشهر، وفى هذه المرحلة كانت إسرائيل تتحرك ببطء حيالهم، واكتفت القوات الجوية الإسرائيلية بضرب الأهداف المتقدمة من الدول التى لديها معرفة استخباراتية أفضل عنها، مثل سوريا ولبنان، قبل أن ترفع اهتمامها بالحوثيين بشكل متدرج، بعد تأسيس وحدة استخبارات خاصة بهذا فى الاستخبارات العسكرية؛ لتعزيز جمع المعلومات عن الحوثيين، بما فى ذلك تجنيد أو نقل خبراء الاستخبارات، للتركيز على جمع المعلومات حول هذه المنطقة، وعلاقة الحوثيين بإيران.

ورغم ذلك، لم تتعامل دولة الاحتلال مع الحوثيين كساحة مواجهة رئيسية، وهو ما تغير مع الهجوم الإسرائيلى على ميناء الحديدة، رغم أن إسرائيل لا تزال ترى أنه لا داعى للدخول فى حرب استنزاف مرهقة مع الحوثيين، خصوصًا مع المؤشرات بأن هجمات الحوثيين قد تتوقف فى حال التوصل لصفقة وقف إطلاق النار، وتحرير المحتجزين فى قطاع غزة.

وترى إسرائيل أن فتح ساحة استنزاف مع الحوثيين سيكون مرهقًا دون جدوى، خاصة مع استمرار حربها على غزة والساحة المتوترة مع «حزب الله»، الأمر الذى يجعلها تفضل التفكير فى الرد على إيران بشكل مباشر، دون ضرب الجماعات الإقليمية الموالية بها، مع الرهان على أن إيران لا تريد التورط فى حرب مباشرة فى الفترة الحالية.

ورغم استمرار الاعتقاد الإسرائيلى بأن اليمن مجرد جبهة ثانوية فى صراع متعدد الجبهات مع إيران، إلا أن هناك مسئولين فى إسرائيل يعتقدون أنه كان ينبغى القيام بالضربة منذ فترة طويلة، أى بعد الهجمات الحوثية التى أثرت على الملاحة فى البحر الأحمر، لذا فإن إسرائيل تستعد منذ أشهر للهجوم المباشر على اليمن، وقد وضعت القوات الجوية، التى تدربت لسنوات لمهاجمة إيران، خطة لمهاجمة اليمن وضرب أهداف عسكرية ومدنية.

ومع أن الهجوم الحوثى بمُسيّرة أسفر عن مقتل إسرائيلى واحد وإصابة ١٠ آخرين، وهى خسائر أقل كثيرًا من هجمات «حزب الله»، إلا أن إسرائيل قررت الرد وتنفيذ ضربة ثأرية، ربما لأن الهجوم تم على تل أبيب، بالقرب من مبنى القنصلية الأمريكية، وهو المبنى الأكثر شهرة فى إسرائيل. فى المقابل، فإن الهجوم الإسرائيلى على ميناء الحديدة لاقى اعتراضًا داخليًا، خاصة من سكان الشمال، لأن طائرة صغيرة دون طيار على تل أبيب جعلت اليمن يشتعل، وهذا لم يكن الرد عندما يكون هناك هجوم من قِبل «حزب الله» على الشمال الإسرائيلى.

التشكيك فى القدرات العسكرية الإيرانية والتهديد بتكرار الضربة على منشآتها النفطية 

الهجوم الإسرائيلى على ميناء الحديدة فى غرب اليمن لم يكن فقط من أجل الثأر، بل كان الغرض منه أيضًا أن يُنظر إليه على أنه يمثل تغييرًا فى سياسة إسرائيل حيال الهجمات، التى بموجبها تفرض ثمنًا مختلفًا، ومدنيًا، مع تعمد الإضرار بالبنية التحتية للدولة. وعقب الهجوم، أكد متحدثون عسكريون إسرائيليون أن المواقع التى ضربتها القوات الجوية فى اليمن ذات استخدام مزدوج، أى أنها مواقع تستخدم لاحتياجات مدنية وعسكرية على السواء، أى أنها ليست مواقع عسكرية مغلقة، لتوضيح أن العملية تهدف للوصول لأى مكان وضربه، دون إعارة أى اهتمام لمسألة عدم قبول قصف المواقع التى يستخدمها المدنيون.

