رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الطريق الصحيح للوصول إلى البطولات

لن تكون البلطجة طريقًا للبطولات الرياضية يومًا ما فى بلدنا، لن تكون فى الوقت الراهن ولا فى المستقبل، وهذا ما تأكد بعد الضجة التى حدثت فى المجتمع المصرى وغضب ورفض المجتمع المصرى ما أقدمت عليه شهد سعيد من بلطجة واضحة، وهى لاعبة فى رياضة الدراجات، واصطدامها عمدًا بمنافستها جنة السيد أثناء سباق بطولة الجمهورية تحت ٢٣ سنة بمدينة السويس فى أبريل الماضى.. وما أن تم الإعلان عن مشاركة اللاعبة شهد سعيد فى أوليمبياد باريس فى نهاية الشهر الجارى حتى اندلعت ثورة عارمة على مواقع التواصل الاجتماعى تطالب بمنع شهد سعيد من تمثيل مصر فى أوليمبياد باريس.
وفى تقديرى أن الأزمة الرياضية التى عايشناها فى الأيام الأخيرة تؤكد بما لايدع مجالًا للشك رفض المجتمع المصرى أعمال البلطجة حتى لو كانت من لاعبة رياضية شابة، فلقد أخطأت وتعمدت بكل قسوة وعنف صدم منافستها وإلقاءها على أرض الطريق، ما تسبب فى كسور عديدة، منها كسر فى الترقوة وفقدان مؤقت للذاكرة، وتركتها وأكملت السباق لتفوز بالمركز الثالث.. إن هذه الواقعة تؤكد، أيضًا، التأثير الكبير والواسع لمواقع التواصل الاجتماعى فى بلدنا، الذى أسفر عن معاقبة شهد سعيد ووقفها ومنعها من تمثيل مصر فى المسابقات المحلية والدولية لمدة عام.. ومما لا شك فيه أن المجتمع المصرى قد بدأ يستعيد بعض طباعه المعروفة عنه، التى كادت تندثر بعد فوضى وبلطجة ٢٥ يناير ٢٠١١.. وتكريس العنف والبلطجة، حتى يكاد يتبادر إلى الذهن أن الشعب المصرى قد بدأ يفقد طباعه وقيمه وأخلاقياته التى عُرف بها إلى الأبد.
إلا أن معاقبة شهد سعيد قد أصبحت واقعة فى رأيى تمثل رفضًا للبلطجة حتى وإن حاول بعض المسئولين أو المدربين إخفاء أو طمس الحقيقة، فلقد ظهرت الحقيقة وظهر فيلم الفيديو للواقعة واضحًا للجميع.. وإذا كان قرار استبعاد شهد سعيد هو بمثابة ردع لها، فإننى أتمنى أن يكون ردعًا لكل من تسول له نفسه استخدام البلطجة للفوز فى أى مسابقة محلية كانت أم دولية.. وكان فيلم الفيديو للواقعة قد انتشر فى الأيام الأخيرة، وهو كاشف بوضوح للواقعة، خاصة بعد أن انتشر خبر ترشيح سفر «شهد سعيد» للمشاركة فى أوليمبياد باريس، ما أثار غضب الرأى العام فى مصر، وطالب بمعاقبة شهد سعيد لأعمال البلطجة التى اقترفتها من أجل المشاركة فى الأوليمبياد بباريس.
والمؤسف والمفاجأة أن المدرب الفنى لمنتخب مصر للعبة سباق الدراجات خرج يدافع عن شهد رغم إدانتها من الحكام المراقبين للمباراة ومن الاتحاد المصرى، وما أثار غضب الرأى العام هو نشر خبر اختيار اللاعبة المصرية شهد سعيد للمشاركة فى الألعاب الأوليمبية بباريس رغم معاقبتها من الاتحاد المصرى للدراجات بوقفها وإبعادها عن المنافسات الرياضية لمدة عام، ولولا غضب الرأى العام لكانت شهد سعيد قد سافرت رغم البلطجة التى أقدمت عليها.. وقبل أن أكتب مقالى هذا حرصت على معرفة الحقيقة بنفسى وشاهدت الفيديو المصور، الذى يُظهر بوضوح اصطدام متعمد وعنيف من «شهد» بدفع جنة، التى كانت تسبقها، واصطدامها بها بقوة، لتسقط مصابة بإصابات بالغة وخطيرة على الأرض.. ولم تبال «شهد» بالتوقف لمساعدتها أو حتى لترى ما حدث لها، وإنما تابعت قيادة دراجتها حتى خط النهاية طمعًا فى الفوز بالمركز الثالث والميدالية البرونزية فى بطولة الجمهورية.. أما الأمر المؤسف الآخر فى تقديرى فهو استخدام الفتاة القوة والبلطجة طمعًا فى الفوز وفقدان الأخلاق للمدعوة «شهد»، وأن التقرير  المبدئى الذى ظهر لمدربها جاء فيه أن «شهد» لم تتعمد دفع منافستها «جنة».
