خيمة القذافى
خيمة دخلت التاريخ السياسى والتآمرى، لما شهدته من مناورات ومؤامرات ولحظات فارقة.
خلافًا لعادات الملوكِ والرؤساء العَرَبِ، وشيوخ وأمراء دول الخليج الذين يعتبرون القُصور جزءًا لا يتجزأ من عاداتِهم فى أثناء استقبال رؤساء الدول والحكومات، فإن القذافى فضل أن يستقبل ضيوفه فى خيمة جهزها مما يتم تجهيز القصور. يكره الزعيم القذافى حياةَ البَذَخِ والترفِ.
خيمة القذافى البدوية على النظام الحديث، بمعنى أنها تحملُ مواصفاتِ الخيمةِ المعروفةِ لدى البدو الرُحَلِ الذين يَتتبعون مناطق الرَعى. ولكنّها تحتوى على مواصفات حديثة وتكنولوجيا اتصالات وأجهزةِ تكييف. ولكنّها بالطبعِ خالية مِن الأسِرةِ، ومجهزة للجلوسِ على الأرضِ، على الطريقة العربية المعروفة بالجلوس على المقعدة ومد الساقين للأمام، أو ثنيهما. ولها أعمدة معدَنية تحملها وتدعمها.
كما أنها مصنوعة من القماش الملون بألوان مبهجة قاتمة، تعطى إحساسًا بالرصانة.. خيمة القذافى مِن نوعية نادرة من القماش المصنوع خصاصًا لا يملكها إلا معمر القذافي، إذ تتميز بقدرتها على مقاومة المياه، وبتصميم مميز وفريدٍ للغاية، حيث تتزين مِن الداخل بزخرفة هندَسية رائعة وإبداعات من النقوش الجميلة، وترتكز على أعمدةٍ صلبة.
كان القذافى يحرص على استقبال كبار زواره وضيوفه فى ليبيا داخل تلك الخيمة، وكان يحرص على أن ترافق فى رحلاته لكل الدول الأوروبية والأسيوية والإفريقية التى زارها. وكان يحرص على نصبها فى أهم الميادين فى العاصمة، فى الدول التى يسافر إليها فى زيارات رسمية، فى إيطاليا وفرنسا وروسيا.
فى 2009، تَحدث ترامب الرئيس الأمريكى السابق، فى وقت سابق عَن واقعة غريبة عندما كان القذافى يبحث باستماتة عن مكان لينصب فيه خيمتَه البدوية خلال زِيارته إلى نيويورك لحضور اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتّحدة. وبعد محاولات وفشل فى الحصول على مكانٍ فى متنزه سنترال بارك فى مانهاتن، فى الجانبِ الشرقى العلوى وفى إنجليوود بنيوجيرسى، تحولت الحُكومةُ الليبيةُ إلى مزرعة سفن سبرينجس البالغ مساحتها 213 فدانًا فى ضاحية بدفورد فى نيويورك والتى يملكها ترامب، وحسبما ذكرَ فإنه ربح ثروة طائلة مِن ورائِها. ولم يقم القذافى فى الخيمةِ، لكنه مع ذلك كان مشهدًا لافتًا. فالصحفيون تدفقوا على البلدة لمتابعة أطقم الإنشاء وهم ينصبون الخيمة ذات القمةِ البيضاء والتى زينت برسوم منسوجة للجِمال والنخيلِ وزوِدت بأرائك جلدية وطاولات القهوة. وفى إحدى الَمراحل، جرى تفكيك الخيمة بعدما هددت بلدية بلدة بدفورد بمقاضاة ترامب شخصيًا، ثم أعيد نصبها بعد ذلك من جديد، مما أثار الاستياء فى البلدةِ.
قرارات مصيرية خرجت مِن تلك الخيمة، وحماقات أيضًا، واستقبلت فنانات عربيات وأجانب على درجة عالية من الجمال، وشخصيات نسائية، لم تتورعن فيما بعد عن كشف ما دار بينهن وبين الزعيم من حوارات ومداعبات. وقِيل إن القذافى كان يهرب إلى الصحراء مع خيمتِه، وعندما كان يعرض عليه توقيع الأوراق يرفض، وكانَ يصرّ أن تكون الأوامرُ بالهاتفِ أو شفوية، سواء كانتْ لإنفاق الملايين أو للقتلِ.
تسريبات خيمة القذافى كشفت أن عناصر الإسلام السياسى مستعدون للَّعب على كل الخيوط، للاستفادة من كل الظروف، كان القذافى سخيًا معهم، ويلعبون على كل الخيوط الرابحة سواء المجتمع أو القبيلة أو المال، وكل ما يمكنهم من إسقاط الدول والاستيلاء على السلطة، مع أنهم كانوا يكفرون القذافى فيما بينهم، ولكنهم وصلوا إلى خيمته وتملقوه، طمعًا فى فتات الأموال، عبر التآمر على أوطانهم وخدمة لمشروعهم الكبير، وعادوا بعد ذلك لتكفيره والإفتاء بقتله واغتياله، كما كانت الفتوى الشهيرة ليوسف القرضاوى.
التسجيلات التى خرجت من خيمة القذافى كانت بمثابة سر الأسرار أو الصندوق الأسود، الذى تم الوصول إليه بعد سقوط النظام الليبى السابق وسقوطه، وحتمًا هناك المزيد منها سواء مع نفس الشخصيات أو مع غيرهم ممن حاول القذافى أن يتعاون معهم ويستخدمهم لمشروعه الانقلابى الفوضوى. ولكن التنسيق الأكبر كما هو واضح كان بين القذافى والقطريين فى قطر، وباعتراف حمد بن جاسم رئيس وزراء وأمير قطر، نفسه فى إحدى المقابلات التليفزيونية مع تليفزيون قطر، والتى أكد فيها على صحة التسجيلات، واعترف بانقلابه على معمر القذافى نفسه، وهى المسألة التى جعلته يقول فى خطابه الأخير الشهير بالحرف الواحد موجهًا كلامه للنظام الحاكم فى قطر بألم وحسرة: «بارك الله فيكم يا إخوتنا فى قطر... هذه آخرتها؟ هذه هى المى والملح اللى بيننا وبينكم؟ هذه هى الدم والأخوة اللى بيننا وبينكم؟ تثوروا فى كل شىء علينا؟ بدل ما تكونوا معنا تكونوا ضدنا؟ لمصلحة من؟ بالله لمصلحة من؟ قد تندمون يوم لا ينفع الندم. اللى بيته من زجاج لا يرمى الناس بالحجارة...».
تسريبات خيمة القذافى ستحمل المزيد من المفاجآت ستخرج للعلن لتفضح وتكشف المستور. عدد غير بسيط من رموز السياسة العربية والحراك السياسى فى الفترة السابقة، كانوا من رواد خيمة القذافى ومحاوريه وصحفييه، ومن ساهموا فى تحسين صورة نظامه وقتها، ومن المؤكد أن حالات القلق النفسى قد أصابتهم خوفًا من أن تشملهم التسريبات القادمة.
خيمة القذافى حلقاتها أكثر إثارة من برامج التليفزيون التافهة، التى تكشف علاقته بالفنانات والجميلات، ولكن المثير فى الأمر أنها تعرى المستوى اللا أخلاقى الذى كانت تدار به الأمور فى خيمة القذافى والأنظمة التآمرية العربية، وكيف أن الدين والمال والإعلام كلها تم استخدامها للوصول إلى الهدف السياسى المنشود، ولا مكان فى هذا الطريق لمراعاة أى أصول دينية ولا قيم أخوية.