مؤتمر القاهرة: مصر مؤهلة لقيادة مفاوضات وقف الحرب فى السودان
أكد البيان الختامي لمؤتمر القوى السياسية والمدنية السودانية الذي استضافته القاهرة، السبت، ضرورة الوقف الفوري للحرب ووقف العدائيات وضرورة الالتزام بإعلان جدة الموقع بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع.
وأدان البيان الانتهاكات التي ارتكبت في الحرب، داعيًا النظر إلى الوضع الإنساني ودعم جهود المجتمع الدولي والمحلي والالتزام بتعهداتهم.
وينظر إلى مؤتمر القاهرة على أنه خطوة مهمة في تجميع الفرقاء السياسيين وتقريب وجهات النظر، مع الوضع في الاعتبار أن أزمة السودان ليست عسكرية فقط، ولكنها أزمة سياسية بالأساس، حسبما يرى خبراء ومحللون تحدثوا لـ"الدستور".
ويشهد السودان منذ 15 أبريل 2023 معارك بين الجيش بقيادة الفريق عبدالفتاح البرهان وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو المعروف بـ"حميدتي".
انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان
وأدّى النزاع إلى مقتل وإصابة آلاف الأشخاص مع أن الرقم الحقيقي للقتلى قد لا يُعرف أبدًا لعدم وجود إحصاءات رسمية موثقة.
وأدى الصراع كذلك إلى تدمير أجزاء كبيرة من العاصمة الخرطوم وإلى زيادة حادة في أعمال العنف المدفوعة عرقيًا وإلى تشريد أكثر من ثمانية ملايين سوداني لجأ من بينهم أكثر من مليون شخص إلى دول مجاورة، وفق بيانات المنظمة الدولية للهجرة، وخصوصًا إلى مصر شمالًا وتشاد غربًا.
وتكرر المنظمات الإنسانية التحذير من خطورة الوضع الإنساني في السودان الذي كان يعد من أكثر دول العالم فقرًا حتى قبل اندلاع المعارك الأخيرة، وتؤكد الأمم المتحدة أن 25 مليون شخص، أي أكثر من نصف سكان السودان، باتوا الآن بحاجة للمساعدة والحماية.
القاهرة مؤهلة لوقف الحرب
وقال د.محمد خليفة صديق، أستاذ العلوم السياسية بجامعة إفريقيا، إن دور مصر مهم وحيوي، والسودان بالنسبة لمصر عمق استراتيجي، ولدينا علاقات تاريخية ومصالح متبادلة، لافتًا إلى أن الدور المصري مرحب به، ومنذ بداية الأزمة كانت مصر الأقرب للسودان في كل تفاصيل الحرب، خاصة في مسألة النزوح واللجوء، ومساندة الجيش السوداني، في وقت تدعم بعض دول الجوار ميليشيا الدعم السريع.
وأضاف صديق لـ"الدستور" أن الدور المصري الأقرب ليصل إلى حلول جيدة للأزمة، ومصر مؤهلة للعب هذا الدور، والمؤتمر في هذا الإطار يعتبر اختراقًا جيدًا استطاع جمع عديد القوى السياسية السودانية، وأكد أمورًا مهمة على رأسها وحدة القوات المسلحة كضامن لوحدة السودان المهدد بالتفكك، خاصة أن القاهرة لديها معرفة وثيقة، وجزء كبير من حل الأزمة يكمن في التشخيص السليم، وهو ما نجحت فيه مصر.
أشار الأكاديمي السوداني إلى أن مؤتمر القاهرة خطوة للأمام، ويعول عليه كثيرًا، رغم أن عددًا من القوى السياسية لم يشارك، وحتى بعض الذين شاركوا لم يوقعوا على البيان الختامي، مثل حاكم دارفور وزعيم حركة العدل والمساواة، ومن الإشكالات التي برزت في المؤتمر عدم المشاركة من الجيش بشكل رسمي، وحتى الدعم السريع.
ونوه بأن نجاح القاهرة في جمع الفرقاء إنجاز كبير، ويجب أن نعمل على رفض الإقصاء، ووضع حلول تفضي لوقف الحرب عبر تنفيذ توصيات المؤتمر، بالوصول إلى وقف إطلاق نار عبر الضغوط على كل الأطراف، وأن تسعى القوى المؤثرة في الملف السوداني إلى مساندة القاهرة في هذا الاتجاه.
وشدد على ضرورة إجبار الدعم السريع على تنفيذ مقررات جدة، وما أضافه مؤتمر القاهرة بمطالبة الدول بوقف الدعم عن ميليشيات "الدعم السريع" بشكل يعجزها عن مواصلة الحرب، خاصة أن غرفة عمليات الميليشيا المتمردة ليست داخل السودان بالأساس.
