أكثم والشيماء وبينهما عاطف.. أن تصبح «مانشيت إجبارى».. قراءة فى سيرة بعض أوجاع التسعينيات
هل جربت أن تنام ليلتك مواطنًا بسيطًا مجهولًا إلا عن دائرة أقاربك وأصدقائك، ثم تكون فى اليوم التالى مانشيت رئيسيًا فى جرائد بلدك والعالم واسمك يتردد صداه على شفاه مذيعى ومذيعات أهم الأنباء على كل الشاشات؟
أحدهم جرب ذلك فى حقبة التسعينيات.
أكثم والشيماء مصريان لم يربط بينهما غير الجنسية.. الأول شاب مصرى شغل الناس عندما انتصف شهر أكتوبر ١٩٩٢ وزاحمت صوره وأخباره كبار الساسة والفنانين ولاعبى الكرة.. والثانية فتاة فى الصف الأول الإعدادى أخذت الراية والمانشيتات منه وشغلت أغلفة المجلات بعد عام كامل، لتصير رمزًا قوميًا لمواجهة غول الإرهاب الأسود القابض على أنفاس الوطن منذ بداية الثمانينيات.
البداية عندما كانت عقارب الساعة تمشى حثيثًا متخطية الثالثة عصر يوم الإثنين ١٢ أكتوبر ١٩٩٢.. كان الدكتور عاطف صدقى رئيس وزراء مصر مجتمعًا مع من تبقى من وزرائه ولم يذهب ضمن زيارة الرئيس مبارك الرسمية إلى الصين، كان الاجتماع عاصفًا لمناقشة تقرير مهم وخطير لوزير الداخلية عبدالحليم موسى عن تزايد العمليات الإرهابية فى ربوع البلاد. وبعد أن طال أمد النقاش الجاف بدأ الكلل يتسرب إلى نفوس الوزراء، وشيطان القيلولة يداعب مخيلتهم، متمنين انتهاء يوم عمل شاق، بدأ منذ السابعة صباحًا.
وعندما وصلت عقارب الساعة إلى الدقيقة العاشرة بعد الثالثة عصرًا اهتزت الأرض تحت أقدام صدقى ووزرائه المنتبه منهم والنعسان، ليهرع الجميع إلى فناء مبنى المجلس الواقع فى وسط القاهرة فى أحد الشوارع الجانبية لقصر العينى.
مرت دقيقة كالدهر كانت كافية ليدرك الجميع، وزراء ومواطنين، أن زلزالًا هائلًا يرج البلاد رجًا، وانفتحت العيون التى أغلقتها الصدمة لتحصى الخسائر البشرية والمادية الرهيبة التى تكبدها الوطن فى تلك اللحظة.
وسرعان ما ترامت إلى الأسماع والأبصار أرقام مفزعة عبر الصحف والإذاعة والتليفزيون.. فحصيلة القتلى زحفت نحو الألف نفس بسرعة شديدة، وتضاعف العدد أربعة أضعاف للمصابين غير آلاف المشردين بعد انهيار ٨٧ عقارًا وتصدع ١٢٠٥ وتهدم ٤٤ منشأة تشمل مدارس ومساجد وكنائس ومبانى حكومية.
وامتلأت أنباء اجتماعات الأزمة لصدقى ووزرائه مع الرئيس الذى قطع زيارته الصين، وتصريحات وتطمينات للشعب اليائس هنا وهناك فى أول يومين.. حتى أطل أكثم فى نهاية اليوم الثالث برأسه من بين الأنقاض، لتصير معجزة خروجه حيًا بعد ٨٢ ساعة هى الخبر الأهم والمانشيت الأبرز، وتتضاءل بجانبه العناوين مهما ثقل أصحابها.. ويصير أكثم فى الخيال الشعبى وكأنه المجداف الذى انتشل به الله هذا الشعب الطيب من بحر إحباط متلاطم خلفه الزلزال المدمر، ويتبارى الصحفيون فى اقتفاء أثر حكاية أكثم وعائلته المأساوية والملهمة، لمدة شهور تالية.
