رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

شلل الأطفال والتهاب الكبد الوبائى يفتكان بأجساد أبناء غزة

غزة
غزة

أكد مواطنون ومسئولون فلسطينيون أن معاناة أهالى قطاع غزة مستمرة، وفى تزايد، خاصة فى مدينة خان يونس، التى تشهد عمليات عسكرية مكثفة لجيش الاحتلال شرقى المدينة، الأمر الذى يزيد من تفاقم الأوضاع بها، بعد اضطرار كثيرين من سكانها إلى نزوح جديد، أو القبول بالبقاء تحت القصف الوحشى للطيران والمدفعية، والتعرض لمزيد من الإجرام الإسرائيلى.

وأوضح المواطنون الفلسطينيون، ومن بينهم عدد من الأطباء والمسئولين فى قطاع الصحة والمجتمع المدنى، أن كل أهالى غزة يعانون، حاليًا، من نقص حاد فى مياه الشرب والطعام والأدوية، وسط انهيار تام للقطاع الصحى، وعجز المستشفيات عن تقديم العلاج اللازم للمرضى أو استقبال المصابين، من جراء تدمير الاحتلال معظم البنية التحتية لمستشفيات القطاع، مع استمرار منع دخول المساعدات إليه.

وأوضحوا أن القطاع يشهد، حاليًا، انتشارًا واسع النطاق للأمراض المعوية الناتجة عن تلوث المياه، وكذلك انتشار الأمراض المعدية، مثل الكوليرا وفيروسات الكبد الوبائى، بالإضافة إلى شلل الأطفال، الذى يصيب أبناء القطاع على نطاق واسع، فضلًا عن باقى الأمراض الناجمة عن سوء التغذية وانعدام النظافة الشخصية، مؤكدين ضرورة تدخل المجتمع الدولى بصورة عاجلة لوقف جرائم الاحتلال وإدخال المساعدات الإنسانية لإنقاذ ما يمكن إنقاذه.

وقال الدكتور بكر أبوصفية، مدير مستشفى «العودة»، إن الأمور فى المستشفى، حتى الآن، هادئة نسبيًا، لكن هناك نقصًا شديدًا فى الغذاء والوقود، كحال كل مناطق شمال غزة.

وأوضح أن الأدوات والمستلزمات الطبية والأدوية ناقصة، وأن أى أدوية أو مستلزمات تنفد لا يمكن إيجاد بديل لها تحت الحصار، وذلك رغم أن بعض المؤسسات والجهات ما زالت تحضر بعض المواد الطبية البسيطة إلى المستشفى.

فيما قال سمير أيوب، من شمال قطاع غزة: «والله تعبنا من كل شىء، المعيشة صارت غالية جدًا فى ظل الحصار وعدم دخول المساعدات لأوقات طويلة بسبب تعنت قوات الاحتلال».

وأوضح، فى حديثه لـ«الدستور»، «أن هناك من يستغل الأوضاع، خاصة تجار الحروب والدم، ما أدى إلى ارتفاع أسعار جميع السلع وأبسطها»، مشيرًا إلى أن سعر كيلو السكر بلغ ما يعادل ١٠٠٠ جنيه مصرى، فيما بلغ كيلو الطماطم أكثر من ضعف ذلك.

وأضاف «بعض التجار يستغل الأوضاع الصعبة التى نمر بها جراء فرض الاحتلال إجراءات قمعية علينا، ويجبروننا على الشراء بأسعار باهظة، وهناك من لا يستطيع شراء الطعام؛ نظرًا لعدم وجود المال الكافى لذلك».

الأمر نفسه أكده سامح أبودية، من خان يونس، بقوله إن الأوضاع أسوأ ما يكون منذ بداية الحرب، خاصة بعد العملية العسكرية على المدينة والقصف الجوى والمدفعى، والذى تسبب فى هروب أكثر من ٢٠٠ ألف شخص.

وأضاف «أتحدث لـ(الدستور) حاليًا من تحت القصف وأصوات الطيران العالية التى ستقطع الاتصال فى أى لحظة، ووسط عمليات النزوح الكبيرة التى فاقمت الأوضاع الإنسانية، فالشوارع أصبحت ممتلئة بالناس، ولم يبق أى مكان يمكن أن يلجأ إليه أهالى غزة، حتى المساجد دمرت، والناس يعيشون فى الشوارع منذ بدء العملية العسكرية تحت درجات حرارة عالية، ومشاهد شديدة القسوة».

