رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

عصام الزهيرى: عبدالرحمن بدوى عقل فيلسوف نابغ ومشاعر متطرف خطير (خاص)

عبد الرحمن بدوي
عبد الرحمن بدوي

تحل اليوم ذكرى رحيل المفكر الكبير عبدالرحمن بدوي، والذي غادر دنيانا في مثل هذا اليوم من العام 2002، وعن بدوي وأثره في الفكر المصري، تحدث الباحث الكاتب عصام الزهيري، في تصريحات خاصة لـ"الدستور". 

استهل "الزهيري" حديثه عن بدوي، مشيرًا إلى: "يعد عبدالرحمن بدوي عن عقل من بين أهم العقول الفلسفية التي أنجبتها مصر في القرن العشرين، لا أريد أن أبدو أقل استخدامًا لعقلي النقدي من عبدالرحمن بدوي نفسه، لكن لا أريد في نفس الوقت أن أنتقد تجربة عبدالرحمن بدوي على طريقة عبدالرحمن بدوي التي صدم بها العقل المصري والعربي غداة نشر مذكراته (سيرة حياتي) من جزأين وقد صدرت طبعتها الأولى سنة 2000".

“بدوي” مارس حرية صقر جارح في التهام ما تصور أنها فرائس


فضيلة مذكرات بدوي كانت صراحته الاعترافية المطلقة وصدقه الذاتي التام، ومعروف أن الاعتراف مسألة قلما يعرفها أدب المذكرات العربي. لكن وباستثناء هذه القيمة الرفيعة التي تبدو لائقة بعقل مفكر نقدي عظيم تتلمذ ونبغ على يد طائفة من أهم أساتذة الفكر والفلسفة في العالم القرن العشرين، كانت مذكرات بدوي فجة وقاسية من كل وجوهها الأخرى. فقد بدا فيها مثقفًا نرجسيًا إلى حد مرضي، بل دعني أقولها: وإلى حد مخجل كذلك. 

أوضح الزهيري: "مارس بدوي حرية صقر جارح في التهام ما تصور أنها فرائس، بينما لم تكن غير شخصيات مفكرين وسياسيين بقيت وستظل جزءًا عزيزًا من ذاكرة الفكر والثقافة والسياسة المصرية، وبعيدًا عن هذه النقطة ذات الطابع الشخصي أود التركيز على ما هو أكثر أهمية في تكوين بدوي الذهني والفكري والأكاديمي والسياسي، فقد كان اهتمامه منذ بداياته البحثية الأكاديمية بالفلسفة الوجودية، وكانت الفلسفة الوجودية هي الحقل البارز الذي قدم فيه عددًا من أفضل وأهم إبداعاته الفكرية التي لا تحصى، وهي إبداعات جعلت الكثيرين - وعلى رأسهم أستاذه طه حسين - يعترفون به كأول فيلسوف مصري". 

تابع: "لكن الحدث الفكري الذي - ربما - كان يمكن أن يشكل فارقًا في مسار عبدالرحمن بدوي الفكري والإنساني هو تحذير الفيلسوف الفرنسي الشهير أندريه لالاند أثناء إشرافه على رسالة بدوي الجامعية، كان التحذير يدور حول انسياق بدوي وراء الموضة الوجودية التي أطلقها آنذاك فلاسفة مثل ياسبرز وهيدجر وكيركجارد". 

استطرد الزهيري: "والذي أستخلصه بشكل شخصي من لالاند لـ(بدوي) هو أنه كان يدرك جيدًا الخطر الذي يتهدد نبوغ تلميذه القدير، وهو حماسته المتطرفة وتقمصه النرجسي للأفكار، حماسة فكرية ظل بدوي للأسف أسيرًا لها حتى رحيله، ومنحصرًا بشكل دائم في نطاقها الخيالي المتسع نظريًا والضيق والمحدود بحيز تخصصه الفلسفي عمليًا. وهو انحصار أدى لبقاء بدوي بعيدًا عن النظرة العلمية والمنهجية المتسعة والتاريخية المؤسسة على القيم العقلية والفكرية الكبرى التي أنتجت قراءة الواقع بمنهجيات العلم وأدواته المعرفية". 

إدراك بدوي غير الموضوعي للواقع المصري

استكمل: "انطلاقًا من هذا التحذير الفلسفي يمكننا أن ندرك معنى (الإلهام الساذج) الذي وقع عليه بدوى فيما بعد في قائد ملتاث مثل (هتلر) وأيديولوجية عنصرية كالنازية، وتوهمه الخيالي في وطنية النموذج النازي المثالية، وفي صلاحيته لمصر أيضًا. ويمكننا أن نفهم من خلاله كذلك أسباب إدراك بدوي غير الموضوعي للواقع السياسي والاجتماعي المصري في منتصف القرن العشرين، ونفهم معه حتى أبعاد تجاربه الشخصية الساذجة المبتورة في الحب واضطراب علاقته بالمرأة".

 يقول الزهيري: "كان شعار بدوي كما قال هو (امتلئ ثقة بنفسك وازدراء للحاقدين)، وهو شعار استخلصه - بطريقة مغلوطة للغاية - من النضال الفكري والسياسي المجيد والمرير لأستاذه "طه حسين" الذي كان يفخر فخرًا كبيرًا بأستاذيته له. ورغم فخر بدوي بتتلمذه لطه حسين إلا أنه يروي في مذكراته كيف أنه كان يتعصب - وهو طالب الآداب - مع طلاب كليات أخرى لتأديب الذين تسول لهم نفوسهم المريضة أن يرفعوا عقيرتهم بالهتاف للوفد من طلاب كليته، ومع هذا العنف أدان بدوي لجوء طلبة الآداب لحماية عميد الكلية وقتها طه حسين، كما روى بحماس مدهش كيف اقتحموا مكتب العميد وحطموا أثاثه، وبعد ذلك كله يقدم بدوي إدانة مذهلة لأستاذه العميد بسبب تصرفاته الحزبية ولجوئه إلى رجال البوليس لحماية طلبته وكليته من هذا العنف السياسي الخطير".

420534090_122159589362031614_1154943523416971234_n
420534090_122159589362031614_1154943523416971234_n