مش روميو وجولييت
أكون فى غاية السعادة حين أدخل مسرحًا من مسارح الدولة، وأجده عامرًا بالجمهور، خصوصًا فى هذه الأيام التى يحاول آخرون تغيير خارطة هذا الفن، الذى أبدع فيه المصريون قرابة قرن ونصف القرن، وتكون سعادتى أكبر حين يكون العرض مبهرًا مثل «مش روميو وجولييت» للمخرج الكبير والصديق عصام السيد، الذى شاهدته، الأحد الماضى، على المسرح القومى. بحثت عن «بروشور» العرض الذى يعرف الجمهور بصناعه، ولكنهم قالوا لى إن وزير المالية السابق محمد معيط أصدر قرارًا بإلغاء بند الدعاية، وبالطبع لن تجد من يجيب عليك إذا سألت: لماذا؟، عرض تنتجه الدولة للارتقاء بذوق مواطنيها، وفى الوقت نفسه يرفض وزير المالية إخبارهم به، تناقض غريب نتمنى من الوزير الجديد أن يتدخل لتصويب الأمور، ومع هذا كان المسرح ممتلئًا عن آخره، لأن الناس يشمون رائحة الأشياء التى لها قيمة حقيقية حتى لو تعمدت البيروقراطية إخفاءها، المسرحية من بطولة الفنان الكبير والصديق على الحجار ورانيا فريد شوقى وميدو عادل وعزت زين، وأميرة أحمد ودنيا النشار وطه خليفة ومايكل سيدهم، وطارق راغب وآسر على، وعدد كبير من صغار السن من البنات والأولاد نشروا البهجة طوال ١٣٠ دقيقة. العرض أعده الشاب الموهوب محمد السورى مع المخرج وصاغه شعريًا ببراعة الشاعر الكبير أمين حداد، الذى يمر حاليًا بمرحلة إبداعية فى غاية النقاء من خلال ما يقدمه لمحبى الشعر من قصائد فى غاية العذوبة جعلته صاحب منزلة رفيعة فى هذا الفن، لأنه لا يشبه أحدًا ويبحث عن مداخل وأشكال جديدة تحتوى حالة الغربة التى يشعر بها الإنسان المعاصر، هذه الروح ظللت صياغته للعرض، لدرجة أنك فى لحظات كثيرة تشعر بأن الأبطال يتحدثون بألسنتهم وليس بلسان الشاعر، وهو ما غمر المسرحية بروح شعرية شفافة، نحن أمام عمل غنائى استعراضى نجح الملحن الموهوب أحمد شعتوت أن يظلله بموسيقى بسيطة وقريبة من القلب، وجعلت الجميع يغنى وكأنه محترف، وهذه معادلة صعبة، خصوصًا فى وجود صوت جبار صاحب تاريخ عظيم مثل على الحجار، الذى كان فى حالة جميلة انعكست على العرض كله، المسرحية تدور حول طلبة مراهقين فى إحدى المدارس، تأثروا بالمناخ العام والثقافة الواردة التى تفرق بين المصريين بسبب الدين، وتكاد أن تحدث فتنة بين الطلبة بسبب علاقة المدرس المسيحى «على الحجار» والمدرسة المسلمة «رانيا فريد شوقى»، لم يفهم المتشددون الجدد علاقة الأخوة والصداقة التى قد تنشأ بين اثنين من شبرا رمز التسامح، اشتد الصراع بين الطرفين، إلى أن نجح ناظر المدرسة عزت زين «وهو ممثل عظيم يستحق مكانة تليق بموهبته» فى جمعهما فى عمل مسرحى لوأد الفتنة، واختار رائعة شكسبير «روميو وجولييت» ليمثلاها معًا، وكانت النتيجة مبهرة، ليؤكد العرض أنه حمل أكثر من رسالة نبيلة، أولها نبذ التطرف وأننا معًا من الممكن أن نصنع شيئًا عظيمًا، وأيضًا الإعلاء من شأن الحب والفن والغناء بعيدًا عن المتشددين من الجانبين. رانيا فريد شوقى كانت فراشة تحوم على المسرح، أداء راق وبسيط وكانت إطلالتها رائعة للغاية، أميرة أحمد وجه مريح وحضورها محبب وتجيد الغناء، وقال لى صديقى ياسر الزيات إنها ابنة صديقنا شاعر العامية الراحل أحمد غازى، فتضاعفت فرحتى بها، ومن المفاجآت السارة أيضًا فى الوجوه الجديدة دنيا النشار «الطالبة ميرنا»، عفوية وبساطة ورقة وتصوير لحالة مراهقة تتحسس طريقها فى الحياة، ميدو عادل يتقدم فى مسيرته خطوات واسعة تجاه ما يستحق من نجومية، ومثله يتقدم طه خليفة ومايكل سيدهم وطارق راغب وآسر على، وأتمنى أن يذهب صناع الدراما والسينمائيون ليكتشفوا هذه الكنوز التى هى رأسمال الفن المصرى فى المستقبل القريب. شيرين حجازى، مصممة الاستعراضات والرقصات، نجحت هى الأخرى فى إطلاق طاقات الشباب والشابات من خلال لوحات مبهرة ووقورة وخفيفة الظل أيضًا، وكان اختيار الملابس من قِبل كل من علا جودة ومى كمال فى غاية الجمال، أما الديكور فمحمد الغرباوى دائمًا يكون سببًا فى نجاح أى عمل يشارك فيه، لأنه يعتمد البساطة والواقعية، ونجح فى استثمار فوتوغرافيا الفنان الكبير عادل مبارز أحسن استثمار، وكنت أتمنى أن أرى صورة لتوفيق الحكيم ووليم شكسبير ضمن الرموز الذين وضعت صورهم على الجدران.. بشكل عام خرجت من العرض ممتلئًا بالغبطة ومطمئنًا على مستقبل الفن المصرى.. عرض هذه المسرحية على الجمهور العام من خلال التليفزيون ضروى وأتمنى من الشركة المتحدة أن تفكر فى الأمر.. شكرًا لصناع العمل، وعلى رأسهم الفنان الكبير عصام السيد.