وهذا بالطبع أمر منافٍ للحقيقة، حيث إن فيلم الفيديو يُظهر بوضوح واقعة الدفع المتعمد من جانب «شهد»، وكادت تفلت بفعلتها لولا غضب الرأى العام الذى ظهر بوضوح وملأ مواقع التواصل الاجتماعى، كما لجأت أخت «جنة السيد» للقضاء باتهام شهد بمحاولة قتل «جنة» لتفوز بالمركز الثالث، ليتم اعتقالها وعرضها على النيابة العامة قبل إخلاء سبيلها.
ثم بعد الضجة التى حدثت من غضب الرأى العام فى مصر، أرسلت وزارة الشباب والرياضة خطابًا للجنة الأوليمبية للتوجيه بشأن إعادة دراسة مشاركة اللاعبة شهد سعيد فى أوليمبياد باريس، والإجراءات التى قام بها الاتحاد فى هذا الشأن، وطالبت الوزارة بتقديم تقرير فى الموضوع ومراعاة كل المواثيق والمعايير الدولية، وأخذًا بعين الاعتبار القواعد الأخلاقية الحاكمة للمنظومة الرياضية.. وأخيرًا صدر قرار الأحد باستبعاد اللاعبة شهد سعيد من المشاركة فى أوليمبياد باريس، على ضوء تقرير من لجنة الهيئات والأندية والقيم بشأن قانونية مشاركة اللاعبة شهد سعيد فى أوليمبياد باريس.
وبعد الاجتماع مع الاتحاد المصرى للدراجات صدر قرار يؤكد ثبوت مخالفة اللاعبة شهد سعيد كل اللوائح والقيم والأعراف والأخلاقيات الرياضية فى سباق دراجات بطولة الجمهورية للإناث تحت سن ٢٣سنة غير المؤهل للأوليمبياد بباريس، والمقام بمدينة السويس فى ٢٤ أبريل ٢٠٢٤.. ووقفها لمدة عام بدءًا من أبريل ٢٠٢٤ عن المشاركة فى أى مسابقات محلية، وعدم مشاركتها فى أى مسابقات دولية لمدة عام حتى ٢٥ أبريل ٢٠٢٥ و،فى أوليمبياد باريس المقام نهاية يوليو الجارى.. وعدم جواز الطعن على هذا القرار.
وهكذا أسدل الستار على الضجة التى حدثت فى المجتمع المصرى رفضًا لمشاركة اللاعبة شهد فى أوليمبياد باريس، وفى تقديرى أنه لا بد من وضع قواعد أخلاقية ومتابعتها فى مشاركة اللاعبين واللاعبات فى المسابقات المحلية.. وإذا كان قرار معاقبة شهد قد أحدث هدوءًا فى الرأى العام فى مصر باعتبارها نموذجًا سيئًا للرياضيين فى مصر وباعتبارها تستخدم أسلوب البلطجة للفوز على حساب حياة الآخرين.. إلا أنه ينبغى أن يتم الإعلان عن الكود الأخلاقى الذى سيتم الأخذ به فى كل المجالات الرياضية، حتى لا تتكرر واقعة شهد سعيد مرة أخرى.. فلدينا عشرات النماذج المتميزة ذات الأخلاق والقدرة والتفوق الرياضى للاعباتنا فى مختلف المجالات.
ولا بد من أن أذكر هنا أن أصل نشأة الرياضة كان فى مصر القديمة وفى عهد الفراعنة، وتظهر لنا النقوش على المعابد والمقابر رسومًا ثابتة للاعبات الجمباز الإيقاعى منذ ٢٠٠٠ سنة قبل الميلاد فى مصر الفرعونية.. وأيضًا رياضات كثيرة أخرى وعديدة، ما يؤكد أن الفراعنة هم الرواد أيضًا فى كل المجالات الرياضية وأنهم قد سبقوا كل الشعوب فى ممارسة الرياضات المختلفة التى تمارس الآن.. ومضى الزمن وأصبحت الرياضة تابعة للدولة، وتأسست فى سنة ١٩٨٠ وزارة الشباب والرياضة لتصبح هى الوزارة المسئولة عن كل ما يتعلق بتنظيم وتخطيط كل ما يتعلق بالشباب والرياضة فى مصر، ويتبع الوزارة الاتحادات الرياضية، منها اتحاد الدراجات الهوائية وغيرها من الرياضات فى بلدنا.    
فالرياضة هى أساس مهم فى بناء جسم سليم للفتى أو للفتاة، ونحن نطالب بعودتها فى المدارس جميعها لما لها من فائدة قصوى، وهى أساسية فى بناء جسم سليم وفى غرس روح الفريق والتعاون والمنافسة الشريفة والروح الرياضية منذ الطفولة.. ولقد كانت الرياضة- ولا تزال- جانبًا مهمًا من جوانب الحياة فى المجتمع المصرى.. وإننى أطالب باستعادة قيمة الأخلاق فى مجتمعنا لتكون من سمات الهوية المصرية العريقة، التى نعتز بانتمائنا إليها ودائمًا وفى كل مجال.. وليس فى أثناء ممارسة المسابقات المحلية والدولية الرياضية فقط.. ولهذا فإننى أستعير من شعر أمير الشعراء أحمد شوقى الذى كان محقًا، حيث قال: «إنما الأمم الأخلاق ما بقيت.. فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا».