شكاوى المثقفين للمسئولين
لعبت شكاوى المثقفين للمسئولين دورا كبيرا في توجيه مسار الثقافة في فترة معينة من حكم مبارك. فقد كانوا يقدمون الشكاوى في بعضهم.
في 17 مارس 1981 كتب حازم هاشم، الصحفي بجريدة "الشعب"، مقالا بعنوان "أفكار غريبة للدكتور لويس عوض" هاجم فيها كتاب فقه اللغة، وقال إن الدكتور لويس عوض يشكك في إعجاز القرآن الكريم، في تلك الفترة كانت البلاد تعاني من فترة من أشد الفترات توترا طائفيا في تاريخها، فقد كان الرئيس السادات يعاني من الجماعات المتطرفة التي بدأت تهاجمه وتهاجم الأقباط والمسيحيين، وكانت هناك حالات تعدٍ على بعض الأقباط.
الأمر الذي دعا الأنبا شنودة الثالث، بطريرك الأقباط الأرثوذكس، إلى إعلان الصوم وعدم إجراء احتفالات أو مقابلات أو تلقي التهنئة من الدولة بأعياد القيامة التي حل موعدها في أبريل.
في تلك الفترة كان الرئيس السادات يبدو متوترا، وكانت أجهزة الأمن مستنفرة. وبدأ الرئيس في شن هجوم شديد اللهجة على رموز الأقباط والمسلمين وكل التيارات والاتجاهات الفكرية، وكان هذا مقدمات للحملة الشهيرة التي بدأ فيها باعتقال 1536 شخصا من كل الاتجاهات والتيارات، وغالبيتهم من الكتّاب والصحفيين ورموز الثقافة المصرية.
الغريب أن الدكتور لويس عوض أفلت من الاعتقال في تلك الحملة.
بعد أسبوعين من نشر الصحفي حازم هاشم مقاله في جريدة "الشعب" تقابل مع الدكتور رشاد رشدي، وذكر حازم هاشم أن رشاد رشدي أطلعه على صورة ضوئية لثلاث ورقات بخط اليد، وطلب منه قراءتها، ولاحظ حازم أن الورقات الثلاث عبارة عن ملاحظات عامة على كتاب فقه اللغة العربية، وتنتهي هذه الملاحظات بالتنبيه إلى خطورة الكتاب، وأنه ما كان لصلاح عبدالصبور، رئيس الهيئة المصرية للكتاب وقتها، أن ينشر هذا الكتاب في الهيئة التي تتبع الدولة لخطورته.
وقتها كان الدكتور رشاد رشدي صديقا ومستشارا ثقافيا للرئيس السادات للفنون والآداب والثقافة، وكان ضمن الحلقة الضيقة الذين كان الرئيس السادات يستدعيهم إلى استراحته ليجلس معهم ويتلقى نصائحهم.
وفي 30 يونيو أصدرت محكمة جنوب القاهرة الابتدائية قرارها بتأييد أمر ضبط كتاب مقدمة في فقه اللغة العربية للدكتور لويس عوض ومصادرته.
وفي باب بريد الأهرام، في أبريل 1990، كتب أحد أولياء الأمور، دون أن يذكر اسمه، يقول إن تلاميذ الصف الأول في المرحلة الإعدادية يدرسون ضمن منهج اللغة العربية قصيدة اسمها "عند الجدار" للشاعر نزار قباني، وتحتوي على دعوة صريحة للانحراف والخروج على القيم والمبادئ الإسلامية.
وبعد النشر في الأهرام قام مجلس المنظمات والجمعيات الإسلامية في الأردن بإصدار بيان جاء فيه أن قصائد الشاعر نزار قباني كانت ضمن أسباب الهزيمة العسكرية في يونيو 1967، وألقى المجلس اللوم على المسئولين في وزارة التربية والتعليم المصرية ووزارة الأوقاف والأزهر الشريف والعلماء وأساتذة الجامعات المصرية لسكوتهم عن هذا التخريب الذي تتعرض له عقول تلاميذ المدارس المصرية من جراء تدريس مثل هذه القصائد الماجنة. وأرسل مجلس المنظمات والجمعيات الإسلامية في الأردن بيانه للدكتور فتحي سرور، وزير التربية والتعليم في ذلك الوقت، وعلى الفور أصدر الوزير قرارا بحذف القصيدة من منهج التلاميذ، وأحال المسئولين عن اختيار قصيدة نزار قباني إلى التحقيق.
