الويبو خزانة الفكر
العقل البشري طاقة هائلة كامنة، ومهارة استثمارها تتفاوت بين الناس. وعلى قدر عصف هذا الفكر واستغلال مخزونه من الطاقة الفكرية يظهر الإبداع ويأتي التميز وتتحقق الريادة. فكم في المقابر من عقول مبدعة كانت تستحق الاهتمام، لكن لم تُتح لها الفرص لتستفيد البشرية من طاقاتها الفكرية التي دُفنت معها. كما هو حال الوطن العربي لم يُستثمر استثمارًا حقيقيًا في مبتكريه، وما أُعتني بمبدعيه، في حين تبنت الدول الأكثر تقدمًا المبدعين والمبتكرين من شتى الأقطار ومختلف الأجناس، وجنت ثمار ذلك مزيدًا من التقدم والتطور. وفي هذا الإطار أطلقت المنظمة الأممية وكالة متخصصة لرعايتهم، "الويبو" (المنظمة العالمية للملكية الفكرية)، هي وكالة الأمم المتحدة التي تخدم المبتكرين والمبدعين في أنحاء العالم ضمن منظومة نحو 193 دولة، مما يضمن انتقال أفكارهم بأمان إلى السوق وتحسين حياة الناس في كل مكان. وذلك بتقديم الخدمات التي تمكن المبدعين والمبتكرين ورواد الأعمال من حماية ملكيتهم الفكرية وتعزيزها عبر الحدود، والعمل كمنتدى لمعالجة أحدث مسائل الملكية الفكرية، وكبنك للبيانات والمعلومات التي تُسهم في ترشيد صناعة القرار في جميع أنحاء العالم، من خلال مشاريع قائمة على التأثير والمساعدات التقنية، بحيث تعود الملكية الفكرية بالفائدة على الجميع في كل مكان. كما تعمل باستمرار على تطوير متوازن للقواعد والمعايير الدولية ذات الصلة بالملكية الفكرية، لتقديم خدمات عالمية تُسهل الانتفاع بالملكية الفكرية في سبيل التنمية مع حماية هذه الأفكار.
وتعمل على تقديم خدمات عالية الجودة في إطار أنظمة حماية الملكية الفكرية العالمية، وتعمل أيضًا على تنسيق محتوى البنية التحتية العالمية للملكية الفكرية وتطويرها كمصدر ومرجع عالمي للمعلومات والدراسات المتعلقة بالملكية الفكرية، في إطار تشجيع التعاون الدولي على إذكاء الاحترام للملكية الفكرية، وتدعيم السياسات العامة العالمية لبناء آلية تواصل متجاوب بين "الويبو" والدول الأعضاء، وجميع الراغبين في الاستفادة من هذا المخزون الفكري والإبداعي، لتعزيز بنية دعم إداري ومالي فعالة تُمكن "الويبو" من تنفيذ برامج ومشاريع مستمرة.
المنافسة العالمية شرسة في السباق الفكري من أجل الريادة. لذلك فقد صُنّفت سويسرا والسويد والولايات المتحدة الأمريكية، والمملكة المتحدة، وسنغافورة، وفقًا لمؤشر "الويبو" العالمي للابتكار، على أنها الاقتصادات الأكثر ابتكارًا في العالم في عام 2023م، في حين برزت، خلال العقد الماضي، مجموعة من الاقتصادات ذات الدخل المتوسّط باعتبارها الأسرع ارتقاءً لتصنيفات مؤشر الابتكار العالمي. خلال السنوات العشر الماضية، انضمت إندونيسيا "المرتبة 61" إلى الصين، وتركيا "المرتبة 39"، والهند "المرتبة 40"، وفييتنام "المرتبة 46"، والفلبين "المرتبة 56"، وإيران "المرتبة 62"، في مجموعة البلدان ذات الدخل المتوسّط الأسرع ارتقاءً لتصنيفات مؤشر الابتكار العالمي.
في السنوات الأربع الماضية، كانت موريشيوس "المرتبة 57" وإندونيسيا والسعودية والبرازيل وباكستان الأكثر ارتقاءً للتصنيف "بترتيب تقدمها في التصنيف". حقق ما مجموعه 21 اقتصادًا أداء متفوقًا في الابتكار يفي بالتوقعات المستندة إلى مستوى التنمية في هذه الدول، ويقع معظم تلك الاقتصادات في إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، وجنوب شرق آسيا وشرق آسيا، وأوقيانوسيا وهي قارة تشمل "أستراليا، ونيوزلندا، وميلانيزيا، وبولنيزيا، وميكرونيزي". وفي هذا السياق لا تزال الهند وجمهورية مولدوفا وفيتنام تحقق أداءً متفوقًا في الابتكار للعام الثالث عشر على التوالي. كما حافظت إندونيسيا وأوزبكستان وباكستان على أدائها المتفوّق للعام الثاني على التوالي، وكذلك البرازيل للعام الثالث على التوالي. حققت السعودية "المرتبة 48"، وقطر "المرتبة 50"، والبحرين "المرتبة 67"، وعُمان "المرتبة 69"، والأردن "المرتبة 71"، ومصر "المرتبة 86" تقدمًا ملحوظًا في التصنيف العالمي للابتكار. وقد انضمت عُمان والبحرين إلى البلدان السبعين الأولى في التصنيف، وصُنفت عُمان ضمن المراتب العشر الأولى على مستوى العالم من حيث خريجي العلوم والهندسة.
مع أن المؤشر يعكس بعض التقدم في بعض البلدان العربية، إلا أن معاناة المبتكر والمبدع العربي لم تزل قائمة وبقوة، فالمنتجات الفعالة في المجالات والصناعات المدنية والعسكرية مازالت تُستورد من الخارج وتتحكم في تقنياتها الدول المصدرة لها وليس المستوردة، كما هو حال الوطن العربي الذي لم يحظ فيه المبدعون والمبتكرون بالدعم والتمكين الذي يجعل من ابتكارهم وإبداعهم سلعًا وخدمات ذات جودة عالية لها القدرة على المنافسة في الساحة الدولية، بما يُغير في طرفي المعادلة ويتقدم فيه مسار التصدير على الاستيراد. أم أنها معادلة صفرية مفروضة النتيجة؟ ولا يمكن التغيير في مكوناتها. لتظل الفرص محدودة ومرهونة بمفهوم القوة والنفوذ.
- رئيس مركز المعرفة العربية للاستشارات