ثم بدأت أخبار أكثم تقل تدريجيًا.. وتعود الحياة لطبيعتها رويدًا رويدًا.. حتى جاء على مصر صباح خريفى مُقبض يوم الخميس ٢٥ نوفمبر ١٩٩٣ بينما كانت الطفلة «الشيماء محمد جمعة»، التى تخطو أولى خطواتها فى الصف الأول الإعدادى، تجلس مطمئنة هادئة بجوار نافذة فصلها الهادئ فى مدرسة المقريزى الخاصة بحى مصر الجديدة بجوار الشارع الرئيسى، الذى كان يمر منه فى نفس اللحظة موكب نفس رئيس الوزراء عاطف صدقى، لترتج الأرض مرة أخرى تحت قدميه أو بالأحرى أسفل عجلات موكبه، والسبب شحنة ناسفة زرعها الإرهابيون الذين كان يناقش أمرهم قبل زلزال العام الماضى.. أتذكرون؟.. ولكن القدر كان رحيمًا به ولم يصب بسوء هو وموكبه، بينما اخترقت شظايا القنبلة جسد الشيماء، ولم تنج منها روحها الرهيفة التى سارعت إلى ربها تشكو غدر بعض من عباده.
وما هى إلا ساعات وتصير صورة الشيماء الطفلة البريئة الراحلة أهم وأكبر صورة على صفحات الجرائد وأغلفة المجلات، ويسارع الصحفيون إلى اقتفاء أثر وحكايات الشيماء وأهلها المنكوبين برحيلها وتصير البنت مانشيت رئيسيًا رغم أنفها، مثلها فى ذلك مثل شاب بسيط كان يسكن بالقرب منها فى مصر الجديدة قبل أكثر من عام بقليل واسمه أكثم سيد إسماعيل.
معجزة أكثم.. حكاية شاب خرج من تحت أنقاض عمارة مصر الجديدة ومعه الأمل
لو كانت جريدة المساء الصادرة يوم ١٦ أكتوبر ١٩٩٢ وجدت كلمة أكثر تعبيرًا عن كلمة «المعجزة» لوضعتها على صدر صفحتها الأولى بدلًا منها.. لكنها فى الحقيقة كانت موجزة ومعبرة تمامًا عن الشعور العام تجاه ما رآه الشعب على الهواء مباشرة لشاب يخرج من تحت أنقاض عمارة مصر الجديدة التى قتلت أغلب قاطنيها أسفلها.. والمعجزة لم تكن فقط فى عدد الساعات التى مكثها أكثم تحت الأنقاض والتى وصلت إلى ٨٢ ساعة، ولكنها كانت فى الدراما التى صاحبت حكايته ومثلت منجمًا لكل محررى الصحف والمجلات الذين لازموا مكان العمارة المنهارة منذ معرفتهم بوجود صوت حى أسفل الأنقاض.
صورة أكثم لحظة خروجه غارقًا فى ذهوله احتلت كل الصفحات الأولى للجرائد اليومية الصادرة فى اليوم التالى مع سيل من العناوين البراقة التى تحكى الطلة الأولى لأكثم الخارج لتوه من الجحيم، مثل عناوين «المساء» التى جاءت شارحة لمانشيت المعجزة والتى كان نصها:
انتشال شاب حى من عمارة مصر الجديدة بعد ٨٠ ساعة من الزلزال
أكثم يتحدث من تحت الأنقاض: أبعدوا السيدات عند خروجى.. فأنا عارٍ تمامًا
زوجتى ووالدتى وابنتى أموات بجوارى.. ووالدى لم يكن موجودًا وقت الكارثة.. أين هو؟
ما سبق هو عينة من عناوين اليوم التالى.. فى حين كانت التغطيات الصحفية المتأنية للمجلات الأسبوعية فى طور التجهيز.. ينهل صحفيوها من معين حكاية أكثم الدسمة للانفراد بجانب جديد أو لقطة أو معلومة فى عددها المقبل.. ولعل تحقيق الصحفية ثناء رستم فى عدد «آخر ساعة» الصادر بتاريخ ٢١ أكتوبر ١٩٩٢ كان واحدًا من أكثر التغطيات الشاملة لقصة أكثم المثيرة وخلفياتها الثرية التى عرفت القراء خلفيات إنسان مجهول تحققت فيه معجزة لم تكن تخطر على بال أحد.
