لهجة حكومية جديدة
لا شك أن اللهجة الحكومية الآن تغيرت.. أصبحت تعترف بالمشاكل والأزمات بمصارحة ومكاشفة غابت كثيرًا، سواء عنها أو عن حكومات مصر السابقة.. لم تعد تنكر أو تنفى أو تتجاهل، وهى عادات حكومية قديمة.. لم تعد تدافع فقط عن نفسها، بل توضح وتبرر وتعتذر.
تتأسف للشعب عن المشكلة، وعندما يصاحب الاعتراف اعتذار يشعر المواطن بالتقدير وبعدم التسفيه من معاناته.
لذلك فإن اللغة تغيرت فعلًا وليس اللهجة فقط، فى انتظار أن يصاحبها تغير فى الأداء.
وبما أنها حكومة حديثة، فإن تغيير الأداء لن يتم الحكم عليه الآن، ولكن هناك بارقة أمل.. وهو ما كان يحتاج المصريون إليه.. فإن أكثر الأشياء استفزازًا أن يعانى المواطن مشكلة ما ولا يشعر بأن هناك اهتمامًا من حكومته بمشكلته، وهو ما يعقّد الأمور، وهو أيضًا ما جعل الأزمات تتفاقم فى آونة أخرى.
اعترفت الحكومة، ممثلة فى رئيس الوزراء الدكتور مصطفى مدبولى، بمعاناة المواطنين من مشكلة قطع التيار الكهربائى، واعتذر «مدبولى» للشعب المصرى، وشرح أسباب ذلك بوضوح، وقال إن حكومته تعمل ليل نهار على انتهاء هذه الأزمة، ووعد بالتخلص منها نهائيًا مع نهاية العام الحالى، كما بشر المواطنين بأن تخفيف الأحمال سينتهى فى الأسبوع الثالث من يوليو.. فقد عرف أن الاستخفاف بالأزمة هو أزمة فى حد ذاته، لذلك اعتذر، وهو أسلوب حكومى جديد.
اعترف، أيضًا، بأزمة نقص الأدوية، وهى مشكلة كبيرة تواجه الناس، خاصة أصحاب الأمراض المزمنة، وقد شهدت الأسابيع الماضية معاناة مرضى السكر بسبب نقص الإنسولين والبحث عنه فى كل مكان على سبيل المثال، لدرجة أنه عندما توافر فى صيدلية تتبع وزارة الصحة كانت الطوابير تغلق الشارع المقابل لها طوال اليوم حتى الرابعة فجرًا.. لذلك تحدث رئيس الوزراء عن نقص الأدوية وشرح أسباب الأزمة وتداعياتها، والحلول التى ستتبعها حكومته للقضاء عليها، كما أعلن عن موعد انتهائها تدريجيًا بحد أقصى ثلاثة أشهر.. على أن تتوافر أدوية الأمراض المزمنة بعد أول شهر.
ولأن لدى المواطن المصرى قلقًا شديدًا بسبب سد النهضة وحصة مصر التاريخية فى مياه نهر النيل، تطرق «مدبولى» فى حديثة إلى هذا الموضوع، موضحًا الأمر بكل تفاصيله، وأنه لا مساس ولا ضرر بحصة مصر، كما أعلن عما تفعله الحكومة لزيادة مواردنا المائية من مياه جوفية وتدوير مياه الصرف الزراعى، ومشروعات التحلية، واعترف بأن هناك تحديًا من حيث الاحتياجات التى تزداد بسبب الزيادة السكانية.. وأنه لمواجهة هذا التحدى كانت هناك ضرورة للتعاون بخطط واضحة وتنفيذية، لمشروعات مع دول حوض النيل، فى تنفيذ مشروعات تحقق الفائدة للجميع.. وطمأن الشعب المصرى بأن الحفاظ على كل قطرة من حق مصر فى مياه النهر العظيم من ثوابت حماية الأمن القومى.
وفى خلال الفترة الماضية تساءل المصريون عما يسمى ببيع الدولة أصولها.. وهو الأمر الذى لم تتجاهله الحكومة، لأن الرد عليه وتوضيح ما يجرى بالغ الأهمية لطمأنة المواطنين من ناحية، ولتوقف اللغط الدائر من ناحية أخرى.. وقال «مدبولى» فى ذلك ردًا على سؤال، خلال المؤتمر الصحفى حول توضيح معنى استغلال الدولة أصولها غير المستغلة، إن استغلال الأصول غير المستغلة لا يعنى بيعها، وإنما هو عقد شراكة مع القطاع الخاص، سواء من خلال عقود إيجار بمدة محددة أو شراكة بنسبة من أجل استغلال الأصول المتوقفة التى لا تدر عائدًا، وإن ذلك يتيح فرص عمل ويحقق عائدًا للدولة، وهنا حدد أن ذلك لم يحدث إلا للأصول المتوقفة فقط، وشدد مرة أخرى على أن الدولة لا تبيع أصولها.
وبالنسبة للأسعار، وهى أزمة كبرى فى حياة المصريين اليومية، فقال إن ضبط الأسعار لن يتحقق من خلال القوانين فقط، وإنما من خلال توازن العرض والطلب، وشرح أيضًا هذه المشكلة باستفاضة، وجهود الحكومة للسيطرة عليها بشراء السلع الناقصة وضخها فى السوق حتى ينخفض ثمنها.
وقال إن صندوق النقد الدولى علاقتنا به جيدة، وإنه مستمر فى دعم مصر خلال الفترة المقبلة بصورة كبيرة ويقف معها فى استكمال برنامجها.
وعن الصناعة، وهى مشكلة أيضًا تسعى الدولة دائمًا لحلها، قال إنه تم إعداد الاستراتيجية الوطنية للصناعة بالتعاون مع مؤسسات دولية، وإنه وجّه بوضعها فى حيز التنفيذ خلال الفترة المقبلة.
المكاشفة هنا والاعتراف بالأزمات والمشكلات يخلقان مشاركة المواطن مع حكومته، وعدم تغييبه أو تجاهل معاناته، الأمر الذى يعطيه الأمل فى حياة أفضل.
وعندما تضع الحكومة الشعب فى الصورة يقدر مسئولياتها ويشعر بمجهودها لحل الأزمات التى تعكر صفو حياته ومعيشته.. كما أنها تشعره بقيمته، خاصة عندما تتحدث حكومته عما يشغل ذهنه ويشعره بالخوف والغيرة على بلده، كما أنها تقطع الطريق على كل مضلل ومتربص ومتآمر، وكل من ينتظر الفرصة للاصطياد فى الماء العكر.. فإن غضب المواطن بسبب أزمة ما تمس حياته اليومية من الضرورة استيعابه ومن المسئولية تحمله، لا توجيه اللوم له.. لذلك فإن الحديث إلى الشعب والاعتراف بالأخطاء والمشاكل ليس تقليلًا من الحكومة، بل تقديرًا للشعب العظيم.