الأزمة الفكرية للفن المصرى!
(1)
فنانو مصر فى مجالى التمثيل والغناء كانوا على مدار ما يزيد على سبعة عقود من قوة مصر الثقافية الطاغية فى إقليمها العربى، وقام كثيرٌ منهم بأدوار مهمة فى لحظات حاسمة فارقة من تاريخ مصر المعاصر، وأهم ما كان يميز هذا الدور هو التمتع بدرجة كبيرة من الوعى الثقافى والسياسى بما يحيط بمصر وبهم، هذا الوعى كان دائمًا بوصلتهم الصادقة فى اختيار المواقف والقرارات الفنية أو العامة، وغالبيتهم تمتع بدرجة كبيرة من التصالح النفسى، حتى أولئك الذين كانت بداياتهم وحياتهم بالغة الصعوبة.
فى السنوات الأخيرة، وفى خضم ما كان يعصف بالمنطقة من أحداث ملتهبة، مصر لم تكن بمنأى عنها، كان على نجوم مصر أن يقولوا كلمتهم فى أوقات لم يكن جمهورهم ليقبل منهم فكرة الحياد.. ومع تراكم الأحداث تراكمت المواقف، وتزامن ذلك بطبيعة الحال مع تعرض مجالهم المهنى لصعوبات شتى.
فى الماضى احتضنت مصرُ تقريبًا كل الأسماء العربية فى هذين المجالين، وكانت القاهرة هى جواز المرور للشهرة والمجد حتى لأولئك الذين كانوا قد بدأوا مشوارهم الفنى قبل وصولهم مصر. وفى لحظة استثنائية بعد هزيمة يونيو بعض هؤلاء- من غير المصريين أو المصريين- قرروا البحث عن هوليوود عربية أخرى، فكانت مرحلة ما يعرف بالأفلام اللبنانية، بينما بقى فى مصر غالبية نجومها وساهموا بأدوار تاريخية فى مساندة بلادهم.
لذلك ففكرة المشاركة العربية فى مجالى التمثيل والغناء ليست جديدة، وكان لمصر- كما فى باقى الميادين- السبق فى احتضان الفن العربى، الذى ارتدى ثوبا مصريا خالصا فى بداياته الأولى لغةً وفكرًا وتوجهًا! وعليه فإننى لا أتفق نهائيًا مع ما يحدث حاليًا من هجوم على بعض الشخصيات العربية التى أعلنت عن توفير الدعم اللازم لإنتاج أعمال فنية تعتمد بالأساس على نجوم مصر، فمن ناحية يُعد هذا استمرارًا لتلك السلسلة من التعاون الفنى العربى، الذى كان ولا يزال الكلمة الأولى فيه لمصر من حيث العنصر البشرى أو المواهب القائمة عليها هذه الأعمال. ومن ناحية أخرى فمن حق أى جهة أو هيئة فنية أو ثقافية فى أى وطن أن تضع لنفسها خطًا وخطة للنهوض بالفنون فى وطنها، ومن حقها، بل من الطبيعى والمنطقى أن يكون هذا الخط متفقًا مع رؤية هذه الهيئة لا رؤية هيئات أو مؤسسات أخرى، خاصة إذا كانت تقدم أهم عنصر فى صناعة الفن وهو عنصر الدعم المالى أو الإنتاجى! ومن السذاجة بمكان أن يعتقد أحدٌ ما أن هناك من سيقوم بتقديم هذا الدعم الكبير؛ من أجل تنفيذ رؤية بلدٍ آخر أو هوية أخرى! لو كان العالم العربى قد بلغ من مراحل النضج مستوى أعلى مما نحن فيه، لأمكن لهذا التعاون- بين جهات إنتاجية توفر ميزانيات مفتوحة ونجوم الصف الأول من فنانى مصر أن يقدم أعمالا فنية خالدة- رومانسية أو اجتماعية أو كوميدية أو حتى تراجيدية- بعيدة تماما عما ندور فى فلكه الآن!