تحقيق «آخر ساعة» أيضًا لجأ لتعبير «معجزة أكثم» لتكون عنوان الملف المصور لحياة الرجل قبل وبعد.. وامتلأ الموضوع بصور لأكثم منذ زمن قريب مثل صورة زفافه من زوجته الإيطالية الراحلة وقد احتلت نصف صفحة ينظر فيها الشاب إلى المستقبل مستبشرًا، وترتسم الابتسامة على وجهيهما ولعلهما لم يكن يدور فى أسود نقطة فى أعماقهما أن تكون نهاية تلك الابتسامة للأبد أسفل أنقاض عمارة مصر الجديدة بعد سنوات.. كما ظهرت صورة أخرى لأكثم مع ابنته الصغيرة الراحلة سميرة، التى ماتت وهى تبكى طالبة منه شربة ماء، وصور أخرى لأكثم باكيًا وعليها تعليق نصه يقول «أكثم ودموع لم يقاومها عندما استفسر عن جثة ابنته وهل تم التعرف عليها».
امتلأ تحقيق «آخر ساعة» بالتفاصيل والحكايات التى جاءت على لسان أكثم الباكى أو غيره ممن شاركوا فى المعجزة، مثل العميد عبدالغفار منصور الرجل الشهم الذى كان كلمة السر فى إتمام المعجزة، حيث إنه لم يتردد لحظة فى المغامرة بحياته فى سبيل إخراج الأمل القومى للشعب المحبط من بين الركام، وألقى بنفسه داخل قبر أكثم فى مغامرة غير محسوبة العواقب، لمحاولة إخراج قدمه المنغرسة أسفل العمود الخرسانى المنقض، وهو السبب الذى يمنع جنود الدفاع المدنى من سحبه، وكان البديل الجاهز تخديره وقطع أسفل كف قدمه ثم سحبه.. لكن العميد منصور لم يستسلم لهذا الحل المضمون وانزلق بقدميه إلى الحفرة مع أكثم، وبدأ فى رفع الأنقاض من على قدمه وعندما انتهى منها احتضنه من الخلف وبدأ يزحف به ببطء حتى خرج إلى النور لتتعالى أصوات الملايين عبر الشاشات والآلاف المحيطين بالمكان وتهليل وتكبير غير مسبوق، ليخلق المشهد لحظة وجدانية عظيمة فى حياة الأمة كانت أشبه بعملية مخاض طويل لأمل وليد خرج من رحم بور.
جمال عبدالرحيم الصحفى الشاب فى «الجمهورية» وقتها انفرد هو الآخر بحوار مختلف مع أكثم أسرّ الرجل إليه بكثير مما جرى له، ونشر فى الجمهورية عدد ٢١ أكتوبر ١٩٩٢ بعنوان كبير «عائد من القبر.. أكثم يروى حكاية العودة للحياة»، وامتلأ التحقيق بلمحات إنسانية وحكايات لملمها عبدالرحيم من فم أكثم وأقاربه الذين كان يعج بهم مستشفى هليوبوليس، وأبرز ما قاله أكثم فى تحقيق «الجمهورية» أمنيته التى جاء نصها على لسانه كما كتبت حينها: «أمنيتى التبرع بجميع أموالى لبناء مسجد بعد هذه المعجزة الإلهية التى شاهدت خلالها الدنيا والآخرة معًا.. ويردد يا سلام لما تكون معاك فلوس وشركة ولا تعرف كيف تنقذ نفسك ويموت أحبابك بين يديك.. فعلًا الدنيا لا تسوى».
