د.سامح إسماعيل لـ«الدستور»: عبد الرحمن بدوي انطلق من التأكيد على وجدان الفرد
تحدث الباحث د.سامح إسماعيل عن المفكر عبد الرحمن بدوي في ذكري رحيله في مثل هذا اليوم من العام 2002.
عبد الرحمن بدوي: ناقد عنيف للتراث
واستهلّ إسماعيل حديثه لـ"الدستور"، بالقول "إن عبدالرحمن بدوي انطلق في طروحاته الفلسفية والمعرفية من رفض سطوة التراث الماضوي الذي يدمر الذاتية لمصلحة اللا متناهي، ممّا يعنى خضوع الذات بشكل مطلق للموضوعات التي تواجهها، أي القضاء على تنوع الذوات والفناء في اللا متناهي؛ من أجل البحث عن ذات واحدة؛ تمثل عقلًا جمعيًا جامدًا لا يقبل بالتعددية الفكرية.
ومضى ينتقد ما يسمى بالروح الإسلامية؛ التي اختزل فيها الأصوليون كل شيء، مفككًا بنيتها التراثية؛ حيث إنّها في رأيه تقبل الإجماع، ولكنها لا تقبله على أساس أنّه إجماع ناجم عن أفكار لذاتيات مختلفة؛ جرى نوع من التوفيق بينها، إنّما تقبله على أساس أنّه تعبير عن المطلق أو اللا متناهي، وهذا بدوره أفضى ببدوي به إلى التأكيد على أنّ الحضارة الإسلامية لم تتمكن من إبداع فكر حقيقي، لأنها ترفض الذاتية، مدللًا على ذلك أنّه لم يكن لأحد من المشتغلين بالفلسفة اليونانية من المسلمين روح فلسفية أصيلة، لأنّهم لم يقدروا على الاستفادة من الفكر اليوناني بشكل صحيح، وعجزوا عن ابتكار فلسفة جديدة خاصة بهم، واكتفوا بالنقل والترجمة، ومحاكاة الفكر اليوناني بصيغ مختلفة غير إبداعية.
ولفت إسماعيل إلى أن بدوي واصل نقده العنيف للتراث بإظهار الأثر السيئ الذي تركته اللا ذاتية على الحضارة الإسلامية، لافتًا إلى أنّ الفن لم يتطور في الحضارة الإسلامية، لأنه مُنافٍ لتلك الروح اللا ذاتية، ويرى أنّ ما يسمى "فنًا إسلاميًا" ليس فنًا على الإطلاق، إنّما هو مجرد تزويق أي مجرد فن آلي يفتقد إلى القدرة على تحقيق النموذج الأعلى في الفن، وهو ناجم أساسًا عن فقدان الذات؛ تلك الذات التي يعتبرها "الأنا المريد"، والمرء لكي يجد ذاته؛ عليه أن ينشدها في فعل الإرادة لا في الفكر بوصفه فكرًا، والمقصود هنا الفكر بوصفه حالة لا عملية، وعلى هذا ينتقد بدوي مقولة ديكارت "أنا أفكر إذن أنا موجود "؛ لأنّ الفكر في نظره لا يمكن أن يؤدي إلى الوجود، أو بالأحرى إلى إثبات وجود ذات، وإنّما فعل الفكر هو الذي ينقل الذات إلى حيز الوجود.
وذهب عبد الرحمن بدوي إلى القول إنّ الشعور بالذات؛ يأتي عن طريق الإرادة أو الفعل؛ لأنّ الأمر سيرتد حينئذٍ إلى فعل الفكر بوصفه فعلا إراديًا بعد أن كان يقصد به الفكر كحالة، مؤيدًا "دي بيران" في قوله "أنا أريد، أنا أفعل، فأنا إذن موجود ".
وعليه يصبح الشعور بالذات هو الشعور بالأنا المريد، وفي تأكيده لمدى ارتباط الحرية بالوجود؛ يذهب بدوي إلى القول إنّ الإرادة لا تقوم إلا بالحرية، فالشعور بالذات يعنى الشعور بالحرية، ومن هنا فإنّ للذات والإرادة والحرية معان متشابكة، يؤيد بعضها بعضًا، ولهذا فإنّ الشعور بالذات يزداد بمقدار ما يزداد الشعور بالحرية، وبالتالي بالمسئولية. والذات الحقة في رأيه هي الذات الحرة إلى أقصى درجات الحرية الحاملة لمسئوليتها؛ بكل ما تتضمنه من خطر أو قلق أو تضحية؛ ليصل إلى حد اعتبار الحرية هي المعـنى الأعلى لكل وجود إنساني.
وانطلق عبد الرحمن بدوي من التأكيد على وجدان الفرد، وتأكيد ذاتيته ووجوده كفاعل كامل الإرادة، وكامل المسئولية، وذات الفرد هنا دائمة البحث عن وسائلها المعرفية؛ لإسقاط بنيان الضرورة الذي يتشكل في كل ما هو حتمي وجبري، والانطلاق بـ (الأنا) الذاتية بعيدًا عن دوائر الأنا الجماعية، باعتبارها ماهية الوجود الإنساني، والوسيلة الوحيدة لتحقيق هذا الانفصال الحتمي عن كل الأيديولوجيات.