رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

تفخيخ المنطقة.. هل تفتح أمريكا وإسرائيل جبهة قتال جديدة ضد «الحوثيين»؟

جماعة «الحوثى»
جماعة «الحوثى»

لم يكن إعلان جماعة «الحوثى» اليمنية عن استهداف سفينتين فى البحر الأبيض المتوسط، خلال هجوم نفذته فى الأسبوع الماضى، حدثًا عاديًا، بل مؤشرًا خطيرًا على توسع مسرح عمليات الجماعة ليشمل البحرين «الأحمر» و«الأبيض» على حد سواء.

وتنتاب إسرائيل حالة كبيرة من القلق جراء هذا التطور غير المسبوق، فى ظل ما يؤكده من أن التنظيم العسكرى الذى ينطلق من اليمن، ويعتبر أحد الموالين لإيران فى المنطقة، يمد أذرعه إلى مناطق أخرى.

وتسبب ذلك التوسع فى قلق متزايد لدى مجتمع الاستخبارات الإسرائيلى والأمريكى، معتبرين إياه تطورًا ينبئ باحتمالية فتح جبهة جديدة مثيرة للقلق، فى البحر الأبيض المتوسط، إلى جانب مؤشرات أخرى خطيرة نستعرضها فى السطور التالية. 

«أنصار الله» تصل بعملياتها إلى «المتوسط».. وتُشكِّل «إمبراطورية» مع حلفاء إيران

بعد اندلاع الحرب الإسرائيلية فى قطاع غزة، ردًا على الهجوم الذى نفذته حركة «حماس» الفلسطينية داخل الأراضى المحتلة، بدأت جماعة «أنصار الله» اليمنية الموالية لإيران فى استهداف ممرات الشحن الدولية، على رأسها مضيق «باب المندب».

واستهدف «الحوثيون» السفن التجارية فى البحر الأحمر ومضيق «باب المندب»، سواء السفن التابعة لإسرائيل، أو المتجهة إلى الموانئ الإسرائيلية، وذلك بالتزامن مع فتح «حزب الله» اللبنانى جبهة قتال أخرى ضد إسرائيل، فى جنوب لبنان.

وقالت الجماعة اليمنية إن هجماتها على ممرات الشحن الدولية تأتى تضامنًا مع الفلسطينيين، بعد الحرب الإسرائيلية الغاشمة على قطاع غزة، التى اندلعت بعد هجوم «حماس» فى السابع من أكتوبر.

وأدت هجمات «الحوثيين» إلى تعطيل حركة الشحن الدولى، منذ نوفمبر الماضى، ودفعت العديد من السفن إلى تجنب طريق البحر الأحمر إلى قناة السويس، واختيار رحلة أطول حول الطرف الجنوبى من إفريقيا، بعد أن شملت هذه الهجمات أكثر من ٦٠ سفينة، من خلال إطلاق الصواريخ والطائرات دون طيار، بجانب الاستيلاء على سفينة واحدة وإغراق اثنتين. وفى تطور جديد خطير، الأسبوع الماضى، أعلنت الجماعة اليمنية عن تنفيذ ٤ «عمليات عسكرية»، استهدفت فيها ٤ سفن شحن تابعة للولايات المتحدة وبريطانيا وإسرائيل، فى كل من البحر الأحمر وبحر العرب والبحر المتوسط والمحيط الهندى.

وأوضح المتحدث باسم جماعة «الحوثى، يحيى سريع، أن العملية الأولى نفذتها القوة الصاروخية بعدد من الصواريخ المجنحة، واستهدفت السفينة الإسرائيلية «يونيفك»، فى بحر العرب، مؤكدًا أن «الإصابة كانت دقيقة».