ظل أكثم حاضرًا فى التغطيات الصحفية والتليفزيونية بكثافة لأسابيع وشهور.. حتى عندما خفتت أخباره وحكاياته مع تعاقب السنوات ظل طيفه حاضرًا طوال الوقت فى أذهان الناس فى ارتباط شرطى نادر بينه وبين زلزال مصر المدمر فى ١٩٩٢.. لكن أكثم شخصيًا اختفى عن الأنظار تمامًا وكأنه أراد أن يطوى صفحة الماضى بكل آلامه أو كأنه هرب من أيامه حتى أشيع أنه مات وحيدًا بعد سنوات بعد أن فقد كل شىء.. وبدا أن هذا المصير منطقى ومريح للعقل.. لكنه لم يكن كذلك لجيل جديد من الصحفيين عاصر سيرة الزلزال طفلًا لنجد تحقيقًا استقصائيًا بالغ الدقة والكمال الصحفى يُنشر بعد مرور ٢٨ عامًا عن معجزة التسعينيات بعنوان «البحث عن أكثم».. التحقيق حاكه بمهارة الصحفى أحمد الشمسى على موقع مصراوى، رصد فيه رحلته التى استمرت ثلاث سنوات للبحث عن الرجل الذى كان ملء السمع والأبصار فى عام ٩٢.. وكان السؤال الذى اجتهد «الشمسى» فى الإجابة عنه «أين أكثم؟»، وهل ما زال على قيد الحياة أم واراه التراب مرة أخرى بعد أن هرب منه فى الماضى بأعجوبة؟.. تتبع الزميل بطريقة غاية فى الاحترافية خطوط القصة من أولها، وذهب إلى مكان العمارة المنكوبة ثم استعان بالأرشيف الصحفى ليصنع شجرة معارف وأقارب أكثم الذين ذكروا فى التغطيات الطازجة للحدث، واستمر التحقيق المنشور فى حلقات معززة بالمواد الفيلمية بالغة الدقة والترتيب حتى وصل إلى أكثم فعلًا فى الحلقة الأخيرة، ليهدينا لأول مرة صورة عن قرب للأمل الذى بعثه الله لأمة منهارة من تحت الأنقاض قبل ٢٨ عامًا، ولكن صورة أكثم الجديدة كسا فيها الشيب ذقنه بعد أن بلغ عمره منتصف الستينيات، ليكشف عن لغز اختفائه طوال تلك السنوات ويؤكد أن اختفاءه كان هروبًا من ماضٍ أليم ورغبة فى فتح صفحة جديدة مع الحياة التى بادلته نفس الرغبة ومنحته زوجة جديدة و٤ أبناء ليعوضوه عن ابنته سميرة التى ذهبت أمام عينيه تحت أنقاض عمارة الموت فى مصر الجديدة، ليكمل «الشمسى» بصورة أكثم الجديدة آخر حجر فى أسطورة التسعينيات «أكثم السيد إسماعيل».
قتلوا الشيماء.. فتاة «المقريزى» ألهبت السياط على ظهر الإرهاب
قتلوا الشيماء.. كان هذا هو عنوان غلاف مجلة المصور فى عدد ٣ ديسمبر ١٩٩٣ العدد التالى مباشرة بعد استشهاد تلميذة مدرسة المقريزى قبلها بأيام، إثر محاولة اغتيال فاشلة لرئيس وزراء التسعينيات عاطف صدقى.. وكان الغلاف عبارة عن الصورة الأشهر التى انطبعت على قلوب المصريين حينها قبل أن تنطبع على غلاف «المصور» من فرط تأثرهم من فداحة جرم الإرهاب فيها.
كانت ضحكة الشيماء المشرقة فى تلك الصورة تحديدًا، وقودًا أشعل فى القلوب الغضب العارم، واستغلتها وسائل الإعلام برمتها فى استجماع كل الغضب الشعبى للقضاء على تلك الجماعات المسيطرة على عقول بعض الناس باسم الدين.. فكانت صورة الشيماء وحكايتها بمثابة القشة التى استخدمتها السلطة والإعلام لقصم ظهر بعير الإرهاب الأسود.. الذى كان من الممكن أن يجد بين بسطاء العقل من يبرر له اغتياله فرج فودة قبلها بعام أو حتى اغتيال رفعت المحجوب مطلع التسعينيات.. لكن كل المبررات انتفت أمام ضحكة الشيماء الآسرة التى حوّلها الإرهابيون إلى سياط على رقابهم وأعطت قوات الأمن قوة دفع لمحاولة القضاء على هؤلاء المارقين الذين يعيثون فى الأرض الطيبة تفجيرًا وطعنًا، مثلما حدث بعد شهور فى حى العجوزة من محاولة اغتيال أهم أديب فى تاريخ مصر نجيب محفوظ.
