فى أزمة الكهرباء.. هل الدولة حاضرة؟
كنت وما زلت من المؤمنين بدور الدولة كعامل رئيسي وفاعل مع كل القضايا التي تمس المواطن، حتى لو كانت حياة المواطن الخاصة، وأنا من المؤمنين بأن 80% من حل أى مشكلة في يد الحكومة، من مشاكل الفقر والمرض، لمشاكل الجهل والأمية، من تأخر سن الزواج والزواج المبكر، لزيادة عدد المواليد والوفيات أيضًا.
كلها مشاكل حلها عند الدولة بكل مكوناتها (وزرائها ومؤسساتها)، فالدولة هي القادرة على وضع الخطط والسياسات والبرامج والخطوات التنفيذية والعملية لحل أي مشكلة، الدولة وحدها تملك أدوات الردع والإصلاح والعقاب والثواب.
وفى أزمة انقطاع الكهرباء التي نعاني منها منذ عام تقريبًا واشتدت حدتها خلال الأسابيع الماضية، علينا البحث أولًا عن دور الحكومة فيها، سلبًا وإيجابًا، لنعرف ماذا فعلت من أجل حل الأزمة، فيمَ قصرت وفيمَ أصابت، وهل تقصيرها كان سببًا في الأزمة أم هي عوامل خارجية وخارجة عن إرادة الدولة؟.
بالرجوع لأعوام ما قبل 2014 والبحث في أسباب أزمة الكهرباء الحادة وقتها خاصة خلال عام حكم الإخوان - الأسود - سنكتشف أنه خلال عام 2012 تبدل شعار ثورة يناير من عيش - حرية - عدالة اجتماعية إلى ''عيش، بترول، مياه، كهرباء'' كإسقاط لتعدد الأزمات وشمولها معظم نواحي الحياة.
وظهر خلال العام نفسه مصطلح لأول مرة "تخفيف الأحمال"، وامتدت معاناة المواطنين لتشمل اختفاء المواد البترولية - السولار والبنزين - بينما كان يمتد انقطاع التيار الكهربائي لفترات طويلة تصل لنصف اليوم كاملًا، وظهر وقتها مصطلح "هشام قطونيل" وهى العبارة التي أطلقها الشعب على رئيس حكومة الإخوان الدكتور هشام قنديل بعدما عجزت حكومته عن إيجاد حلول للأزمة، وكان الحل الأسهل الذي نصح به الأسر المصرية هى ارتداء الملابس القطنية والجلوس في غرفة واحدة مكيفة.
وهنا يظهر الفارق الكبير بين التعامل مع الأزمة في عام 2012 وما سبقه، وبين طريقة التعامل مع نفس الأزمة فيما بعد عام 2014، فقد بلغت استثمارات الدولة في مجال إنتاج الكهرباء منذ عام 2014 نحو 355 مليارًا تتضمن ما تم إنشاؤه وتدشينه من محطات توليد طاقات جديدة ومتجددة وتقليدية بمختلف المناطق على مستوى الجمهورية، وهو سبب أن مدة انقطاع الكهرباء لم تصل إلى ربع مدة انقطاعها في السابق رغم زيادة عدد المشتركين في خدمات الكهرباء بنسب تصل إلى 35%، ويرجع ذلك للطفرة الكبيرة التي تحققت في قطاع الكهرباء وتؤكدها الأرقام، وهى أرقام كبيرة ومعقدة ومليارات أُنفقت على قطاع الطاقة عمومًا، فهو أول قطاع انتبه له الرئيس عبدالفتاح السيسي بعد توليه المسئولية مباشرة، فقد تم افتتاح محطات سيمنز الثلاث - العاصمة الإدارية الجديدة - البرلس - بني سويف في عام 2018، لتعمل بنظام الدورة المركبة، بقيمة تعاقدية بلغت نحو 6 مليارات يورو، وتوفر المحطات الثلاث الطاقة اللازمة لنحو 45 مليون مواطن وعندنا أيضًا محطة خلايا فوتوفلطية بمنطقة كوم أمبو بأسوان، وبدأ التشغيل التجاري لها في فبراير 2020، ليساهم المشروع في توفير كميات كبيرة من الوقود واستغلاله في استخدامات أكثر جدوى، نتيجة توليد الكهرباء دون الاعتماد على الوقود، بطاقة 26 ميجاوات، من خلال تحول الطاقة الحرارية الناتجة من الشمس إلى طاقة كهربائية، يتم تجميعها في مجموعة من الكابلات لتوصيلها إلى مناطق الاستهلاك أو الأجهزة.
وأنجزت أيضًا محطة الكريمات الشمسية وهي واحدة 3 من مشروعات نُفِّذت في القارّة الإفريقية، بكلّ من مصر والمغرب والجزائر. وتبلغ القدرة الإجمالية للمحطة 140 ميجا وات منهم 20 ميجا وات من الطاقة الشمسية، ووحدة بخارية بقدرة 40 ميجاوات ووحدة غازية بقدرة 80 ميجاوات، وبين عامي 2014 -2022، أضيفت قدرات توليد من الطاقات المتجددة (الرياح والطاقة الشمسية والمائية) عددها 9 مشروعات بقدرات تقدر بـ2616 ميجاوات؛ منها 1491 ميجاوات من الطاقة الشمسية و1093 ميجاوات من طاقة الرياح و32 ميجاوات من الطاقة المائية.
ما سبق لا يعني إلا شيئًا واحدًا، هو أن الدولة حاضرة ولم تتخاذل ولم تتكل على مبررات هي مبررات حقيقية من تعطل مفاجئ في إنتاج حقل ظهر أو من ارتفاع درجات الحرارة بمعدلات غير مسبوقة وارتفاع في الاستهلاك،
وهنا نلحظ أن الدولة لم تتجاهل رد فعل المواطنين الغاضب تجاه الأزمة، بل تحركت الدولة بمجملها بداية من الرئيس الذي وجه بضرورة احتوائها سريعًا وإيجاد الحلول العاجلة لها، وتحرك البرلمان وناقش عشرات طلبات الإحاطة التي وجهت اللوم للحكومة، وتحركت الحكومة فى تقليد محترم بمصارحة الشعب بالأزمة وشرح أسبابها وتعهدها بالقضاء عليها وحددت مواعيد ملزمة لها أمام الرأى العام والبرلمان وأمام الرئيس، لنعود ونؤكد أن الدولة حاضرة حتى لو طالت الأزمة.