وأضاف أن العملية الثانية استهدفت سفينة النفط الأمريكية «ديلونكس»، فى البحر الأحمر، للمرة الثانية خلال أسبوع. واستهدفت الثالثة سفينة الإنزال «أنفيل بوينت» البريطانية، فى المحيط الهندى. بينما العملية الرابعة استهدفت السفينة «لاكى سيلور»، فى البحر الأبيض المتوسط، وذلك بعدد من «الصواريخ المجنحة».

وإلى جانب العمليات السالفة، أفادت تقارير صحفية بأن جماعة «الحوثى» شنت عمليات عسكرية مشتركة مع «المقاومة الإسلامية فى العراق» ضد السفن، فى مدينة حيفا، خلال يونيو الماضى. ورغم أنه لم تصدر بيانات أو تصريحات رسمية تؤكد وقوع «حادث» فى المدينة الساحلية على البحر الأبيض المتوسط، يمثل استهدافها، حال حدث، سابقة خطيرة.

وردًا على ذلك، أعلن الجيش الأمريكى، الأحد الماضى، عن أنه دمر ٣ زوارق مسيرة تابعة لجماعة «الحوثى»، فى البحر الأحمر، خلال الساعات الـ٢٤ الماضية، فى إطار اشتباك للدفاع عن النفس.

فى السياق ذاته، أكدت صحيفة «الأخبار» اللبنانية تشكيل «غرفة عمليات مشتركة»، تضم كلًا من «حزب الله» اللبنانى، وجماعة «الحوثى» فى اليمن، إلى جانب المجموعات المسلحة، فى العراق وعلى رأسها «المقاومة الإسلامية فى العراق»، فى إطار إقامة «إمبراطورية خاصة» للأطراف الثلاثة، بالتزامن مع امتداد النشاط الإيرانى إلى سوريا ولبنان واليمن والعراق والأردن والسودان.

ما نشرته الصحيفة اللبنانية قريب مما أكدته النشرة الرئيسية لقناة «١٢» الإسرائيلية، وسمحت الرقابة العسكرية بنشره، ومفاده أن «الحوثيين» بدأوا فى توسيع نفوذهم إلى شمال إفريقيا، وتحديدًا السودان والمغرب، مشيرة إلى أن هدفهم هو «العمل من هذه المناطق ضد إسرائيل».

وأضافت: «من المتوقع أن ينتقل مقاتلون من اليمن إلى هذه الدول، بجانب التعاون مع المجموعات المسلحة الموالية لإيران فى العراق، ليسمح لهم هذا الانتقال، بالإضافة إلى أمور أخرى، بتهديد مضيق جبل طارق».

ونقلت قناة «I٢٤ News» العبرية عن مصدر إسرائيلى، تعليقًا على هذه التطورات الأخيرة، قوله: «سقوط صاروخ فى البحر الأبيض المتوسط سيناريو كارثى، فالتهديد لم يعد فى ميناء إيلات والبحر الأحمر فقط، بل وصل إلى قبالة سواحل إسرائيل».

تل أبيب ترفض التورط فى «مواجهة مباشرة» مع الجماعة اليمنية.. وتفضل «الرد الدولى»

كشفت هجمات «الحوثى» على الممرات المائية الدولية، وما رافقها من عمليات إسقاط طائرات دون طيار، نفذتها الجماعة بجانب جماعات عسكرية أخرى مدعومة من إيران فى لبنان، عن امتلاك هذه الجماعات تكتيكات دفاع جوى أكثر تطورًا مما كان يُعتقد سابقًا.

هذا التطور من شأنه دفع القادة العسكريين فى إسرائيل والولايات المتحدة إلى مراجعة خطط عملياتهم الجوية فى المنطقة، وفق ما قاله خبراء لموقع «بريكينج ديفينس» المهتم بالشئون العسكرية.

لكن ليس من الواضح أن هذا التطور جاء بسبب تزويد إيران «الحوثيين» بأنظمة دفاع جوى جديدة، أم أن عدد الطائرات التى أُسقطت فى الآونة الأخيرة يرجع ببساطة إلى زيادة وتيرة العمليات الأمريكية والإسرائيلية، ما يمنح الجماعات المدعومة من إيران مزيدًا من الفرص لاستهداف الأهداف.

