بعد سنوات الفشل.. مصر تحقق حلمها النووى
ثلاثة مشاريع قومية عملاقة، سيسجلها التاريخ، بين أهم إنجازات الرئيس عبدالفتاح السيسي، في بناء الجمهورية الجديدة، هي العاصمة الإدارية الجديدة، القطار الكهربائي السريع، ومفاعل الضبعة النووي، الذي كان حلمًا لم يتحقق على مدى ستين عامًا، ليأتي الرئيس السيسي، ويجعل من الحلم حقيقة على أرض الواقع، ببناء أول محطة للطاقة النووية في مصر، بقدرة 4.8 جيجاوات، ما يُمكِّن مصر من تنويع مصادر الطاقة، وتحسين الاعتماد على نظام إمدادات الطاقة الوطنية، بعد أن دفع الرئيس بالبلاد، لتجاوز التحديات لاستكمال مشروعها النووي الطموح، والتوجه إلى تلك الصناعة والتكنولوجيا الاستراتيجية، ضمن خططها الهادفة لتنويع مصادر الطاقة الجديدة والمتجددة، وتحقيق تنمية اقتصادية مستدامة، ودعم جهودها الحثيثة في مواجهة التغيرات المناخية، وهو ما يضمن بدوره تحقيق العديد من المكاسب الاقتصادية والاجتماعية والبيئية، بما يساهم في توفير بيئة جاذبة للاستثمارات، وفتح المزيد من المجالات لتوفير فرص العمل، علاوة على حماية الاقتصاد المصري من تقلبات سوق الطاقة العالمية، ووضع مصر على خارطة الطاقة النووية العالمية، وهو ما لاقى بدوره إشادة دولية واسعة بجهود مصر في هذا الملف، حيث أشاد برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، بتوفير الدولة المصرية كافة مصادر الطاقة المطلوبة، مع التركيز على الطاقة النظيفة، مثل مشروع محطة الضبعة النووية، الذي يعتبر ضمن أهم المشروعات الوطنية منذ عام 2014.. وأكدت الوكالة الدولية للطاقة الذرية، أن مشروع الضبعة سيساهم في تحقيق أهداف التنمية المستدامة، والتي تشمل توفير طاقة نظيفة، وزيادة الاعتماد على المصادر منخفضة الكربون، بالإضافة إلى خلق فرص عمل محليًا خلال فترة بناء المشروع.. كما أشارت الوكالة ذاتها، إلى تكثيف مصر جهودها لتطوير بنيتها التحتية من أجل بناء برنامجها النووي، الذي يحظى بدعم قوي من الحكومة، والتزام واضح بالسلامة والأمن، ووضع تشريعات وطنية شاملة.
وبوصول مصيدة قلب المفاعل إلى مصر، والتي تعتبر أحد العناصر الرئيسية لأنظمة الأمان، ويتم تضمينه في جميع مجموعات الطاقة النووية الحديثة، ويبلغ وزن مكوناته حوالي سبعمائة طن، أكد الرئيس السيسي، (أن هذه اللحظة التاريخية ستظل خالدة في تاريخ وذاكرة هذه الأمة، وشاهدة على إرادة هذا الشعب العظيم، الذي صنع بعزيمته وإصراره وجهده التاريخ على مر العصور، وها هو اليوم يكتب تاريخًا جديدًا، بتحقيقه حلمًا طالما راود جموع المصريين، بامتلاك محطات نووية سلمية.. إن ما يشهده عالمنا اليوم من أزمة في إمدادات الطاقة العالمية، يؤكد أهمية القرار الاستراتيجى الذي اتخذته الدولة المصرية، بإحياء البرنامج النووي السلمى المصري لإنتاج الطاقة الكهربائية، كونه يساهم في توفير إمدادات طاقة آمنة ورخيصة وطويلة الأجل، وبما يقلل الاعتماد على الوقود الأحفوري، ويجنب تقلبات أسعاره.. إن إضافة الطاقة النووية إلى مزيج الطاقة الذي تعتمد عليه مصر لإنتاج الكهرباء، يكتسب أهمية حيوية للوفاء بالاحتياجات المتزايدة من الطاقة الكهربائية اللازمة لخطط التنمية الاقتصادية والاجتماعية، ويساهم في زيادة الاعتماد على الطاقة الجديدة والمتجددة، بما يحقق الاستدامة البيئية والتصدي لتغير المناخ).