(2)
لكن هذا هو الواقع الذى يجب أن نناقشه بموضوعية ومنطقية! وأول معطيات هذه المنطقية ألا نتجه بأى لومٍ للجهة الإنتاجية؛ لأنها تعمل فى إطار مؤسسى لتنفيذ رؤية محددة أراها مشروعة تمامًا، كما هو مشروعٌ لنا أن تكون لنا رؤيتنا ونعمل على تحقيقها. وربما لا يعرف البعض أن هذه الرؤية التى تقوم بتنفيذها تلك الشخصيات والهيئات تشتمل على إعداد أجيال موسيقية جديدة- يتم إعدادها الآن وبشكل رئيسى على أيدى موسيقيين مصريين محترفين- لكى تنهض بوطنها فنيًا! وأرى أن هذا أيضًا حقٌ مشروع تمامًا!
أما ثانى معطيات المنطقية المنشودة فى مناقشة ما يحدث، فهى أننا كمصريين يجب أن نتناقش مصريًا داخليًا إن كنا نعترض على استدراج بعض نجومنا للمشاركة فى أعمال فنية نرى أنها تعمل عن عمد على تثبيت صور نمطية عن الشخصية المصرية بما يتنافى مع الحقيقة، ويُعد استهدافًا متعمدًا لهذه الشخصية على المدى البعيد! فلنُبعد أى شخصيات أو هيئات غير مصرية عن الاستهداف بالهجوم، ولنحترم أهمية الحفاظ على الروابط التاريخية بين مصر وما بقى قادرًا على الوقوف على قدميه من هذا العالم المسمى بالعالم العربى! ففى بقاء هذه الروابط- رغم ما تمر به من عوارض هنا وهناك- مصلحة مباشرة للجميع! فمصرُ أكبر من أن تمن على الآخرين بما كانت تقدمه بغض النظر عن سلوك هؤلاء الآخرين، فهذه مصر كما نعرفها، ما يحدث على الساحة الفنية أراه شأنًا مصريًا خالصًا، لو واجهناه بشكل صادق فربما يتحول هذا التعاون وهذه المشاركة إلى المسار الأمثل لكى يقدم فنًا حقيقيًا خالدًا!
لقد بدأ هذا النقاش بالفعل منذ ظهور بعض الأعمال المشتركة، والتى رأى مصريون كثيرون أنها مقصودة لتشويه الشخصية المصرية، ولو أنها قد تم إنتاجها مصريًا- مثل العشرات من نوعية نفس أفلام البلطجة- لكانت شأنًا مصريًا داخليًا! تمامًا كالفارق بين المعارض المصرى الذى يمارس فعل المعارضة داخل بلاده، وبين من قرر أن يقود معارضته من الخارج، لأن أى عمل فنى ينتقد أوضاعًا معينة هو فى الحقيقة معارضة! ثم اشتد النقاش بعد إعلان أحد فنانى مصر الكبار موافقته على القيام بدور "نصاب مصرى" يقوم بالنصب على الراغبين بالقيام بشعيرة دينية مهمة! يرى بعض المصريين أن هذا هو استمرارٌ لهدف تثبيت صورة نمطية فى ذهن الأجيال العربية المعاصرة عن مصر والمصريين؛ مما يؤدى على المدى البعيد إلى نسيان الماضى الذى يريدون إزالته! وكالعادة اتخذ النقاش الشعبى اتجاهًا للتلاسن الذى أراه متجاوزًا كثيرًا، وتم امتطاؤه سريعـًا لمحاولة إثارة الفتن بين من تبقى من شعوب مستقرة فى هذه المنطقة المنكوبة بالاستهداف الاستعمارى الخارجى وعدم النضج الداخلى!
