رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

حاتم الجوهرى: وجودية عبدالرحمن بدوى تمرد على الأنساق التاريخية (خاص)

دكتور عبد الرحمن
دكتور عبد الرحمن بدوي

المفكر الكبير، الفيلسوف د. عبدالرحمن بدوي، واحد من أبرز أسماء الفلاسفة العرب في القرن العشرين. وهو الذي وصفه الدكتور طه حسين بعدما ناقش رسالته لنيل درجة الدكتوراه - الزمان الوجودي -  عام 1944 "الآن.. أصبح في مصر فيلسوف".

وعن عبدالرحمن بدوي وبصمته في الفكر المصري والعربي الحديث، تحدث الأكاديمي الباحث دكتور حاتم الجوهري، أستاذ الدراسات الثقافية والنقد الأدبي، في تصريحات خاصة لـ"الدستور": هناك ملامح يمكن أن تكون دالة في فهم تجربة عبدالرحمن بدوي؛ تشمل نشاطه السياسي ومذكراته إضافة إلى كتبه بالطبع، بداية سنجد أنه كان عضوًا في حزب مصر الفتاة بحزمة روافده الفكرية، ثم خرج منه وانضم للحزب الوطني الجديد في معية فتحي رضوان مؤسسه الذي خرج بدوره من حزب مصر الفتاة، وعُرف الحزب الجديد بمواقفه الوطنية ضد الاحتلال ورفض التحالف مع أمريكا وبريطانيا، وبعد قيام ثورة 23 عام 1952 التي قام بها الجيش المصري على النظام الملكي، ساهم في كتابة دستور جديد للبلاد عام 1953،  إلا أن الدستور الجديد تم استبداله عام 1956.

عبدالرحمن بدوي كان يبحث بنفسه عن الخلاص في العالم

وقال الجوهري: أما عن مذكرات عبدالرحمن بدوي والتي نشرت عام 2000،  فنلمح فيها ثورته وتمرده على الكثير من الشخصيات المصرية المعروفة في المشهدين الثقافي والسياسي، بما يدل على حالة من عدم الرضا عمومًا خاصة تأثره بمصادرة ثورة يوليو لجميع أموال عائلته وهجرته وعمله خارج مصر، فطالت آراؤه النقدية مصر الجمهورية، والكثيرين مما ارتبطوا بالمشهد المصري العام منهم طه حسين والعقاد، ومن الفلاسفة زكي نجيب محمود وغيرهم، ويمكن إجمالًا القول إن التاريخ السياسي والعائلي والفكري لعبدالرحمن بدوي جعله يتخذ موقفًا سلبيًا، من النظام الجمهوري وثورة عام 1952.

وعن أعماله ومسيرته الفلسفية فنجد فيها إشارة واضحة إلى المذهب الوجودي، بما يوحي أن عبدالرحمن بدوي كان يبحث بنفسه عن الخلاص في العالم، فالوجودية كمنهج فلسفي يسير عليه الفلاسفة يمكن أن نربطها بقدرة الذات الفردية على بناء نموذج معرفي وفلسفي وتأويلي لمقاربة العالم، لم ينبهر بدوي بالليبرالية التي تحمل في داخلها الإرث الأوروبي المحمول على الاستعمار، ولم ينبهر بنقيضها الماركسي الذي يحمل الإرث الأوروبي نفسه المحمول على فكرة المركزية، والصراع الثنائي بين الماركسية والليبرالية الذي أراد أن يختزل كل ثقافات العالم وتمثلاته الحضارية في ثنائية أيديولوجية فلسفية تقصي ما سواها.

من ثم كانت وجودية عبدالرحمن بدوي بنية معرفية استطاع من خلالها أن يكتب "دفاعًا عن القرآن الكريم ضد منتقديه"، و"دفاعًا عن محمد ضد المنتقصين من قدره"، وقدم هذه الكتب باللغة الأجنبية وفي عقر دار الثقافة الأوروبية مخاطبًا جمهرة المثقفين والفلاسفة الأوروبيين.

وأضاف: "بالتالي لا يمكنك القول إن وجودية عبدالرحمن بدوي كانت تمردًا على موروثه الحضاري العام وفي القلب منه الإسلام ببنيته المعرفية والمنطقية والحجاجية التي استطاع أن يقف دفاعًا عنها في أوروبا، بقدر ما كانت وجودية عبدالرحمن بدوي تمردًا على الأنساق التاريخية التي عايشها سياسيًا وفكريًا وثقافيًا، فكانت وجوديته نوعًا من البحث عن بناء معرفي ذاتي للخلاص الفردي في سياق الحاضنة الحضارية والثقافية العامة للشرق، بعد شعوره بالرفض وعدم التصالح مع تلك الأنساق التي عايشها، كان يتمرد على الشرق، ولكن من أجل الشرق ومن داخل حاضنته نفسها، على عكس الكثيرين الذين يستسهلون التمرد على الشرق والارتماء في أحضان التصورات الحضارية المنافسة في الغرب".

12295456_509874022508626_4188836851920019444_n copy
12295456_509874022508626_4188836851920019444_n copy