ومن قبل، أشار الدكتور، مصطفى مدبولي، رئيس الوزراء، إلى أن البرنامج النووي المصري ظل لعقود عديدة محل رعاية واهتمام، كإحدى الركائز والخيارات الاستراتيجية لتعزيز خطط التنمية، كما أن مصر من أوائل الدول التي أدركت منذ بداية الخمسينيات من القرن الماضي أهمية استخدام الطاقة النووية.. وهذا يجعلنا نعود إلى بدايات الحلم بامتلاك مصر طاقة نووية سلمية.. والقول بأنه حلم، ليس من باب المبالغة، وإنما هو تجسيد حقيقي لمشروع طال انتظاره، وتحدث عنه كل رؤساء مصر منذ تخلصها من الملكية في 1952.
كان الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، أول الرؤساء المصريين الذين حلموا بالمشروع النووي، واتخذ في سبيل ذلك خطوات جادة، إذ بدأ في تنفيذ المشروع، ووقع مع الاتحاد السوفيتي عام 1956، أول اتفاقية للطاقة النووية، حصلت من خلالها مصر على أول مفاعل ذري للبحوث العلمية بقوة 2 ميجا وات، ومعمل لإنتاج النظائر المشعة.. وبعد ذلك بعام واحد قرر عبدالناصر إنشاء هيئة الطاقة الذرية، ثم تم بناء المفاعل الذري المصري عام 1961 بمنطقة أنشاص بمحافظة الشرقية، وهو المفاعل الذي حمل نفس اسم المنطقة (مفاعل أنشاص).. وكذلك قرر عبدالناصر إنشاء مصنع المراجل البخارية، كإحدى دعائم المشروع النووي.. وبدأت الدراسات التمهيدية لاستخدام مصر المفاعلات النووية عام 1964.. وانتهت مؤسسة الطاقة الذرية من إعداد المواصفات الخاصة بمحطة نووية تستخدم في توليد الكهرباء، قدرتها مائة وخمسين ألف كيلووات، وتحلية مياه البحر لإنتاج عشرين ألف متر مكعب يوميًا، وطرحتها في مناقصة عالمية، وأعقب ذلك صدور خطاب نيات لإحدى الشركات الأمريكية لتتولى تنفيذ المحطة عام 1966، غير أن هزيمة مصر في يونيو 1967 أوقفت المشروع، وتوجه كل الدعم إلى الإنتاج الحربي.
كان الهم الأول للرئيس الراحل أنور السادات، هو إنهاء الاحتلال الإسرائيلي في سيناء، وبعد نصر أكتوبر 1973، عاد التفكير مرة أخرى في المشروع النووي.. وفي 1975 صدر خطاب نيات لنفس الشركة الأمريكية التي كان قد تم الاتفاق معها قبل هزيمة يونيو، واتفق السادات مع الرئيس الأمريكي وقتها، ريتشارد نيكسون، على آليات تنفيذ المحطة، واستمرت المفاوضات حتى وصول جيمي كارتر إلى رئاسة الولايات المتحدة الأمريكية.. وفي هذه الأثناء، عدَّلت الشركة الأمريكية في عقود إنشاء المحطة، ليكون من حقها التفتيش على المحطة في أي وقت، وهو ما اعتبرته مصر مساسًا بسيادتها، ليتوقف المشروع حتى عام 1980.. عندما أعاد السادات طرح إنشاء ثماني محطات نووية، وتم اختيار منطقة الضبعة لتنفيذ أول محطة نووية، جاء اغتياله في 1981 ليوقف المشروع من جديد.