وتابع «رحلة النزوح بحد ذاتها تحمل تفاصيل مؤلمة وصعبة جدًا، وقد مررت بها عدة مرات، وفى ظل هذا الوضع وتحت القصف كل الناس يعانون فى غزة».

وحول مدى توافر البضائع فى خان يونس، قال «أبودية»: «البضائع متوافرة بنسبة قد تصل إلى ٤٠٪، لكن لا أحد يستطيع الشراء؛ لأن معظم الناس فقدوا عملهم وأموالهم».

وعن أزمة مياه الشرب، قال: «ظللت ليلة كاملة أبحث عن مياه صالحة للشرب لأسرتى، وحتى الآن، أى لمدة ٢٤ ساعة، لم أحصل على أى مياه صالحة للشرب، بل وجدت فقط مياهًا جوفية غير صالحة، لكن لم يكن أمامى غيرها، لأنى قد لا أجد مياهًا إلا كل عدة أيام، وهى لا تكفى احتياجات أسرتى حتى ليوم واحد»، مشيرًا إلى انتشار العديد من الأمراض بين أهالى القطاع، مثل الأمراض المعوية، وفيروسات الكبد الوبائى، بالإضافة إلى انتشار شلل الأطفال على نطاق واسع، كما تؤكد تقارير منظمة الصحة العالمية.

من جانبها، قالت الدكتورة افتتان كساب، الناشطة النسوية والنازحة لعدة مرات من خان يونس المدينة إلى رفح ثم المواصى، إن سكان قطاع غزة فى جميع المحافظات يعانون بسبب تكرار عمليات النزوح تحت القصف العنيف وفى ظل أوضاع مأساوية.

وقالت: «يبدو أن المشهد المأساوى والسوداوى أعجب المحتل فأصر على تكراره ومشاهدته باستمرار».

وتابعت «الشيوخ حاليًا لا يستطيعون التحرك، والأطفال فى الشوارع يبكون، والنساء رسمت على وجوههن ملامح الإهانة والمعاناة، وأهالى مدينة خان يونس عادوا ليجدوا ركام بيوتهم المدمرة، ويعيش معظمهم فى خيام بائسة، وفى ظل نقص الإمكانات، ووسط بنية تحتية مدمرة، وفى ظل عدم توافر المياه الصالحة للاستخدام الآدمى، وانتشار الأمراض المعدية، وعلى رأسها مرض الكوليرا، الذى أودى بحياة مئات الأطفال، مع انتشار واسع لسوء التغذية ونقص المواد الأساسية، مثل الحليب والبيض واللحوم، ومواد التنظيف، بل وكل مقومات الحياة».

وأضافت «أهالى خان يونس يحيون حاليًا دون مأكل أو مشرب أو مسكن، إلا أنهم آثروا الوجود فى حاراتهم المنكوبة مع استمرار معاناتهم اليومية للبقاء على قيد الحياة، بعد أن سلبت منهم أبسط مقوماتها، بعد أن تعبوا من عمليات النزوج والهروب التى تكلفهم يوميًا جهدًا نفسيًا وماديًا كبيرًا».

وحول العمليات العسكرية الحالية، قال الصحفى الفلسطينى عامر الفرا إن إسرائيل ما زالت تواصل حرب الإبادة فى قطاع غزة، مشيرًا إلى أن جيش الاحتلال يركز عملياته الآن فى الأجزاء الشرقية من مدينة خان يونس، وتحديدًا فى مناطق بنى سهيلة والقرارة، وسط قصف جوى ومدفعى عنيف، مع قيام الآليات الإسرائيلية بتجريف الأراضى وتدمير مربعات سكنية بأكملها.

وأضاف «هناك عدد كبير من الشهداء والجرحى بالمنطقة، ويصعب على الدفاع المدنى وطواقم الإسعاف الوصول إليهم، لأن طائرات الاحتلال تقوم بإطلاق النار على كل من يتحرك، وهذا الوضع مستمر لليوم الثالث على التوالى، الأمر الذى أدى إلى نزوح الآلاف من العائلات الفلسطينية، وسط ظروف معيشية وإنسانية صعبة، بالإضافة إلى أن النزوح أنهك الجميع، وهناك عائلات نزحت أكثر من ١٥ مرة منذ بدء العدوان فى أكتوبر الماضى».

