مائة شخصية قبطية
صدر مؤخرًا أحد أهم الكتب فى مجاله، وهو كتاب «مائة شخصية قبطية على أرض مصر» والمؤلف هو الأستاذ ماجد كامل، أحد أهم المتخصصين فى اللغة القبطية والتاريخ القبطى. ومن دواعى الأهمية أن يكتب قداسة البابا تواضروس الثانى مقدمة رصينة لهذا الكتاب المهم.
وتأتى أهمية الكتاب أنه استكمال لتراث طويل من الكتابات حول سير الشخصيات القبطية المهمة التى لعبت دورًا مهمًا ليس فقط فى تاريخ الكنيسة القبطية، الكنيسة الأم، كنيسة الوطن، ولكن أيضًا فى تاريخ مصر العام. وبالقطع لن نستطيع أن نُحصى تراث هذه الكتابات سواء منذ نشأة الكنيسة القبطية، أو حتى منذ تعريب الأقباط ونشأة الأدب العربى المسيحى، لكننا سنكتفى بالإشارة إلى أهم هذه الكتابات منذ القرن الماضى.
يأتى فى مقدمة هذا التراث الكتاب المهم لتوفيق إسكاريوس «نوابغ الأقباط فى القرن التاسع عشر» الذى صدر فى جزءين فى عامى ١٩١٠ و١٩١٣. وكذلك كتاب رمزى تادرس «الأقباط فى القرن العشرين» الذى صدر فى خمسة أجزاء، واستمر صدور هذه الأجزاء بين عامى ١٩١٠ و١٩٢٧.
من هنا تأتى أهمية كتاب ماجد كامل الذى يعد استكمالًا لما أشرنا إليه من كتابات وغيرها فى هذا الشأن. ويطرح البعض تساؤلًا: لماذا نكتب عن «الشخصيات القبطية»؟ ولماذا يتم تخصيص الصفة القبطية؟ أليس هذا انتقاصًا من القومية المصرية، والشخصية المصرية؟ أليس الكل فى واحد، والواحد هنا هو الوطن؟
يطرح البعض هذه التساؤلات وينسى هؤلاء أن كلمة «قبطى» تعنى أصلًا «مصرى»، وأن العالم كله يعرف أن «الكنيسة القبطية» تعنى «الكنيسة المصرية»، وبالتالى لا غضاضة فى استخدام كلمة قبطى، وشخصية قبطية. وينسى أصحاب الرأى السابق أن التنوع هو من أسباب ثراء المجتمعات، وبالتالى الحديث عن الأقباط ودورهم هو جزء من تنوع ثراء المجتمع المصرى، وتأكيد للهوية والمواطنة المصرية.
من هنا يتناول ماجد كامل المائة شخصية قبطية فى إطار إسهامها على «أرض مصر» كما يتضح ذلك من العنوان. ويحرص المؤلف فى معالجته لسير هذه الشخصيات على تناولها فى إطار تفاعلها مع متغيرات التاريخ المصرى. ويتميز الكتاب بإبراز دور المرأة القبطية وإسهامها فى حركة المجتمع المصرى، كما يتضح من تناوله سيرة حياة إستر فهمى ويصا «١٨٩٥- ١٩٩٠» ودورها فى ثورة ١٩١٩، وخروج المرأة فى المظاهرات والحركة الوطنية. كما يشير إلى دورها المهم كواحدة من رائدات الحركة النسائية المصرية.
كما يكتب ماجد كامل عن سيرة حياة الدكتورة أنجيل بطرس سمعان «١٩٢٣- ٢٠١١»، أستاذة الأدب الإنجليزى فى جامعة القاهرة، التى لم تكتفِ بدورها الجامعى الرائد، وإنما شاركت فى العمل العام كعضوة فى مجلس الشورى، وأيضًا فى خدمة معهد الدراسات القبطية.
كما يبرز المؤلف شخصية إيريس حبيب المصرى «١٩١٠- ١٩٩٤»، ابنة السياسى ورجل المجتمع البارز حبيب المصرى، ويبرز دورها كمؤرخة من خلال موسوعتها الشهيرة «قصة الكنيسة القبطية».
ويُلقى ماجد كامل أضواءً مهمة على شخصيات لعبت أدوارًا مهمة، لكن ربما لا يعرفها أغلبنا مثل إيزاك فانوس «١٩١٩- ٢٠٠٧»، رائد إحياء الفن القبطى المعاصر. وأيضًا أنيس عبيد «١٩٠٩- ١٩٨٨» ودوره المهم فى ريادة الترجمة السينمائية للأفلام الأجنبية فى مصر. كما يشير إلى أحد أهم مؤسسى الصحافة القبطية أنطون سيدهم «١٩١٥- ١٩٩٥» ودوره فى تأسيس أحد أشهر الجرائد القبطية، جريدة «وطنى»، التى لا تزال تصدر حتى الآن. كما يكتب عن أحد أهم علماء مصر فى القرن العشرين الدكتور رشدى سعيد «١٩٢٠- ٢٠١٣» عالم الجيولوجيا المشهور، والعاشق لمصر ونهرها نهر النيل.
إننا أمام عمل يستحق الاحتفاء والقراءة.