وعقب تنفيذ الضربة، استمرت حالة التأهب القصوى فى إسرائيل، استعدادًا لرد محتمل من الحوثيين، وأوضح مسئول إسرائيلى أن «الحدث لم ينته بعد.. وأن هذه لحظة زمنية فى حرب طويلة يمكن أن تمثل تغييرًا».

وقالت مصادر عسكرية إسرائيلية لعدد من وسائل الإعلام ما مفاده أن «جميع الأعداء فى الشرق الأوسط ينظرون إلينا بعد الهجوم الحوثى على تل أبيب، وإذا لم نقم بالرد بشكل عدوانى، فسيتم تفسير ذلك على أنه ضعف». من ناحية أخرى، فإن الهجوم الإسرائيلى على الحديدة جاء قبل يوم واحد من مغادرة رئيس الوزراء الإسرائيلى، بنيامين نتنياهو، إلى الولايات المتحدة لإلقاء كلمته أمام الكونجرس الأمريكى، فى الوقت الذى لا يوجد فيه أى خلاف بين الموقف الأمريكى والإسرائيلى حيال الحوثيين.

ويحظى الهجوم الإسرائيلى على الحديدة بدعم علنى نادر من الإدارة الأمريكية فى الآونة الأخيرة، وتم استخدامه من قبل «نتنياهو» لتحقيق مكاسب خلال زيارته إلى أمريكا، خاصة أن العملية تركت انطباعات إيجابية عند مؤيديه من الإسرائيليين والأمريكيين.

ويعد الهجوم الإسرائيلى على مصفاة نفط استراتيجية فى اليمن أكبر من مجرد ضربة تكتيكية فى الصراع المعقد بين إسرائيل وإيران، لأنه يحمل رسالة أخرى واضحة إلى طهران حول قدرة إسرائيل على تعطيل شريان الطاقة فى الشرق الأوسط، وأنها عازمة على ذلك فى إطار مناورتها الاستراتيجية.

ومن خلال استهداف أصول الطاقة الأساسية، تؤكد إسرائيل ضعف القدرات الاقتصادية والعسكرية لخصومها، التى تعتمد بشكل كبير على إمدادات الطاقة المستقرة. ولم تكن المنشأة النفطية اليمنية، رغم أهميتها، الهدف الأساسى للحسابات الاستراتيجية الإسرائيلية، بل إنها بدلًا من ذلك توضح ما يمكن تحقيقه على نطاق أوسع، وعلى وجه التحديد، تعد تلميحًا إلى الضعف المحتمل للبنية الأساسية النفطية الحيوية لإيران، وأبرزها جزيرة «خارج»، الواقعة فى الخليج العربى، وهى المحطة الرئيسية لتصدير النفط فى إيران، وتتعامل مع معظم صادرات البلاد من النفط الخام. ولا تشكل تلك المنشأة مجرد أصل اقتصادى، بل إنها تشكل عقدة حاسمة فى النفوذ الجيوسياسى الإيرانى وقدرته على تمويل الأنشطة الإقليمية والوكلاء. ومن خلال استعراض إسرائيل قدرتها على ضرب أهداف مماثلة فى اليمن، فإن إسرائيل تنبه إيران فعليًا إلى أن جزيرة «خارج»، والبنية التحتية الحيوية الأخرى، قد تكون التالية. علاوة على ذلك، يسلط الهجوم الضوء على مدى قدرة إسرائيل على العمل العملياتى والاستخباراتى، فاليمن ليست دولة مجاورة، واللوجستيات اللازمة لمثل هذه الضربة معقدة، ومن خلال تنفيذ هذه العملية بنجاح، توضح إسرائيل مدى قدرتها على فرض قوتها وردع الخصوم.