رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مدبولى.. وزمان وليالى زمان


«أثناء دراستى بالمرحلة الابتدائية قمت، بسبب عشقى للتمثيل، بتكوين فريق من التلاميذ الصغار مثلى لنمثل فى حوش المدرسة وقت الفسحة أو فى أحد الشوارع بعد انتهاء اليوم الدراسى، وكان هذا أول فريق للتمثيل أكونه فى حياتى، كنت فى الثامنة من عمرى وفى إحدى الحفلات طلبت من ناظر المدرسة أن يتيح لى الفرصة لأقود زملائى وأقدم عرضًا مسرحيًا مدته 20 دقيقة فقط ولم يعارض ورحت أمرن التلاميذ ليل نهار على العرض الذى قمت بتأليفه وإخراجه وحصلت فى هذا العرض على أول تصفيق فى حياتى سواء من داخل المدرسة أو البلكونات المحيطة، حيث كان الجيران المحيطون يشاهدون العرض من النوافذ فانتزعت ضحكاتهم ووقفت أحييهم بثقة كبيرة».
هكذا كان يتذكر فناننا الكوميديان المبدع الرائد عبدالمنعم مدبولى بعض تفاصيل وإرهاصات فناننا عند التعريف بخطوات البدايات عند صاحب فنون مدرسة «المدبوليزم» الذى نعيش هذه الأيام ذكرى رحيله، وهو الذى يمثل توريقة وتفريعة مهمة من شجرة الإبداع الكوميدى المصرى والعربى، والمعلوم أن مدرسته تلك لم يفلت من التأثر بمفرداتها أى من نجوم العصر الحالى، بل نجوم العصور الحالية والقادمة لاقترابها من مزاج الإنسان المصرى المتعطش للانعتاق والانفلات من كوابيس كونية وطبيعية وإنسانية باتت تحاصره بداية من مسلسلات النكد، ونشرات الأخبار الصعبة، ومرورًا باستفزاز فنون وإعلانات ثقل الظل والأخطاء التربوية والقيمية.
وحول بعض ذكرياته فى مرحلة الطفولة «كانت أغلى مكافأة عبارة عن قلم رصاص أعطاه لى الناظر وانتهزت الفرصة وطلبت منه إعفائى من دفع المصاريف بسبب ظروفى الصعبة وعدم قدرة والدتى على تحمل المسئولية الملقاة على عاتقها دون أن تشكو، فاحتضننى الناظر بحنان شديد. وقال لى: سأقوم بإعفائك من المصاريف بشرط أن تقوم بتكوين فريق للتمثيل فى المدرسة تنافس به فرق المدارس الأخرى وكلفنى بكتابة هذه المسرحيات وإخراجها. وبالفعل كونت فريقًا متفوقًا وفاز على كل الفرق الأخرى كما طلب منى، واشتهرت وأنا فى هذه السن فى حى باب الشعرية فقمت أيضًا بتكوين فريق من أبناء الحارة وكنت أوزع عليهم الأدوار وأحتفظ لنفسى بدور البطولة وحققت معهم نجاحًا جيدًا وقتها». 
ويواصل التلميذ «مدبولى» تكوين الفرق فى كل المراحل الدراسية حتى التحاقه بمدرسة الصنايع، ولا ينس «مدبولى» هذا اليوم حينما أخذه صديق لمشاهدة عرض «الدلوعة» الذى كان يقدمه العملاق نجيب الريحانى وكان فى حينه يدرس بالصف الأول الثانوى، وكانت هذه هى أول مرة يشاهد فيها ديكورات وإضاءة وتمثيلًا بشكل حقيقى، فأدرك أن كل ما كان يشاهده قبل هذا اليوم وما كان يقدمه لعب عيال «وفق وصفه»، وعليه قرر فناننا بكل إرادة وتصميم أن يصبح فنانًا مشهورًا، ولكن بالطبع الحلم تأخر بعض الشىء لقلة الإمكانات حتى التحق بمعهد التمثيل وقبلها بكلية الفنون التطبيقية وتخرج بتقدير جيد عام 1945 وبدأ فى البحث عن سبل الاحتراف وتحقيق الحلم بتكوين فرقة مسرحية كبيرة. 
«عبد المنعم مدبولى اللى أداله الفرصة يمثل أول مرة فى حياته كان الإمام الشهيد حسن البنا» .. هل كان أحدنا يمكن تصور أن يسمع تلك العبارة من مذيع مصرى ونحن نعيش مناسبة ذكرى رحيل ذلك الكوميديان العظيم؟.. العبارة جاءت على لسان مذيع مصرى «محمد ناصر» للأسف يقتات على هبات إخوانية ويعيش فى بلد يناصب نظامه العثمانلى مصر العداء.. وتصريح «محمد ناصر» يأتى فى محاولة من جانب أبواق تلك الجماعة الإرهابية إثبات أن رأس الحية الإخوانية ومؤسس بنيانها السوداوى كان له علاقة بالفنون ودنيا الإبداع «والكوميدى كمان !!».
والطريف أن جهة أخرى «مجهولة النسب والهوية على شبكة الإنترنت وإن كان الاعتقاد أنها الأقرب للسلوكيات الإخوانية كخلية مخادعة» نشرت تصحيحًا لتصريح «ناصر»، جاء فيه: «كان الفنان عبدالمنعم مدبولى، المولود سنة 1921، يتمتع بالموهبة منذ صغر سنه، حيث اشترك فى المسرح المدرسى، حينها أُعجب به ناظر المدرسة وأسند إليه مهمة تدريب الفريق المسرحى، مُقابل إعفائه من المصروفات المدرسية. وكان أول أجر فنى حصل عليه من التمثيل عندما انضم لعدة فرق مسرحية للهواة، وعندما التحق بفرقة «جورج أبيض»، الذى كان يراه «تراجيديان» وليس كوميديان، حيث قدم دور رجل عجوز وهو فى سن 18 عامًا. وبعدها التحق بفرقة «فاطمة رشدى»، بمقابل 20 قرشًا فى اليوم، وكذلك عمل فى الإذاعة فى حلقات «بابا شارو».. وللمقال تتمة فى أعداد قادمة بإذن الله.