ولفت إلى أن عملية الاحتلال الإسرائيلى فى خان يونس قبل عدة أشهر أدت إلى نزوح أعداد كبيرة من سكان المدينة، لكن بعد هدوء الأوضاع نسبيًا عاد بعض العائلات النازحة، إلا أنها سرعان ما نزحت مرة أخرى بسبب العملية العسكرية الأخيرة شرقى المدينة.

واستطرد «عمليات النزوح المتكررة مرهقة نفسيًا وماديًا، فى ظل غياب شبه تام للمواصلات، وهناك أسر تسير عشرات الكيلومترات على الأقدام بحثًا عن مكان آمن، فى ظل ارتفاع تكلفة النقل، ووسط تفاقم الأوضاع الإنسانية والمعيشية لسكان القطاع؛ نتيجة لإغلاق المعابر وتشديد الحصار من قبل سلطات الاحتلال».

وواصل «هناك أيضًا انهيار كامل للمنظومة الصحية والمستشفيات؛ جراء خروجها عن العمل، بفعل القصف المستمر، والمعاناة تزداد فى الشهر الحالى الذى يشهد درجات حرارة مرتفعة ورطوبة عالية، ما يفاقم من سوء الأوضاع المعيشية، بالإضافة إلى الشح الكبير فى مياه الشرب والاستحمام، حتى إن هناك من يمشى لعشرات الكيلومترات بحثًا عن الماء دون أن يجده، الأمر الذى أدى إلى زيادة فى انتشار الأمراض والأوبئة بصفوف النازحين».

واختتم «الفرا» حديثه لـ«الدستور» بقوله «الأوضاع مأساوية وصعبة للغاية، وأهالى غزة بحاجة إلى تدخل دولى عاجل، لإنقاذ ما يمكن إنقاذه».

بدورها، قالت الدكتورة منال نجم، من شمال قطاع غزة، إن دخول قوات الاحتلال بريًا يتوالى على المحافظات الجنوبية الفلسطينية فى قطاع غزة منذ أواخر أكتوبر ٢٠٢٣ حتى الآن، ما أسفر عن دمار كامل فى البنى التحتية، مع هدم البيوت والمستشفيات والمدارس، واضطرار الفلسطينيين إلى النزوح من بيوتهم إلى أماكن يحددها جيش الاحتلال كأماكن آمنة لحين انتهاء عملياته.

وأضافت «هناك شح فى المياه والطعام ومواد النظافة والأدوية، وهذا أثر بالطبع على جميع فئات المجتمع، من أطفال ونساء حوامل وكبار السن، علاوة على أن بعض الأهالى نزحوا إلى بيوت الأقارب أو الأصدقاء والبعض منهم نزح إلى المستشفيات ومؤسسات المجتمع المدنى».

وتابعت «مع كل نزوح، يعيش النازحون كأنهم يبدأون صفحة جديدة فى حياتهم، فمن ينزح من منزله تحت إجبار الاحتلال لا يستطيع أخذ أى شىء من احتياجاته الشخصية، وحتى لو حمل القليل فهو سيعانى أثناء البحث عن الأمان، ووسط المخاوف من الإصابات والأمراض، فى ظل دمار المستشفيات والعيادات الصحية، أما الأطفال فمعاناتهم أكبر فى ظل نقص الأدوية والتطعيمات وانتشار سوء التغذية».

وواصلت «النازحون محرومون من الحصول على المياه النقية الصالحة للشرب، وجميع الآبار أصبحت ملوثة، وشلل الأطفال ينتشر بين أطفال قطاع غزة على نطاق واسع».

وطالبت بوقفة دولية لإعادة مقومات الحياة الكريمة إلى أهالى القطاع، ومجابهة النقص الحاد فى الاحتياجات الشخصية والمياه والأدوية، وغيرها من المستلزمات الضرورية التى لا يمكن للأطفال وكبار السن الحياة بدونها.