عمليات مركزة.. خطة جيش الاحتلال لإنهاء الحرب البرية فى غزة وإعلان الانتصار
يستعد جيش الاحتلال الإسرائيلى لبدء مرحلة جديدة من الحرب فى قطاع غزة، بعد الانتهاء من العملية الحالية فى رفح، حيث سينتقل من المناورات البرية إلى عمليات استهداف مركزة، حيث تجرى الاستعدادات للإعلان عن «هزيمة» الجناح العسكرى لحركة «حماس»، وذلك على الرغم من أن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو لا يبدى موافقة صريحة على المرحلة الثالثة من الحرب.
ووسّع جيش الاحتلال عمليته فى رفح، فى محاولة للسيطرة على كامل المدينة، بعد أكثر من ٦ أسابيع على بدء هجوم فى المدينة الحدودية، التى تعد اليوم آخر معاقل حركة «حماس»، حيث يعمل على إنهاء المهمة هناك بأسرع وقت، ومن ثم الإعلان عن انتهاء الحرب، بهدف التركيز على الحرب المتصاعدة فى الشمال.
وجاء إعلان جيش الاحتلال، السبت، عن تنفيذه عمليتين استهدفت الأولى مربعًا سكنيًا فى «مخيم الشاطئ» غرب غزة، والثانية «حى التفاح»، وأن أحد الأهداف هو محاولة اغتيال رائد سعد رئيس العمليات و«الرجل رقم ٤» فى حركة حماس، بمثابة الكشف عن التحرك الفعلى لخطوات مركزية.
ولم يتم الكشف عن مصير «رائد سعد» حتى الآن، سواء من جانب جيش الاحتلال أو حركة حماس، بينما أسفر القصف عن استشهاد أكثر من ٤٢ فلسطينيًا وإصابة العشرات من المدنيين.
وتعد خطوة تركيز الهجمات الإسرائيلية ضد أهداف محددة هى بداية خفض وتيرة العمليات العسكرية داخل غزة، حيث تشير التقديرات الإسرائيلية إلى أن الأيام المقبلة سوف تشهد إعلان هزيمة حماس داخل غزة، بعد تفكيك قدرات آخر ألوية حماس فى مدينة رفح.
وتحدثت هيئة البث الإسرائيلية «كان» عن الأمر ذاته، حيث قالت إن الجيش يستعد لإعلان هزيمة حماس فى غزة، وهو الأمر الذى سيتبعه بالتأكيد وقف العمليات العسكرية هناك.
الأمر ذاته أكده، قبل نحو ٣ أيام، عاموس هارئيل، المحلل العسكرى بصحيفة «هآرتس» الإسرائيلية، قائلًا إن الجيش الإسرائيلى بدأ اتخاذ خطوات لتغيير شكل الحرب الحالية داخل غزة تمهيدًا لإنهاء القتال هناك، وهو الأمر الذى يتيح الفرصة مرة أخرى لحلحلة المفاوضات حول وقف إطلاق النار وتنفيذ صفقة تبادل أسرى ومحتجزين.
فى ذات السياق، كشفت مصادر ميدانية وسكان فى رفح الفلسطينية، لصحيفة «الشرق الأوسط» اللندنية، أن جيش الاحتلال فرض بالفعل سيطرته على وسط المدينة ويتعمق حاليًا غربًا وشمالًا، وأن توسيع إسرائيل عملياتها أدى إلى اندلاع اشتباكات عنيفة وسط هجمات متبادلة، وموجة أخرى من النزوح.
ويدل اتخاذ الجيش الإسرائيلى مثل تلك الخطوات، من جانبه فقط، على مدى الخلاف، أو بالأحرى «الانقسام» فى الرؤى بين المستوى العسكرى، تحديدًا رئاسة أركان الجيش الإسرائيلى، والمستوى السياسى، متمثلًا فى بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلى، وحكومته.
على الجانب العسكرى، يرى الجيش الإسرائيلى أهمية الاستعداد لاحتمال اندلاع حرب على الحدود الشمالية مع حزب الله اللبنانى، وهو ما يحتم ضرورة ترك مساحة لإنعاش القوات التى استنزفت فى حرب غزة.
وكذلك، فإن الجيش الإسرائيلى يضع فى اعتباره أن احتمال اندلاع حرب متعددة الجبهات فى لبنان، بالتزامن مع استمرار حرب غزة، لا يزال قائمًا، وهو ما يسعى لتجنبه، لاسيما أن حرب غزة مستمرة لأكثر من ٨ أشهر.
وقال مسئول كبير فى القيادة الجنوبية الإسرائيلية إن تحديد مواقع الأنفاق ورسم خرائطها وتدميرها يتم تنفيذه بحساسية، حسبما نشر موقع «والا» الإسرائيلى.
فى السياق ذاته، تقول تقديرات فى إسرائيل إن «الدخول فى حرب فى لبنان هو على الأرجح دخول فى حرب مع إيران، وحال حدوث ذلك سيكون فى أسوأ وقت بالنسبة لإسرائيل».
من جانبه، دعم يسرائيل زيف، الرئيس السابق لقسم العمليات فى الجيش الإسرائيلى، تلك التقديرات، قائلًا: «بعد تسعة أشهر من الحرب، فإن الدخول فى حرب مع لبنان سيجر الجبهة الداخلية الإسرائيلية بأكملها».
