رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

اليمين الفرنسى ونتنياهو

إذا رجعنا بالزمن للخلف، فى يناير من عام ٢٠٠٠، عندما كان حزب الحرية اليمينى المتطرف فى النمسا، الذى كان يتزعمه آنذاك يورج هايدر، على وشك الانضمام إلى ائتلاف من الأحزاب لتشكيل حكومة جديدة فى فيينا.

كان رد فعل إسرائيل واضحًا، حيث قال شمعون بيريز، وزير التنمية الإقليمية آنذاك: «إن الحكومة التى يشارك فيها هايدر سوف تتسبب فى مقاطعة دبلوماسية من جانب أسرة الأمم المتحضرة»، وفى نهاية المطاف، أعلن وزير الخارجية ديفيد ليفى: «فى هذا الشأن، تقف إسرائيل كلها موحدة.. إذا انضم هذا الحزب إلى الائتلاف النمساوى، فلن يكون هناك مكان لسفير إسرائيلى فى النمسا. هذه ليست لعبة كلمات، وليست خداعًا، وليست تهديدًا. هذا هو موقف الحكومة الإسرائيلية»، وبالفعل، ففى أعقاب انضمام حزب الحرية إلى الائتلاف فى فيينا، استدعت إسرائيل سفيرها من العاصمة النمساوية.

هذه كانت المعايير قبل ٢٤ عامًا، واليوم تحولت الأحزاب اليمينية المتطرفة فى أوروبا، بكل ما تحمله من «معاداة السامية» إلى «شركاء طبيعيين» للحكومة الإسرائيلية، والإجابة هى كلمة واحدة: نتنياهو.

فبينما يطيل الحرب، ويماطل فى قبول صفقات وقف إطلاق النار، إلا أن عيونه على الولايات المتحدة وأوروبا، نتنياهو المُحب والمهتم بالعلاقات الخارجية يفهم أهمية الانتخابات فى العالم فى ٢٠٢٤، وما كيف يمكن أن تؤثر عليه بشكل شخصى، ولا شك أنه حظى بلحظات من الإثارة خلال الأسبوع الماضى، أثناء الانتخابات الفرنسية، وذلك بعد حصول حزب التجمع الوطنى اليمينى المتطرف على الحصة الأكبر من الأصوات «٣٤٪». تليه الجبهة الشعبية الجديدة المدعومة من أقصى اليسار «٢٨٪»، ويليه حزب النهضة الوسطى، الذى يتزعمه الرئيس إيمانويل ماكرون، فى المركز الثالث بنسبة ٢٠٪ فقط.

نتائج الجولة الأولى من الانتخابات البرلمانية فى فرنسا بالنسبة لإسرائيل لها مجموعة تداعيات، أولها مثلًا أنه بمثابة «خطوة أخرى» نحو موجة هجرة ضخمة لليهود المحليين إلى إسرائيل، كما يقول أحد المحترفين البارزين الذين ييسرون هذه الحركة، وهو أرييل كاندل، الرئيس التنفيذى لجمعية كويليتا لاستيعاب وتشجيع الهجرة اليهودية، من فرنسا الذى تحدث مع موقع تايمز أوف إسرائيل 

من ناحية أخرى، فإن حزب التجمع الوطنى، بقيادة رئيسه جوردان بارديلا وكبيرة مشرعيه مارين لوبان، لديهما هدف واضح فى الحد من التعبير العلنى عن العبادة الدينية، بما فى ذلك من قبل اليهود، كجزء من أجندة الحزب المناهضة للمسلمين.

نتنياهو لعب دورًا كبيرًا، خلال العقد الأخير، فى تطوير العلاقات مع اليمين الأوروبى، ومؤخرًا أصبح الشخص الذى يقود عملية تحسين العلاقات مع اليمين المتطرف فى أوروبا هو وزير شئون الشتات ومكافحة معاداة السامية عميحاى شيكلى، والطريف أن شيكلى شارك فى حسابه X محتوى مثل صور مفتى القدس الحاج أمين الحسينى مع أدولف هتلر، إلى جانب صوره الخاصة مع مجموعة من زعماء اليمين المتطرف الأوروبى ومعظمهم ترجع جذورهم السياسية إلى الفاشية الأوروبية والنازية.

زعماء اليمين الأوروبى مثل جيمى أكيسون من السويد، ومارين لوبان من فرنسا، وسانتياغو أباسكال من إسبانيا، وبالطبع فيكتور أوربان رئيس وزراء المجر كلهم «أصدقاء» للوزير شيكلى. 

نتنياهو الذى يحب اليمين الأوروبى هو ضمن أكثر الداعمين لترامب، الذين يهتفون «لنجعل أمريكا عظيمة مرة أخرى»، وتماشيًا مع نظريتهم المعادية للسامية «الاستبدال العظيم»، يلقون باللوم على اليهود ويريدون الدفع بالتفوق المسيحى الأبيض. 

هذه الروابط والعلاقات مع اليمين الأوروبى وترامب، تلقى هجومًا داخل إسرائيل، فضمن مجموعة من الاتهامات التى تلاحق نتنياهو، هناك اتهامات بأن أصدقاء الحكومة الإسرائيلية الجدد هؤلاء الذين انفصلوا عن العالم الليبرالى، وبدلًا من العمل على استعادة مكانة إسرائيل الدولية، اختارت إسرائيل تكوين صداقات مع العنصريين الأوروبيين الذين اختاروا حاليًا التأكيد على عنصريتهم تجاه السكان المسلمين داخل بلدانهم وإخفاء معاداتهم للسامية مؤقتًا.