على حافة المجاعة.. كيف يعيش أهل غزة الآن؟
روى عدد من أهالى قطاع غزة يوميات المعاناة التى يعيشونها تحت قصف الاحتلال الإسرائيلى، بالتزامن مع نقص المواد الغذائية التى جعلتهم يقفون على حافة المجاعة، إلى جانب نقص الأدوية والمستلزمات الطبية، وغيرها من ضروريات الحياة، ما حوّل حياتهم إلى جحيم.
وكشف أهالى غزة، فى حديثهم لـ«الدستور»، كيف ينتقلون من مكان إلى آخر جراء القصف، تاركين شهداءهم فى الشوارع، وناقلين من يمكنهم من جرحاهم سيرًا على الأقدام، أو من خلال عربات تجرها الحيوانات، حتى الوصول إلى منطقة يمكن أن يقال عنها «آمنة»، وغيرها من المشاهد الأخرى التى نستعرضها فى السطور التالية.
رامز الصورى: 3 أبناء ماتوا فى حضنى.. وفقدت 19 من أفراد أسرتى
كشف رامز الصورى، مواطن فلسطينى من شمال غزة، أنه فقد أبناءه الثلاثة، بجانب ١٩ آخرين من أفراد أسرته، واصفًا الأوضاع فى القطاع بأنها صعبة للغاية، ويستحيل على أى إنسان تحملها.
وقال «الصورى»: «هناك توغل وقصف ودمار كبير فى حى الشجاعية، بجانب اجتياح المنطقة الشرقية بأكملها، وشارع المنصورة والتركمان، حيث يتم تدمير المبانى بشكل عشوائى، ومسح أحياء كاملة، وقتل المدنيين بشكل متعمد. كما أن الضحايا والشهداء ما زالوا فى الشوارع لا يستطيع أحد انتشالهم».
ونبه إلى وجود مجاعة بين سكان شمال غزة، فى ظل عدم توافر الخضار بجميع أنواعه، وإن توفر فأسعاره فلكية، تصل إلى ٣٠ دولارًا بالنسبة للطماطم، ومثلها للبطاطس، و٦٠ للبصل، و٨٠ للفلفل الأخضر، و١٢ للخيار. وأضاف: «لا يوجد شىء تقريبًا فى غزة، فقط الطحين أو خبز العيش موجود بأسعار مقبولة. ولا توجد أى مواد تموينية فى الشمال، وحتى الأدوية والمستلزمات الطبية معدومة، ولا يوجد أطباء جراحة وأوعية دموية وقلب وتخدير، فى ظل انهيار المنظومة الصحية بأكملها، بالتزامن مع دمار أغلب سيارات الإسعاف، وإن وجدت فهى متهالكة نتيجة الاستهداف الإسرائيلى».
وشدد على أن هناك حالات كثيرة فقدت حياتها نتيجة سوء التغذية، والاعتماد فقط على المعلبات، التى توجد بها نسبة كبيرة من المواد الحافظة، ما أدى إلى إصابة عدد كبير من الأطفال باليرقان أو الصفراء.
وأضاف: «٩٠٪ من المياه غير صالحة للشرب، واعتمادنا الأكبر على نقاط المياه الخارجية، التى تعمل بالطاقة الشمسية أو الديزل لاستخراج المياه الصالحة. لكنها مكلفة للغاية، وتصل إلى دولار لكل جالون ١٨ لترًا».
راوية حلس: كل عذاب الكون أصبح فى القطاع وأفلام الرعب لا تُقارن بما نراه
قالت راوية حلس، مسئولة عن أحد مراكز الإيواء بقطاع غزة، أن عذاب الكون كله أصبح موجودًا فى قطاع غزة، موضحة: «أسمع كل يوم صرخات النازحين وهم يحملون ما تبقى من أمتعتهم، وطلقات المدافع والرصاص تدوى فوق رءوسهم.. يقع منهم الواحد فيتركونه ويكملون الطريق، تلك المشاهد ليست موجودة بأى مكان بالعالم، ولا حتى بأفلام الخيال والرعب».
وأضافت «حلس»، لـ«الدستور»، أن الأطفال فقدوا البراءة، ونسوا الضحك، وأصبحوا يكرهون الحياة ويرون الموت هو الخيار الأجمل.
وأكملت: «إذا شاهدت لقطات من أفلام الحروب أو بعض من لقطات الرعب تعتبر هذه لقطات جميلة أمام ما نراه كل لحظة، آلام لا حدود لها، ودموع وقهر وخذلان».
وأشارت إلى أن هناك آلافًا من الطلاب ضاع عام من أعمارهم، منهم ابنها طالب الثانوية العامة، الذى يبكى ليل نهار لأنه لم يستطع التقديم ودخول الامتحانات فى ظل بطش الاحتلال واستمرار حرب الإبادة، بجانب الآلاف من الخريجين ضاعت أحلامهم وطموحاتهم.. سامحونا، فالآلام فى قلوبنا لا تصفها كل معاجم وقواميس اللغة».
قال الدكتور بكر أبوصفية، مدير مستشفى «العودة» فى قطاع غزة، إن قطاع غزة أصبح عبارة عن كارثة صحية، محذرًا من انتشار مرض «الكوليرا»، وإمكانية حصده الأخضر واليابس، وحينها يكون الاحتلال الإسرائيلى قد حقق أهدافه.
وأضاف «أبوصفية»: «الله يكون فى عون أهالى قطاع غزة، فالمستلزمات المعيشية والأطعمة قليلة وغالية جدًا، والناس ليس لديهم أموال، وهناك حالات فقدان وزن لنحو ٣٠ كجم جراء الحرب ونقص الأغذية»، مشيرًا إلى أنه «لولا وجود التكيات وكوبونات الأغذية كان الناس ماتوا من الجوع، مثل منطقة القرن الإفريقى فى فترة الجفاف».