(3)
وكان الأجدر بنا أن نتوجه لأنفسنا بالسؤال الصعب.. ولماذا قبل فلان أو فلان بهذا الدور أو ذاك؟ وما هى المقاييس التى نطالب بها فنانين محترفين أن يلتزموا بها فى اختياراتهم حتى ينجوا من الوقوع فى مرمى النيران؟! أعتقد أن البحث عن حقائق تجيب عن هذا التساؤل يمكنه أن يقودنا إلى الطريق الصحيح لرؤية هذا المشهد الحالى رؤية حقيقية ومصرية خالصة، وربما يقودنا إلى طريق تصويب مسار الفن المصرى وإلى تصويب رؤية بعض فنانى مصر!
شأنى كشأن غالبية المصريين أعشق الفن المصرى تمثيلا وغناءً، وشاهدت وقرأت كثيرًا جدًا من أحاديث ولقاءات فنانى مصر عبر ثلاثة عقود على الأقل. وأتيحت لى فرص قليلة للاقتراب المباشر من شخصيات فنية مهمة، مرة عام 1997م بعد توقف السياحة الخارجية بعد جرائم الإرهاب وتوجه فنانى مصر لمساندة قطاع السياحة فى صعيد مصر. ومرة ثانية حين كنت مرشدًا لفنان كبير هو نور الشريف، وقد كتبت سابقًا عن هذا الفنان العملاق وموسوعية ثقافته ورؤيته فى اختيار أعماله حتى لو خسر أموالًا. ومرة ثالثة مع شخصية سينمائية معروفة ومهمة، لكنها ليست فى التمثيل وإنما فى قطاع إخراج الأعمال السينمائية، وأهمية هذا اللقاء أنه تم بعد ثورة يونيو بسنوات قليلة واستغرق اللقاء عدة أيام اتسعت لمناقشات مستفيضة!
(4)
من مجمل هذه المتابعة أو المناقشات المباشرة أعتقد أننا أمام حزمتين من المشاكل التى لابد وأن تقودنا إلى المشهد الحالى، الحزمة الأولى وهى الأهم فى اعتقادى هى ما يمكن أن نطلق عليها الحزمة الفكرية، وهى تشتمل عدة عناوين.. حياة كل نجم قبل أن يصبح من نجوم الصف الأول.. صقل الشخصية وتطورها ومدى تناسب هذا الصقل الفكرى والتطوير الذاتى مع ما يصل إليه صاحب الشخصية من شهرة وأضواء ومجد.. وجود فكرة فريق العمل اللائق المؤهل الذى ينتقل بالشخصية من فرد إلى مؤسسة.
أما الحزمة الثانية فهى خارجة عن إرادة النجوم، ولا يمكن أن نطالبهم بأن يكونوا جميعًا سواء فى درجة الصمود أمامها، فهذه طبيعة البشر! هى الحزمة التى يدور جميعها حول كلمة واحدة..المال! سواء فى صعوبة توافر جهات إنتاجية توفر ميزانيات كافية لإنتاج أعمال جادة مهمة، أو فى الصمود أمام إغراء أجور خيالية تفوق ما يحصلون عليه عادة أو ما يستحقونه!
من حيث حياة النجوم فى مقتبل أعمارهم، فنحن أمام مشكلة لا ينتبه إليها أحد، وهذا ليس فقط فى مجال الفن، وإنما فى كل المجالات الأخرى المصنفة من مجالات الشهرة والمال كالبيزنس أو بعض الألعاب الرياضية أو الإعلام.. معظم النجوم فى هذه المجالات خرجوا- كما نقول- من رحم المعاناة تماشيًا مع ظروف مصر الاقتصادية، كان عليهم أن يقطعوا طريقًا طويلًا من المشقة حتى يصلوا إلى ما وصلوا إليه. وحين يصلون إلى تلك المرتبة يختلف سلوك أحدهم عن الآخر طبقًا لعدة عوامل، أهمها طرق التربية العائلية، ومدى ما حصلت عليه كل شخصية من حظ فى تثقيف الذات، وسمات كل شخصية. هذه العوامل تجعل أحدهم يرى أنه مدين لبلاده بما وصل إليه، ومدين لذويه، وجمهوره، ولا يتطرق إليه ملل أو ضجر ويشعر الناس بذلك فى مجمل سلوكه، بينما يرى آخر أنه نابغة وقد بلغ ما بلغه فقط لنبوغه وأن أحدًا لم يعان مثل معاناته، فيتحول إلى شخصية متعالية متعجرفة، ويعتقد أن عليه أن يجمع أكبر قدرٍ من المال والنفوذ فى ذروة شهرته. لذلك فحياة كل نجم حتى وصوله لمكانته تمثل العامل الأول فى اختياراته لأعماله وحتى مواقفه.