وحول استمرار الحرب فى غزة دون أهداف واضحة على المستوى السياسى، أضاف: «البقاء فى رفح؟ ما يعنيه فى الواقع هو احتلال قطاع غزة.. لا توجد خطة، ولا توجد إدارة للحرب فى غزة».
وتابع: «إنها مسئولية المحتل فى نظر الأمم المتحدة ومن وجهة نظر دولية، أن إسرائيل احتلت القطاع.. وسنرى أن إسرائيل تمثل قضائيًا قريبًا فى لاهاى ومجلس الأمن التابع للأمم المتحدة.. والأمريكيون يبذلون جهودًا لوقف ذلك، لكن نتنياهو تمكن بطريقة ما من تدمير الدعم الأمريكى».
فى الوقت نفسه، أصدر حزب الله شريط فيديو عن الحرب النفسية، فى أعقاب خطاب التهديد الذى ألقاه حسن نصر الله الأسبوع الماضى، والذى هدد فيه قبرص أيضًا.
وقال نصر الله: «إذا فرضت الحرب على لبنان فإن المقاومة ستقاتل بلا حدود وبلا قواعد وبلا تحفظات»، بما فى ذلك فى البحر.
وأظهر الفيديو تهديدات واضحة بصور الأقمار الصناعية، لخليج حيفا، ومصانع البتروكيماويات ومصافى التكرير، بالإضافة إلى ميناء أشدود والمفاعل النووى الإسرائيلى فى ديمونة.
وكذلك، يسعى يوآف جالانت، وزير الجيش الإسرائيلى، إلى إنقاذ العلاقات مع أمريكا، حيث توجه أمس الأحد، فى زيارة دبلوماسية إلى هناك، حيث سيعقد سلسلة من اللقاءات لبحث عدة ملفات أبرزها صفقة تبادل المحتجزين والأسرى، واليوم التالى لغزة بعد الحرب، ومسار التصعيد فى الشمال، وأزمة تخفيض توريد السلاح من أمريكا لإسرائيل.
وكذلك، سيجتمع جالانت مع وزير الدفاع الأمريكى لويد أوستن، ورئيس وكالة المخابرات المركزية وليام بيرنز، ومستشار الأمن القومى جيك سوليفان، ومستشارى بايدن بريت ماكجورك وآموس هوشستين.
وقال جالانت: «هذه الاجتماعات لها أهمية حاسمة بالنسبة لمستقبل الحرب.. ونحن مستعدون لأى إجراء قد يكون مطلوبًا فى لبنان أيضًا».
أما الجانب السياسى، تحديدًا نتنياهو، فيرفض بشكل كامل مثل هذه الخطة، ويرى أنه من الممكن الذهاب إلى حرب متعددة الجبهات.
ويتبع نتنياهو استراتيجية «الحرب الممتدة» أملًا منه فى إنقاذ مساره السياسى فى رئاسة الحكومة الإسرائيلية، وسط ترجيحات بانتخاب دونالد ترامب رئيسًا للولايات المتحدة مرة أخرى، خلال الانتحابات التى ستجرى بعد نحو ٥ أشهر، وهو ما يعول عليه «بنيامين» فى الحصول على أكبر دعم ممكن لحكمه من إدارة «صديقه ترامب»، عكس الخلافات والانشقاقات الواقعة مع إدارة الرئيس الأمريكى الحالى جو بايدن.
ورغم رؤية الجيش الإسرائيلى، والخلاف مع نتنياهو، إلا أن إسرائيل لا تمتلك أى أفق- حتى الآن- حول تنفيذ سيناريو بعينه لـ«اليوم التالى» فى غزة بعد انتهاء الحرب.
ومن ثم، فإن التقديرات الإسرائيلية تحدثت عن أن هناك اتجاهًا داخل الجيش بأن يتم عرض ما تم إنجازه خلال حرب غزة بشكل علنى على الجمهور الإسرائيلى، وأن ما تم التوصل إليه من إنجازات «تكتيكية» يمكن البناء عليها بوقف الحرب.
وتمثل تلك الخطوة- حال اتخذها الجيش الإسرائيلى- ضغطًا علنيًا على نتنياهو من أجل دفعه إلى تغيير موقفه والاتجاه إلى وقف الحرب فى غزة، بينما يماطل «بنيامين» بدفاعه الدائم عن رؤيته لإدارة غزة بعد الحرب.
وقال نتنياهو، خلال ترويجه تلك الرؤية، إنه يرى فى «اليوم التالى» فى غزة بعد الحرب ضرورة تحقيق نزع سلاح مستدام هناك، وتشكيل حكم مدنى مستدام بمساعدة دول عربية.
وشملت تلك الرؤية أيضًا ضرورة بدء عملية وصفها بـ«مكافحة التطرف» داخل غزة، ومعها تبدأ عملية إعادة الإعمار التى يجب أن يتولاها المجتمع الدولى.
وجاء ترويج نتنياهو لذلك بعد ساعات من تصريح المتحدث باسم الجيش الإسرائيلى، والذى قال إن «حماس» ليست مجرد حركة داخل غزة، لكنها تمثل فكرة متكاملة، وإن فكرة القضاء عليها ككل ما هو إلا «ذر للرماد فى العيون».