وانتقل للحديث عن الوضع فى مستشفى «العودة»، قائلًا: «الوضع الغذائى فى المستشفى غير مقبول، وجبة الغداء أرز فقط نعده نحن، أو بعض الجمعيات تحضر وجبات، وغالبًا تكون فاصوليا أو بازلاء معلبة. أما وجبة العشاء فعبارة عن خبز وجبنة. بينما الفطار دقة وزعتر فقط». وأضاف مدير مستشفى «العودة»: «اللحوم بكل أنواعها والبيض والفواكه غير متوافرة، والمعلبات مثل علب التونة وغيرها متوافرة بأعداد قليلة»، مؤكدًا أن هذه الأوضاع الحالية درسناها فى الابتدائية».
سامح أبودية: المجاعة تتسلل إلى الجنوب بعد أن أنهت على الشمال
أكد سامح أبودية، فلسطينى، أن ٩٠٪ من المواطنين فقدوا عملهم، وبالتالى لا يوجد دخل لديهم، وحتى لو توافرت البضائع فلا توجد قدرة مالية لدى المواطن لشراء هذه البضائع.
وقال «أبودية»: «السلع الغذائية متوافرة بشكل أكبر فى الجنوب، لكن المجاعة تحدث ببطء، على عكس شمال غزة، فالمجاعة انتشرت بالفعل وضربت المواطنين والأطفال».
وأشار إلى أن هناك حالات وفاة بين الأطفال يوميًا بسبب الأمراض الناتجة عن سوء التغذية والجفاف، مع انعدام كامل للخضروات والفواكه والمعلبات.
وأكد أن هناك حالات وفيات بالفعل بشمال غزة، ولكن فى جنوب القطاع الوضع أفضل قليلًا، وإن استمر الوضع على ما هو عليه من عدم إدخال المساعدات بشكل كافٍ يغطى حاجة المواطنين، بالتأكيد ستحدث المجاعة فى الجنوب أيضًا، وستكون أصعب بكثير من شمال القطاع». ولفت إلى توفر الدقيق فقط لصناعة الخبز ولا يمكن الاعتماد عليه بشكل كامل، خاصة بين الأطفال «لا يستطيعون أكل الخبز فقط».
وتابع: «اليوم المجاعة بنسبة ٥٠٪، وغدًا ستكون بنسبة ٦٠٪ وهكذا، وإذا تم تسجيل حالة وفاة واحدة بين الأطفال، غدًا سيتم تسجيل حالتين، وبالتالى المجاعة تنتشر، ومنذ شهرين أو ٣ أشهر لم يدخل أى نوع من الأغذية لشمال القطاع».
بدوى
سائد أبوعيطة: قتلوا ولدىّ ونزحت 4 مرات.. ولا نتحمل العطش وارتفاع درجات الحرارة
ذكر سائد أبوعيطة، كاتب فلسطينى، أنه فقد اثنين من أبنائه الأطفال، ونزح أكثر من مرة من الشمال إلى الجنوب ومن الجنوب إلى الوسط، وحاليًا موجود بدير البلح.
وأضاف «أبوعيطة»: «فى البداية كانت البضائع والمساعدات الإنسانية متوافرة، لكن توقفت فى الفترة الحالية بسبب عملية رفح الأخيرة، وغلق المعابر والميناء العائم وتوقف المساعدات الجوية، ما أدى إلى نقص المستلزمات المعيشية، وانتشار سوء التغذية».
وتابع: «فى المنطقة الإنسانية التى حددها الاحتلال، يسمح بدخول المساعدات، ولكن البضائع شحيحة جدًا، وبأسعار مختلفة»، مؤكدًا أنه ليست كل السلع متوافرة، وإن وجدت فهناك زيادة كبيرة فى الأسعار.
وأكد أن هناك عملية نزوح كبيرة منذ مساء الإثنين الماضى، وهى مستمرة حتى الساعة من خان يونس وبنى سهيلة إلى دير البلح، المنطقة الإنسانية، تحت قصف مستمر وعنيف من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلى.
وذكر: «نزحت أكثر من مرة من الشمال إلى رفح، وفى رفح نزحت أكثر من ٤ مرات، وحاليًا نزحت إلى دير البلح، وأعانى الإصابة جراء القصف؛ كسر فى اليد وشظية فى ظهرى اقتربت من القفص الصدرى، ونزحت مؤخرًا برفقة ما تبقى من أطفالى وزوجتى ووالدتى، مع عدم توافر الإمكانات الطبية ولا المستشفيات لعلاج الجروح والإصابات».
وأكد أن إغلاق المعابر أدى لشح المساعدات، بجانب أزمة مياه الشرب وعدم توافر المضخات الكافية لتحلية المياه، فالمضخات دمرها القصف، وبقى عدد بسيط لا يكفى لسد احتياجات أهالى غزة، بجانب عدم توافر السولار لتشغيل تلك المحطات، خاصة أن الاحتلال هو من يتحكم فى كمية وموعد دخول السولار.
وشدد على أن المياه أهم من الأكل، فيمكن للإنسان أن يتحمل الجوع لأيام، ولكن لا يتحمل العطش، خاصة فى ظل ارتفاع درجات الحرارة، واشتداد موجة الصيف والخيام المتهالكة من العوامل الجوية المختلفة، وتابع: «لا أغيّر خيمتى منذ ٨ أشهر، وتعرضت للذوبان جراء ارتفاع درجات الحرارة، ومن قبل من مياه الأمطار».