العامل الثانى هو ما يقوم به كل منهم لصقل شخصيته وتطويرها؛ لكى تتناسب مع ما يتبوأه من مكانة. هذا الصقل يشمل التطوير المهنى بمعنى ألا يتوقف أو يتكاسل عن الاستمرار فى التعلم المهنى فى مختلف مهارات وفنيات مهنته وأحدث ما تصل إليه. ثم أن يدرك أنه قد تحول لشخصية عامة، وأن ثقافته لا يصح أن تقتصر على مجاله الفنى، فهو مطالب بأن تكون لديه مجموعة من المعارف السياسية والاجتماعية ورياضية وفنية فى مجالات الفنون الأخرى، مهما تكن درجة ثقافته قبل وصوله لتلك المرحلة. والطريق الأوحد هو الاستعانة بمعلمين ومدربين محترفين فى هذه العلوم. يتعلم تاريخ بلاده وحاضرها وعادات شعبها والمزاج العام لهذا الشعب فى كل مرحلة.
فكرة فريق العمل – للتثقيف والتعليم بخلاف فريق خدمة النجم أو الاهتمام بملابسه وشكله الخارجى- للأسف يفتقدها معظم مواهب مصر بعد أن تصل لمرحلة معينة من الصعود والشهرة، وهى المرحلة التى تتوقف عندها تلك المواهب فتظل حبيسة المحلية. حدث هذا فى مجالات الرياضة منذ الثمانينيات، وحدث فى مجال الغناء والتمثيل. عدم صقل الشخصية أو تثقيفها الذاتى أو الاستعانة بفريق محترف ينتقل بالموهبة من فرد إلى مؤسسة، كل ذلك يظهر فى مواقف غريبة يتعجب الجمهور من حدوثها ويرون أن هناك خللًا ما فى هذه الشخصية! مثلما يحدث حين تسقط مغنية موهوبة جدًا فى اختبارات كثيرة خارج مصر وهى تتحدث عن مصر، فيكون سقوطها مستهجنا وغير متناسب مع موهبتها. المشكلة ببساطة أنها قد انتقلت إلى مرحلة متقدمة فنيًا، لكنها توقفت تمامًا عند مرحلة بسيطة جدًا فى إعداد وصقل الشخصية الفنية لكى تتناسب مع كيانها الجديد.
لامست بقوة أهمية هذه الحزمة من العوامل الفكرية فى صياغة اختيارات كل فنان، سواء اختيارات فنية أو عامة، فى موقفين، الأول هذه الدرجة من الثقافة التاريخية واللغوية التى لامستها بشكل مباشر مع نور الشريف. والموقف الثانى حين فوجئت بموقف تلك الشخصية السينمائية الأخرى من بعض مؤسسات الدولة. وترديدها عبارات أو إكليشيهات يرددها البعض عن الأنشطة الاقتصادية لهذه المؤسسة أو تلك، وحديث طويل عن مدنية الدولة كما ينبغى..
