المواطن والحكومة.. شركاء المسئولية
تبدو العلاقة بين تغير المناخ وقطاع الطاقة متبادلة ومتداخلة إلى حد بعيد، حيث يؤثر كل منهما في الآخر.. فقد أدت زيادة الطلب على الوقود الأحفوري، على الأخص في العقود الماضية، إلى زيادة الانبعاثات الكربونية؛ مما نجم عنه ظاهرة الاحتباس الحراري وتغيُّر المناخ العالمي، واللتان ظهرت آثارهما الآن، وربما تتضح بشدة على العالم في العقود المقبلة.. وطبيعي أن تتأثر البنية التحتية لقطاع الطاقة العالمي سلبًا بهذا التغير المناخي؛ نظرًا لظروف الطقس الحاد التي ستُعطل مرافق إنتاج ونقل الطاقة.. لذا، يتعين على العالم، لحل تلك الإشكالية المُعقدة، تبني ثلاثة مسارات جوهرية؛ أولها، اتخاذ تدابير وقائية في الأجل القصير، للاحتياط من تداعيات ظروف الطقس الحاد على بنية الطاقة العالمية، وثانيها، التوسع في استخدام تقنيات لاحتجاز الكربون في صناعة النفط والغاز العالمية، وثالثها، التوسع مرحليًا في استخدام الطاقة المتجددة في مختلف القطاعات الاقتصادية على مستوى العالم.
لقد تسارع الطلب العالمي على الطاقة في العقود الماضية، في ظل الزيادة السكانية ونمو النشاط الاقتصادي العالمي.. وفي تلك الفترة كان الفحم والنفط، إلى جانب الغاز الطبيعي، هي المصادر الرئيسية لتلبية معظم احتياجات دول العالم من الطاقة، وبنسبة تجاوزت ثلاثة أرباع إجمالي الاستهلاك العالمي من الطاقة.. وقد أدى الاعتماد المُفرط على الوقود الأحفوري في الماضي إلى أضرار بيئية واسعة، شملت زيادة الغازات الدفيئة وتلوث الهواء، وتشكُّل ما يُعرف بـ"ظاهرة الاحتباس الحراري"، وما صاحبها من ظروف مناخية مضطربة، شُوهدت آثارها في بعض أنحاء العالم خلال السنوات الأخيرة، وسيتضح ملامحها بشكل أكبر في المستقبل القريب.
إذن، أصبح التغيُّر المناخي أحد المتهمين في أزمة الكهرباء التي تسببت في "تخفيف الأحمال" بالعديد من دول العالم، ومن بينها مصر، بسبب الارتفاعات غير المسبوقة في درجات الحرارة، بالتزامن مع بدء فصل الصيف، الأكثر حرارة منذ ألفي عام، إذ شهد شهر يونيو الماضي ثلاث موجات حرارة، كانت معدلات الحرارة أعلى من المتوسطات بصورة كبيرة، وبالتالي، زاد استهلاك الكهرباء، وهو ما كان يضغط على الوقود، وبالتالي، فقد تعاملت الحكومة مع صدمات لم يتوقعها أحد، وحاولت التخفيف من تداعياتها بقدر الإمكان.. وقد حذّرت دراسات علمية نُشِرت في مجلة Scientific Reports، من أن هذا الصيف يسجل رقمًا قياسيًا جديدًا في متوسط درجات الحرارة في العديد من مناطق العالم، نتيجة التغيّرات المناخية التي يشهدها العالم.. وكان من البديهي أن تتبع الحكومة المصرية خطة لتخفيف الأحمال، للحفاظ على الكفاءة التشغيلية لمحطات إنتاج الكهرباء والشبكة القومية للغازات الطبيعية.