إذن تحولت الشيماء من مجرد ضحية ضمن مئات الضحايا للإرهاب إلى أيقونة للقضاء عليه، ومانشيت رئيسى فى كل الجرائد والمجلات على حساب حتى الهدف الرئيسى للعملية وهو الدكتور عاطف صدقى مثلما جاءت تغطية مجلة المصور، هذا العدد الذى افتتحه مكرم محمد أحمد بمقال نارى بعنوان «ليس ذنب شيماء» بدأها بمقدمة عاطفية صادقة تعبر عن إحساسه هو المماثل لإحساس الشعب حينها، وكان نصها:
«ما ذنب شيماء وقد كانت داخل أسوار مدرستها صبية ذكية صبوحة الوجه ينتظرها كل يوم على باب مدرستها أب حنون يصحبها إلى البيت، لأن خراط البنات صنع فجأة من الطفلة الذكية عروسًا صغيرة يخشى عليها من نسمة الشارع».
واستمر مكرم محمد أحمد فى سرد ما حدث أمام مدرسة المقريزى من محاولة اغتيال رئيس وزراء مصر، وأنهى المقال الطويل بجمل خطابية طويلة تحفز رجال الأمن على أخذ خطوات أكثر قوة تجاه قتلة الشيماء، قائلًا: «نعلم جميعًا حجم الأعباء الضخمة التى يتحملها جهاز الأمن، ونعلم جميعًا حجم التضحيات الجسيمة التى يبذلها كل يوم كى يؤدى واجبه فى حماية أمن الوطن واستقراره، لكن الأمر ينبغى أن يتجاوز رد الفعل إلى الفعل كى يوجه ضربات إجهاض متواصلة تحرم هذه الجماعات من فرصة العمل».
باقى عدد «المصور» احتوى على تغطيات موسعة للحادث ولقاء عاطف صدقى والدموع فى عينيه مع الصحفيين.. وكان ختامها تغطية شاملة للحصة الأولى فى مدسة المقريزى بعد استشهاد الشيماء فى تحقيق بالغ الإنسانية أجرته الصحفية الشابة حينها إيمان رسلان، وكان عنوانه بالغ الدلالة أيضًا «درس لم يتعلمه القلة من مدرسة المقريزى».. رصدت إيمان مشاهد إنسانية تُبكى الحجر فى طابور الصباح لزميلات الشيماء اللاتى أصابهن الذهول التام، أظهرته صورهن التى رصدتها عدسة إبراهيم بشير وفاروق الخادم، كما رصدت الجنازة الشعبية الحاشدة للشيماء.. وتبع هذا التحقيق تحقيق آخر لحلمى النمنم محرر «المصور» من داخل بيت الشيماء بعنوان «تورتة عيد الميلاد تنتظر صاحبتها التى غابت»، وترك فيه النمنم والدى الشيماء المكلومين ليخرجا كل ما بداخلهما من انفعالات رصدتها عدسة على أبوزيد مع صور نادرة أمدته بها الأسرة للشيماء وهى تلهو على البلاج فى الصيف السابق على وفاتها وصور مع شقيقيها أحمد وإيمان.
الشيماء لم تكن مانشيت رئيسيًا فقط على غلاف «المصور» هذا العدد، بل اعتلت صورها كل الصفحات الأولى على حساب أى شىء.. وخصصت «الأهرام» مثلًا الصفحة الثالثة بالكامل فى عدد ٢٩ نوفمبر ١٩٩٣ لتغطية طابور مدرسة المقريزى أيضًا، وأبرزت حضور وزير التعليم حسين كامل بهاء الدين، ووزير الصحة على عبدالفتاح فى تحقيق أجرته الصحفية أمل سعد.
ظل طيف الشيماء شهيدة الإرهاب يداعب خيال أجيال جديدة من الصحفيين بعد مرور سنوات طويلة على الحادث مثلما حدث فى ٢٠١٥، حيث انقضى ٢١ عامًا على استشهادها.. قام الصحفيان أحمد الليثى ودعاء الفولى بإجراء تحقيق جميل يتتبع ما بقى من آثار الشيماء فى مدرستها، وقابلا كل من عاصر تلك المحنة العظيمة التى عاشها أساتذة وطلاب المدرسة التى حملت اسمها بعد ذلك قبل أن تتحول لاسم شهيد آخر للإرهاب وهو اللواء محمد هانى مصطفى.
والمفارقة أن الزميلين وجدا نفس صورة الشيماء الباسمة التى أخذتها «المصور» غلافًا ما زالت معلقة فى برواز قديم أعلى رفوف المكتبة.