لكن حين امتدت النقاشات بيننا اكتشفتُ خواءً معلوماتيا ملفتًا! وبعد متابعة الشخصية بعد ذلك لفترة طويلة تراكمت لدىّ عدة حقائق.. أن هناك بعض العاملين فى حقل الفن المصرى أقرب إلى أنهم يعتبرون معارضة أو بالأدق كراهية بعض مؤسسات الدولة هو من الوجاهة الاجتماعية، ودليل الاختلاف والتميز والرقى!.. لكنهم للأسف لا يدركون الفروق بين مصطلحات سياسية يرددونها مثل كلمة الحكم المدنى وما المقصود بها.. المضحك أن هذه الشخصية مؤخرًا خصصت تقريبًا معظم نشاطها على السوشيال ميديا لفكرة ساذجة هى المقاطعة.. مقاطعة منتجات بعينها، وكنت أعجب كثيرًا كيف لا يتوفر لمثل هذه الشخصيات الهامة فى مخاطبة الجماهير مصادر تثقيف حقيقية لتدرك بديهيات اقتصادية أو سياسية! بعض المبدعين يعتقدون أن من مفردات أو موجبات الإبداع أن تطعن دائمًا فى أى سلطة سياسية وأن تتقمص دور المعارضة حتى فى أوقات الحروب!
(5)
الحزمة الثانية من العوامل- التى قادت بعض نجوم مصر إلى المشهد الحالى الذى عرّض بعضهم لهجوم مصرى كبير لقبولهم حسبما يردد مهاجموهم المشاركة المتعمدة فى أعمال فنية تسىء للشخصية المصرية وتعمل على تثبيت نمطى مشوه لها فى أذهان المحيط العربى- تدور حول الكلمة الساحرة البراقة..المال!
حقيقة منصفة يجب ذكرها، أن فنانى مصر- شأن مهن أخرى- قد عانوا كثيرًا جدًا فى الحصول على عمل بعد اندلاع أحداث يناير. وبعضهم قبل ذلك بسنوات أيضًا قد واجه نفس المعاناة لأسباب أخرى تتعلق بما يحدث داخل الأسرة الفنية ذاتها. لكن المهم هنا هو أن صناعة الفن بصفة عامة قد تعرضت بالفعل لهزة كبرى بعد اضطراب الأحوال السياسية فى مصر. رغم أن الإنتاج الدرامى التليفزيونى لم يتوقف إطلاقًا طوال هذه السنوات، بل على العكس فقد قدمت جهات الإنتاج المصرية دفعة كبيرة لهذا الإنتاج وقدمت أعمالًا كبرى ذات ميزانيات ضخمة. لكن الإنتاج السينمائى لم يمر بنفس حالة الانتعاش.
ثم يجىء دور الشق الثانى وهو إغراء المقابل المالى! فمن كان يعمل بالفعل وليس لديه مشكلة فى العمل بإنتاج مصرى، وجد نفسه أمام صعوبة أخرى أو ضغط آخر هو المقابل المالى الضخم!
هذا يعنى أن نجوم الفن كانوا متساوين تماما فى تعرضهم لهذه الحزمة، فمن لم يعان من عدم وجود عمل مناسب، قد وقع بالفعل تحت ضغط الإغراء المالى!
لقد تساووا فى التعرض لمحنة المال- سواء بعدم وجوده، أو بإغراء كثرته- وهنا بدا أن محددات اختياراتهم قد تباينت من أحدهم لآخر حتى الآن، حين عنت لهم مؤخرًا هذه "الفرصة" فى وجود هيئة إنتاجية تستطيع فتح خزائنها لإنتاج أعمال بميزانيات مفتوحة، لكنهم أمام اختيارات محددة فى هذه الأعمال، مثلًا دور البلطجى أو النصاب، لأنه لا يوجد دور البطل الشعبى المصرى، أو حتى الشاب المصرى العادى! وهذا هو أزمة الاختيار الحقيقية!
(6)
الحل فى تفكيك المشهد الحالى بشكلٍ صحيح لن يكون بما نطالعه من تلاسن، لكن بأن تكون لدينا الحلول المصرية التى تقوم بشيئين فى نفس الوقت. الأول حل مشاكل الإنتاج وتوفير فرص عمل مناسبة للجميع.