والآن، فقد أكد رئيس الوزراء، د. مصطفى مدبولي، أن حكومته ستُوقِف تخفيف أحمال الكهرباء خلال فصل الصيف، اعتبارًا من أول الأسبوع القادم، بعد وصول عدد من شحنات الغاز الطبيعي، في محاولة لإنهاء أزمة أزعجت المواطنين، البالغ عددهم مائة وعشرة ملايين نسمة، بخلاف ضيوف مصر من الجنسيات الأخرى، بسبب ارتفاع الطلب على وسائل التبريد خلال الصيف، الذي يزيد الاستهلاك.. وقد أفاد مدبولي بأن استهلاك مصر اليومي من الكهرباء تجاوز 37 جيجاوات بزيادة 12% مقارنة بالعام الماضي، ولذلك، فإن مصر بحاجة إلى استيراد غاز طبيعي وزيت المازوت بنحو 1.18 مليار دولار لإنهاء انقطاع الكهرباء، مع أن مصر لم تستورد الغاز الطبيعي المسال منذ 2018، لكن إمدادات الغاز تراجعت، مع تزايد عدد السكان والتنمية العمرانية التي رفعت الطلب على الكهرباء.. وتعتزم الحكومة تلبية الطلب على الطاقة في صيف 2025، من خلال الاستثمار في الطاقة المتجددة، لأنه "ليست لدينا أزمة توليد طاقة ولا نقل ولا توزيع في الشبكات، ولكن المشكلة في تدبير الوقود".
تعتمد مصر على الغاز الطبيعي والمازوت في توليد الطاقة الكهربايئة التي يذهب 40% منها إلى المنازل، وهناك أزمة منذ العام الماضي في إنتاج الغاز، تسبّبت في ضعف الإنتاج لمواجهة زيادة الأحمال التي تتسبب فيها موجات الحرارة.. وقد اتخذت الحكومة إجراءات عاجلة لاستيراد وضخ شحنات وكميات إضافية من الغاز والمازوت، لتلبية الاستهلاك المتزايد في ظل استمرار الموجة الحارة المبكرة، التي تدفع المواطنين إلى تشغيل المكيفات وأجهزة التهوية، ما يزيد من الأحمال على شبكة الكهرباء، وتسعى لشراء كميات كبيرة من الغاز الطبيعي المُسال خلال فترة الصيف، لمواجهة ذروة الاستهلاك، بآلية الدفع المؤجل، لتخفيف الضغوط المالية على الدولة، في وقت تعتزم وزارة البترول زيادة حجم إنتاجها السنوي من الغاز الطبيعي خلال 2024/ 2025، استنادًا إلى مزايدات البحث والاستكشاف التي طُرحت مؤخرًا على الشركاء الأجانب، وقرب بدء الإنتاج من عدد من مناطق الامتياز بالبحر الأحمر، التي جرى ترسيتها في العام الماضي على شركات عالمية عاملة في مصر.
لكن.. هل سأل أحدنا نفسه عن الأسباب التي أدت إلى زيادة تخفيف الأحمال في الفترة الماضية، بالرغم من أن مصر تمتلك بنية قوية لتوليد الطاقة، من خلال المحطات القومية العملاقة للتوليد التي أنشأتها الدولة خلال السنوات الماضية؟.
مصادر بالشركة القابضة لكهرباء مصر أوضحت أربعة أسباب وقفت وراء ذلك، أولها، نقص الوقود المُورَّد لمحطات الإنتاج، زيادة الاستهلاك اليومي، ارتفاع حالات سرقات التيار الكهربائي، وثبات أسعار الكهرباء وعدم تحريكها.. فكميات المازوت وإمدادات الغاز المُورَّد لمحطات إنتاج الكهرباء غير ثابتة ومتغيرة، وحال وصول الكميات الكاملة لاحتياجات وحدات إنتاج الكهرباء سيختفي تخفيف الأحمال نهائيًا، ولكن الأعباء المالية على الدولة ستتفاقم.. ثانيًا، الاستهلاك اليومي مرتفع، وقد يستمر بنفس المعدلات الحالية في الأشهر المقبلة، وهناك عدد من المساكن التي كانت شاغرة، قام باستئجارها الإخوة السودانيون والسوريون في مصر، وأيضًا زيادة المباني الجديدة، وهو ما رفع الاستهلاك بشكل كبير.. ثالثًا، ارتفعت حالات سرقات التيار الكهربائي بشكل كبير، لأكثر من 6% شهريًا من إجمالي القدرات الكهربائية، وهو ما يزيد العبء على الشبكة الكهربائية من الناحية الفنية والمالية، لأنها قدرات إضافية على الشبكة لا يدخل منها أي عوائد لشركات الكهرباء.. أما السبب الرابع لتفاقم أزمة تخفيف الأحمال وانقطاعات الكهرباء فهو ثبات أسعار التعريفة وعدم تحريكها، وهو ما يجعل سعر استهلاك الكهرباء "رخيصًا"، بالمقارنة مع خدمات أخرى تم تحريك أسعارها، ويُكبد موازنة الدولة أعباء كبيرة، ولا يُمكِّنها من جني أموال كافية لتوفير الوقود لتشغيل المحطات، وبالتالي أصبح هناك فجوة بين تكلفة الإنتاج وسعر البيع.