سياسة مصرية حكيمة
من ناحيته، قال د.علاء عبدالحفيظ، أستاذ العلوم السياسية بجامعة أسيوط، إن السودان بلد شقيق مجاور لمصر، وأمنه واستقراره من الأمور المهمة للأمن القومي المصري.
وسعت مصر منذ اندلاع الأزمة الداخلية في السودان منذ أكثر من عام إلى التوصل إلى حل سلمي للأزمة من خلال الوقوف على مسافة واحدة من الفرقاء، وعدم التدخل في الشئون الداخلية للسودان، وعدم السماح أيضا لقوى خارجية بالتدخل، ومساندة الدولة السودانية والحيلولة دون انهيارها، ومناشدة الأطراف السودانية لوقف إطلاق النار والحفاظ على مؤسسات الدولة، وتغليب لغة الحوار، وإعلاء المصلحة العليا للشعب السوداني.
وأضاف عبدالحفيظ لـ"الدستور" أنه إلى جانب البعد الإنساني من خلال استقبال عشرات الآلاف من الأشقاء السودانيين المتضررين من الحرب، واستضافة مؤتمر القضايا الإنسانية في السودان في نوفمبر ٢٠٢٣، قامت مصر بدور سياسي مهم من خلال استضافة العديد من المؤتمرات والاجتماعات المهمة التي هدفت لحل الأزمة مثل مؤتمر قمة دول جوار السودان في يوليو ٢٠٢٣ كما استضافت مصر المؤتمر الذي تم فيه التوقيع على وثيقة إدارة الفترة التأسيسية الانتقالية في مايو ٢٠٢٤.
وتابع “أعتقد أنه من الممكن لمؤتمر القاهرة أن يحدث اختراقا في الأزمة السودانية وهناك حالة من التفاؤل وأن يتم التوصل إلى نتائج إيجابية نظرا لأن المؤتمر يشارك فيه أبرز الفاعلين السياسيين على الساحة السودانية إلى جانب شركاء إقليميين ودوليين، ولكن بشرط أن يتم تناول النقاط الخلافية بشكل جاد”.
شدد على ضرورة بذل المزيد من الجهود الدبلوماسية لإقناع بعض القوى الإقليمية، وبعض القبائل الإفريقية في الدول المجاورة للسودان بإيقاف المساعدات العسكرية والمالية التي تقدمها لقوات الدعم السريع وذلك لإجبارها على وقف القتال، مؤكدًا أنه حال نجاح تلك الجهود الدبلوماسية التي تقوم مصر بدور رئيسي فيها، يمكن أن يتوقف القتال في السودان.
الاتجاه للمسار السياسي
ويرى الكاتب الصحفي عماد السنوسي، رئيس تحرير موقع نبض السودان، أن الدور المصري هو الأقوى والأنسب في حل الأزمة السودانية، مرجعًا ذلك لمعرفة مصر بجذور الأزمة وتشخيصها عدة مرات بأنها سياسية وليست عسكرية فقط، وكذلك الاهتمام الكبير من القيادة السياسية بملف السودان ومتابعة تطورات انعكاساته السلبية على المنطقة.
وقال السنوسي لـ"الدستور": من الواضح أن نتائج المؤتمر ظهرت قبل انطلاقه يوم السبت، فكون مصر استطاعت جلب الأطراف السياسية المتخاصمة وأجلستهم في قاعة واحدة يعتبر إنجازًا في حد ذاته، كما اعتبر أن خلاصة البيان كافية كونها أكدت وقف الحرب والاتجاه إلى المسار السياسي.
وتوقع السنوسي أن تكون هناك انفراجة قريبًا بعد تشكيل اللجان المتخصصة لإدارة حوار شفاف، تمهيدًا لإيقاف الحرب: "الحوار هو الوسيلة الوحيدة لإقناع الدعم السريع بوقف الحرب، لافتًا إلى أن توقف العمليات العسكرية مربوط بتحقيق شروط الجيش المعلنة في منبر جدة أو وجود اتفاق جديد مرض للطرفين يشمل الضحايا والشعب السوداني، وما دمرته الحرب.
واختتم حديثه بالقول:“لكن في ظل التدخل الخارجي وعدم اقتناعه بمواقف الأطراف المتحاربة لا يمكن إيقاف الحرب، فالدعم العسكري ما زال متواصلًا للطرفين من جهات ودول لها مصالح تقول إنها استراتيجية في السودان، حتى إن المجتمع الدولي الآن منقسم بسبب حرب السودان، ودول عظمى تسيطر على قرار الإيقاف وإنهاء معاناة السودانيين”.