ومع تولي الرئيس الأسبق، حسنى مبارك، رئاسة البلاد خلفًا للسادات، طرح تنفيذ المحطة في مناقصة محدودة بين خمس شركات عالمية عام 1983، واستمرت المفاوضات مع الشركات العالمية حتى أوائل عام 1986.. والمفارقة أنه قبل أيام من اليوم المحدد لإرساء العطاء على أحد المشاركين بالمناقصة، وقعت كارثة مفاعل (تشيرنوبل) النووية، فقررت الحكومة المصرية توقف العمل بالمشروع، خوفًا من تكرار الكارثة في مصر.. واستمر هذا التوقف حتى عام 2007، عندما أعلن مبارك، في خطاب له، عن البدء في برنامج لبناء عدد من المحطات النووية لتوليد الكهرباء في مصر، وأكد على أنه سيصدر، خلال أيام ـ وقته ـ قرارًا جمهوريًا بإنشاء مجلس أعلى للاستخدامات السلمية للطاقة النووية.. وأكد وقتها على أن (مصر ستمضي في هذا الطريق، اقتناعًا بأن أمن الطاقة عنصر رئيسي في بناء مستقبل الوطن، وجزء لا يتجزأ من منظومة أمن مصر القومي)، ولم يتحقق ما قاله مبارك على الأرض، حتى تفجرت أحداث يناير 2011.
وبتولي الرئيس عبدالفتاح السيسي مقاليد الحكم في مصر، أكد أكثر من مرة، المضي قدمًا في إنشاء المشروع النووي، وأصدر في 2014 قرارًا جمهوريًا بتخصيص ألفين وثلاثمائة فدان لصالح إقامة تجمع سكني لأهالي منطقة الضبعة، وللعاملين بالمحطة، بالإضافة للخدمات اللازمة للمنطقة والمشروعات الأخرى، تعويضًا عن الأراضي التي تم تخصيصها للمشروع النووي.. وأسند تنفيذ حلم المفاعل النووي لشركة (روساتوم الروسية).. وفي نوفمبر 2015، تم توقيع اتفاقية حكومية IGA، لدعم وتعزيز التعاون في الاستخدامات السلمية للطاقة النووية بين الجانبين، المصرى والروسى، وتم التفاوض والانتهاء من كافة الإجراءات التعاقدية والتشريعية والقانونية المتعلقة بالمشروع.. وبدأ العمل، الذي لم يتوقف لحظة، أو كما قال الرئيس، (تنفيذ مشروع مصر القومى، بإنشاء المحطة النووية بالضبعة، يسير بوتيرة أسرع من المخطط الزمنى المقرر، مُتخطيًا حدود الزمان، ومتجاوزًا كل المصاعب).
■■ وبعد..
فإن السؤال الآن: ما هي أبرز الفوائد التي تجنيها مصر من محطة الضبعة النووية؟.
من المتوقع أن يشهد عام 2028، دخول أول وحدة نووية للتشغيل التجاري في مصر، ثم تتبعها باقي الوحدات النووية الأربع.. هذه المحطة ستنقل التكنولوجيا النووية للمصانع المصرية، وستكتسب شركات المقاولات المصرية خبرات كبيرة في تنفيذ مشروعات المحطات النووية.. ستوفر بإنتاجها للطاقة، كميات الغاز الطبيعي المصري، وهو ثروة لأجيال مصر القادمة.. توفر العملة الصعبة، نتيجة التقليل من حرق الغاز الطبيعي في محطات إنتاج الكهرباء.. إنتاج كهرباء يعتمد عليها في التنمية المستدامة والربط الكهربائي بدول أوروبا والسعودية ودول الخليج ودول إفريقيا.. وخلق فرص كبيرة لتوظيف العمالة المصرية المؤقتة خلال فترة تنفيذ الوحدات النووية، والعمالة الدائمة أثناء تشغيل وصيانة وتأمين الوحدات النووية؛ وإحداث تطوير مجتمعي في الضبعة ومحافظة مطروح.. والقائمة طويلة.
حفظ الله مصر من كيد الكائدين.. آمين.