في أبريل 1985 كتب أحد الكتاب في جريدة "الجمهورية" مقالا أشار فيه إلى أن كتاب "ألف ليلة وليلة" المعروف في كتب التراث والأدب العربي يحتوي على عبارات جنسية لا يسوغ تداولها بين القراء.
كما تقدم مواطن آخر إلى النيابة العامة ببرقية يتهم فيها بائع كتب معروفا بسور الأزبكية وصاحب مكتبة بطبع وتوزيع كتاب به موضوعات تثير الغرائز.
وإثر هذا قام أحد ضباط قسم الآداب بالمباحث الجنائية بالقاهرة بحملة تفتيشية على سور الأزبكية، ومعه إذن تفتيش من النيابة العامة، وتمكن من ضبط عدة أجزاء من كتاب "ألف ليلة وليلة". حرر الضابط محضرا جاء فيه:
إنه بفحص الكتاب تبين أنه يحوي قصصا وألفاظا وصورا مرسومة مخلة بالآداب العامة وخادشة للحياء العام ومنافية لآداب وأخلاق الشعب المصري، مما يدعو النشء للانحراف والفساد ويقع تحت طائلة المادة رقم 178 عقوبات.
وقام الضابط بضبط كتاب آخر يعد خطرا على النشء بعنوان "تسهيل المنافع"، وقام الضابط بضبط الكتاب الثاني وتبين أنه يحتوي على شرح لأحسن أوقات الجماع وكيفيته وضرره وعديد من الألفاظ والعبارات المنافية للآداب.
تم عرض صاحب المكتبة على نيابة الآداب، وتحدد يوم 19 سبتمبر 1985 موعدا لمحاكمته.
وفي النهاية أصدرت حكمها بقبول الاستئناف شكلا وفي الموضوع بإلغاء الحكم المستأنف وبراءة المتهم.
الغريب أن الدولة قامت بطبع الكتاب طبعة شعبية من النص الأصلي "الليالي" نقلا عن الطبعة الهندية دون حذف رقابي، وهو ما كان القارئ المصري محروما منه، وبالفعل صدرت ألف ليلة في 8 أجزاء ضمن سلسلة الذخائر التابعة للهيئة العامة لقصور الثقافة. وكان يشرف عليها الروائي جمال الغيطاني قبل استقالته منها، وكانت النتيجة أن تبخرت الكتب من السوق بفعل إقبال غير عادي من القراء.
وفي 24 فبراير 1992 أرسل أستاذ بقسم اللغة العربية، جامعة الإسكندرية، خطابا إلى رئيس الجمهورية يتساءل: كيف يمكن أن تشارك الدولة بأموال شعبها في التحريض على الدين والأخلاق والقيم والنظام تحت شعار الماركسية الأجوف "الحرية".
عندما وصلت الرسالة إلى مكتب الرئيس، لم يرسلها إلى وزير الثقافة لاتخاذ اللازم، ولكنه أعادها إلى المشكو في حقه، وهو الشاعر أحمد عبدالمعطي حجازي، دون التأشير عليها، ولم يتأخر الأخير عن نشر الرسالة في مجلة "إبداع" مع صورة للرسالة بخط الشاكي لزيادة التأكيد.
ولا شك أن نشر الرسالة وضع الدكتور الشاكي في موقف لا يتمناه.
في 31 مايو 1995 قضت محكمة جنايات المنصورة ببراءة الدكتور عاطف العراقي، أستاذ الفلسفة بجامعة المنصورة، في الدعوى التي أقامها ضده أحد المحامين اتهمه فيها بالتشكيك في أحد الأحاديث النبوية.
وفي مايو 1996 تقدم مجهولون ببلاغات إلى شرطة المصنفات الفنية ضد كتاب "التحليل النفسي للأنبياء" ومؤلفه عبدالله كمال. وقامت شرطة المصنفات الفنية بمخاطبة مجمع البحوث الإسلامية. ورد مجمع البحوث الإسلامية، بتاريخ 16 يونيو، بمذكرة أدانت الكتاب لأن المؤلف قد وصف فيه الأنبياء بالتمرد "وهي صفة لا تليق بمكانتهم السامية" في رأى المجمع. وعلى الفور تمت مصادرة الكتاب ومنعه من النشر.