ومنذ بدء الحرب فى غزة، فقدت القوات الجوية الإسرائيلية ٥ طائرات دون طيار متوسطة الارتفاع طويلة التحمل «MALE»، وطويلة التحمل عالية الارتفاع «HALE»، إلى جانب «هرميس ٤٥٠» و«هيرميس ٩٠٠»، من خلال صواريخ أطلقتها الجماعات المدعومة من إيران فى جنوب لبنان. وخلال الفترة نفسها، فقدت الولايات المتحدة ٣ طائرات من طراز، MQ-٩ Reapers فوق اليمن، بسبب صواريخ أطلقها «الحوثيون».

لذا يعتقد الخبراء أن «الولايات المتحدة وإسرائيل قد تحتاجان إلى تعديل مفهوم العمليات لديهما، فى أثناء تشغيل منصات ISR غير المأهولة»، وفق تقرير «بريكينج ديفينس». وقال فرزين نديمى، زميل بارز فى معهد «واشنطن لسياسة الشرق الأدنى»، فى رسالة بالبريد الإلكترونى: «إنهم يستطيعون الحصول على المعلومات الاستخبارية فى الوقت المناسب».

وأضاف بروس بينيت، الباحث المساعد فى شئون الدفاع الدولى بمؤسسة «راند»: «ستحتاج إسرائيل والولايات المتحدة إلى تعديل إجراءاتهما التشغيلية تدريجيًا. ومن المرجح أن تتضمن هذه التعديلات مزيجًا من التشغيل بطريقة مختلفة، وتعزيز التدابير الإلكترونية وغيرها من التدابير المضادة، ومحاولة تحديد وقمع صواريخ أرض- جو المعادية».

أما عن احتمالية التحرك العسكرى، فإن الولايات المتحدة وإسرائيل ودولًا أخرى لا تزال تتحرك على اعتبار أن الجماعة اليمنية المسلحة «قراصنة» يرتكبون أعمال «إرهاب بحرى»، مشيرين إلى أن سفنًا حربية أمريكية وبريطانية تعمل حاليًا بالفعل على الدفاع عن السفن التجارية التى تتعرض للهجوم، دون فتح جبهة قتال واسعة ومباشرة.

ويدرك الغرب، خاصة فى الولايات المتحدة، أن التهديد «الحوثى» للملاحة الدولية لا يهدد إسرائيل فقط، بل يمثل خطرًا كبيرًا على الاقتصاد العالمى ككل، وأنه ينبغى مواجهته قبل أن يشكل تهديدًا أكبر، لكن فى الوقت نفسه دون فتح معركة واسعة تشمل إيران وأذرعها فى المنطقة، وفق التقرير.

أما إسرائيل، فأجرى مجلسا «الأمن القومى» و«الحرب»، فى ديسمبر الماضى، نقاشات موسعة حول «سبل الرد الإسرائيلى على هجمات الحوثيين»، طُرح خلالها العديد من الأفكار. لكن الرأى السائد كان «معالجة التهديد بوسائل دولية، وعدم التورط فى المواجهة المباشرة».

وكما يبدو فإن إسرائيل لا تزال تتبع هذه الاستراتيجية، وهو ما دفعها للتوجه إلى الإدارة الأمريكية، والطلب منها تفعيل «القوة البحرية المشتركة»، التى تعمل منذ عقدين فى مناطق المحيط الهندى وخليج عُمان وشواطئ اليمن والصومال.

وهذه القوة موجودة فى البحرين، وقائدها الحالى هو أدميرال أمريكى، ونائبه بريطانى، وهى مؤلفة من ٣ دول، ومهمتها الأساسية «محاربة الإرهاب وتهريب المخدرات، وعمليات القرصنة، وحماية الأمن، وتشجيع التعاون الإقليمى».