أندريا رايدر: مصرى يونانى
هل ما زلنا نتذكر جيدًا هذا الاسم؟ لقد ارتبط هذا الاسم بأفيشات العشرات من الأفلام المصرية، كأشهر اسم فى ميدان الموسيقى التصويرية فى النصف الثانى من القرن العشرين، فمن هو أندريا رايدر؟
اهتمت د. رشا طموم، أستاذة الموسيقى، وأهم باحثة فى تاريخ الموسيقى العربية الآن، بهذا الاسم جيدًا وأصدرت عنه كتابًا يعد بحق أهم دراسة عنه فى المكتبة العربية. تشير رشا فى دراستها إلى الصعوبات التى واجهتها أثناء التوثيق لهذه الشخصية، سواء من ناحية ندرة المعلومات، بصفة خاصة فى المرحلة المبكرة من حياته، أو حتى التضارب الشديد فى بعض المعلومات عن شخصيته، أو حتى إنتاجه الموسيقى. وتشيد الكاتبة بالخدمات والمعلومات التى قدمها لها اليونانى المصرى «ينى ميلاخرينوديس» عاشق السينما المصرية، الذى وضع عنها دراسة مهمة.
وتُرجِّح الكاتبة أن تاريخ ميلاد أندريا رايدر يعود إلى عام ١٩١٤، أما تاريخ الوفاة فهو معروف لدينا ١٩٧١. نشأ أندريا رايدر وترعرع فى مصر، وهو من أصول يونانية. وتكشف الباحثة النقاب عن مشكلة «جنسية» رايدر؛ إذ سجل فى أوراق هويته أن جنسيته غير معينة. وتُرجِّح الباحثة أن أصول رايدر تعود إلى جزيرة من جزر البحر المتوسط، لم تكن قد انضمت لليونان بعد، لذلك لم يسجل فى هويته أنه جنسية يونانية.
درس رايدر الموسيقى فى مصر، وعلى أيدى الأرمنى بارسيان والإيطالى مينوتى، عندما كانت مصر فى تلك الفترة تعيش مرحلتها الكوزموبوليتانية، وكانت القاهرة هى هوليوود الشرق. وتشير الكاتبة إلى أن رايدر تنوعت أدواره فى خدمة السينما المصرية بين كتابة الموسيقى التصويرية للفيلم، أو توزيع الأغانى، أو مشاركة ملحن الأغانى الموسيقى التصويرية والتوزيع، وخلال هذا قدم حوالى سبعين فيلمًا مصريًا، امتدت من عام ١٩٥٣ وحتى عام ١٩٧١، عام وفاته.
وترصد الباحثة أوائل الأفلام التى شارك فيها رايدر بفنه مثل: «نشالة هانم»، «أربع بنات وضابط»، «نهارك سعيد»، «الحياة الحب»، «حسن ونعيمة»، وكل ذلك فى سنوات الخمسينيات.
كما تشير رشا طموم إلى أن أندريا رايدر كان الموزع الموسيقى المفضل الذى اختاره محمد عبدالوهاب لتوزيع أشهر أغانيه مثل «أنا والعذاب وهواك» وأغنية «لأ مش أنا اللى أبكى». كما أسند فريد الأطرش إلى رايدر مهمة إعادة توزيع أغنيته الشهيرة «الربيع»، وهى الأغنية التى عاد بها الأطرش إلى مصر بعد فترة غياب طويل، وذلك فى الحفل الشهير على مسرح سينما قصر النيل فى ٢٦ أبريل ١٩٧٠.
وتلقى الباحثة أضواءً مهمة على مجال برع فيه أندريا رايدر، المصرى اليونانى، وعبر فيه عن انتمائه لهذا البلد، وهو توزيعه العديد من الأغانى الوطنية الشهيرة. ومن أعماله المبكرة فى هذا المجال توزيعه نشيد كمال الطويل «والله زمان يا سلاحى» هذا النشيد الشهير الذى غنته أم كلثوم فى عام ١٩٥٦، مع العدوان الثلاثى على مصر. كما قام بالتوزيع الموسيقى للعديد من أشهر الأغانى الوطنية فى فترة الستينيات مثل: «صوت الجماهير» عام ١٩٦٠، «دقت ساعة العمل الثورى» عام ١٩٦٢ وغيرهما. والأمر المثير للإعجاب أن أندريا رايدر قاد أوركسترا القوات المسلحة «فرقة الموسيقات العسكرية» لمصر، وقد حصلت الفرقة، لمدة أربع سنوات متتالية، على جائزة الأداء فى المهرجان الدولى بمدينة بارى بإيطاليا. كما قام رايدر بكتابة موسيقى الفيلم التسجيلى «أنشودة الوداع» عن جنازة الرئيس جمال عبدالناصر. وربما لا يعرف البعض أن أندريا رايدر، المصرى اليونانى، المسيحى، قام بتلحين أغنية دينية غناها الشيخ محمد الطنانى هى أغنية «هايم فى حب الله».
الغريب أن هذا المبدع الكبير الذى جاءت أعماله تحمل مزيجًا من طابع وجماليات كل من الموسيقى الغربية والمصرية، لم يحصل على الجنسية المصرية إلا قبل وفاته بأشهر قليلة.