والثانى يجب أن نقوم بشكل مؤسسى بما لا يقوم به النجوم الآن بشكل فردى، وهو صقل الشخصية وإعدادها، تثقيف وصقل عقول وشخصيات فنانى مصر على غرار الدورات التثقيفية للقوات المسلحة، وكما قامت وزارات أخرى مع موظفيها عن طريق تلقى محاضرات وعى، فأعتقد أنه "مش عيب" أن تقوم النقابات المختلفة التى تضم العاملين فى الحقل السينمائى بتنظيم دورات تثقيف وتوعية لأعضائها، كما قام مختلف النقابات فى مصر بذلك، لأننا نمر بمرحلة إقليمية استثنائية. وفى حالة نجوم الفن المصرى، فإننا فى حاجة إلى دورات مكثفة متنوعة تحتوى تاريخ مصر وبعض المعارف الأساسية من علم الاجتماع السياسى والبيانات والإحصاءات عن مصر وتاريخ الفن المصرى وبعض دروس الدبلوماسية وبعض اللغات. وحتى يكون الأمر جديًا يمكن اشتراط اجتياز هذه الدورات قبل الحصول على تراخيص العمل. إننى أعتقد أننا خسرنا الكثير مما كان يمكن أن يقدمه هذا الفنان أو تلك الفنانة بسبب واحد هو عدم العمل على تطوير الشخصية والتوقف بها عند مرحلة معينة أشبه بالمراهقة الفنية.
أما كيف نواجه أزمة الإنتاج السينمائى، فلدى فكرة محددة عبارة عن تعاون مصرى ثلاثى بين الدولة المصرية ممثلة فى تسهيلات للتصوير فى الأماكن العامة المرشحة لذلك وبعض التسهيلات اللوجستية الأخرى، وخطوات تشجيعية لبعض كبار رجال الأعمال، خاصة أولئك الذين أصبحوا يساهمون بشكلٍ كبير فى الأنشطة الاقتصادية المصرية ولا سيما فى الاستثمار العقارى لخوض غمار الإنتاج السينمائى، أما العنصر الثالث فهو الذى سيقوم باختيار الأعمال الفنية وسيقود تنفيذها وصناعتها. أقترح لذلك اختيار كبار مخرجى وكُتاب مصر المحترفين لكى يختاروا أعمالا يتقدم مبدعوها فى منافسات كبرى على غرار ما كان يحدث فى مجال الأصوات الغنائية. أن يقوموا باختيار عدة سيناريوهات طبقا لرؤية محددة. ثم يتم اختيار النجوم بشكل احترافى.
حين نصل لمثل هذا المشهد بأن يكون لدينا كيان اقتصادى قوى يقدم الدعم لنخبة فنية قوية ومحترفة نكون قد أصبحنا طرفا منافسا أو مشاركا! طرفا منافسا يقدم أعمالا تتسق مع هوية مصر من أعمال رومانسية أو اجتماعية.. وأن يفهم الجميع أن لدينا مقاييس للمشاركة المصرية فى أعمال مشتركة! أن تصبح طرفًا قويًا فى معادلة يعنى أن يكون لك حق الاختيار!
حين يكون المشهد بهذا الشكل.. ساعتها يفقد أى فنان أي أعذار ويدفع ثمن اختياراته منفردًا حيث لا يكون هناك أى حجج أو ذرائع!
الآن أيضا يتحمل كل فنان نتيجة اختياراته، لكننا ربما نتلمس بعض العذر لهذا أو ذلك، سواء بسبب عدم المقاومة على الصمود أمام إغراء المال، أو ربما لا يرى من وجهة نظره أن ما يقوم به يسىء بأى شكل لمصر، وذلك طبقا لمستوى وعيه وثقافته ومستوى ما قام به من تطوير لمعارفه!