■■ وبعد..
فبدلًا من البكاء على اللبن المسكوب، فإنه مع استمرار موجة الحر، من الطبيعي أن يلجأ المواطنون إلى تشغيل التكييفات وغيرها من أجهزة التبريد، ومع ذلك، ربما يفاجأ البعض بارتفاع فاتورة الكهرباء خلال شهور الصيف نتيجة زيادة الاستهلاك، إلا أن هناك وسائل وطرقًا كثيرة تجعل المواطن يقلل من قيمة الفاتورة؛ بل قد ينجح في تحقيق تخفيض لا يُشعره بفارق الزيادة الكبيرة التي تطرأ على الفاتورة بسبب دخول استهلاك المواطن إلى شريحة أعلى في الاستهلاك.. وبدلًا من إلقاء اللوم دائمًا على الحكومة، فلنستشعر المسئولية، ونبدأ بأنفسنا، حتى ولو من خلال إجراءات بسيطة، لكنها مفيدة.
ومع أن البعض قد ينظر إلى ما هو مكتوب هنا باستهتار واستخفاف، إلا أن التجربة لا تضر، بل ربما كانت ناجعة في تخفيض قيمة فاتورة الكهرباء.. فمثلًا: تجنب وضع الطعام وهو ساخن داخل الثلاجة، ويجب تركه حتى يبرد، مع غلق باب الثلاجة بإحكام.. اختيار "الديب فريزر" الموفِّر أثناء الشراء، مع عدم ترك فراغات بالفريزر حتى لا يعمل الكمبريسور لفترة أطول، مما يتسبب في استهلاك الكهرباء.. استخدام مكواة البخار في كي الملابس، ويجب تجميع الملابس المراد كيها مرة واحدة في الأسبوع.. إزالة الثلج المتراكم في الثلاجة حتى تعمل بكفاءة وبأقل استهلاك للكهرباء.. إغلِ كمية المياه التي تحتاجها فقط، من خلال معايرة الكمية المطلوبة من المياه قبل الغلي.. تشغيل سخان الكهرباء قبل استخدامه بنصف ساعة فقط.. يجب ترك مسافات كافية لا تقل عن عشرة سنتيمترات بين الثلاجة أو الديب فريزر والجدار، ومسافة لا تقل عن خمسة سنتيمترات عن اليسار واليمين، لزيادة مجال التهوية التي تسهم في تقليل استهلاك الكهرباء.. عدم فتح الفرن أكثر من مرة وقت تجهيز الطعام، حتى لا تنخفض درجة الحرارة، وبالتالي يستهلك طاقة أكثر.. تشغيل المروحة بدلًا من التكييف في حالة إذا كان الطقس غير قاسٍ.. يجب تشغيل غسالة الملابس بكامل حمولتها، بعد أن تبين أنها تستهلك نفس الكمية من الكهرباء أيًا كان حجم الملابس بداخلها.. نصائح بسيطة، لكن ربما كانت مفيدة.
حفظ الله مصر من كيد الكائدين.. آمين.