المواجهة المحتملة.. هل تندلع الحرب بين إسرائيل و«حزب الله»؟
تتواصل أعمال التصعيد والقصف المتبادل بين حزب الله اللبنانى وجيش الاحتلال الإسرائيلى، وسط مخاوف جدية من اشتعال حرب واسعة بين الجانبين لن تهدد لبنان فقط، ولكن منطقة الشرق الأوسط برمتها.
وتبادل الطرفان، التصعيد وعمليات الاغتيال، فقد نفذ حزب الله عملية استهدف فيها مبنى يستخدمه جنود جيش الاحتلال فى مستعمرة المنارة بالأسلحة، وأصابوه إصابة مباشرة، فيما شن جيش الاحتلال سلسلة غارات جوية على راميا وخلة وردة فى عيتا الشعب ويارون.
وحسب وسائل الإعلام اللبنانية، طالت غارة إسرائيلية سيارة رباعية الدفع عند مفترق بلدة الخيارة فى البقاع الغربى، واستهدفت قياديًا فى «الجماعة الإسلامية»، فيما قتل وأصيب مواطنون لبنانيون جراء العملية.
وأمام التصعيد المتبادل وإعلان بعض الدول تحذير مواطنيها من السفر للبنان، نفى وزير الإعلام فى حكومة تصريف الأعمال اللبنانية، زياد المكارى، سحب دول أوروبية وغربية سفراءها من لبنان، من بينها ألمانيا والنمسا وبلجيكا وهولندا وفرنسا وبريطانيا وإيطاليا وإسبانيا.
وقال «المكارى»، فى بيان، إن هذا النمط من الأخبار الكاذبة يندرج فى إطار الحرب النفسية، التى غالبًا ما يلجأ إليها العدو الإسرائيلى ويغذيها بمختلف الوسائل، مهيبًا بتوخى الحذر، واعتماد المهنية فى التحقق من مصادر الأخبار قبل نقلها، انطلاقًا من المسئولية الوطنية أولًا.
فى هذا الإطار، أشار المحلل السياسى اللبنانى، على يحيى، إلى تزايد التهديدات الإسرائيلية، وتطبيق عقيدة «ادعاء الجنون»، مرفقة برسائل دبلوماسية بشأن دنو لحظة الصفر، وبدء العد العكسى لفتح الجبهة اللبنانية، بالتوازى مع إعلان الاقتراب من انتهاء عمليات رفح، للانتقال نحو المرحلة الثالثة، أى عمليات موضعية يمكن أن تسمح بنقل قوات نحو الشمال.
وأوضح «يحيى»، لـ«الدستور» أن هذا الأمر يأتى فى سياق الحرب النفسية لتحقيق مكاسب ميدانية سياسية دون أى انعكاس ميدانى لها، بدليل عدم وجود تحركات عسكرية إسرائيلية جديدة فى شمال فلسطين توحى باستعدادات قتالية، على الأقل حتى الآن.
وأضاف: «أرسل حزب الله رسائل مهمة، بتنفيذه أكبر هجوم من نوعه، بالكشف عن فيديو الدقائق الـ٩، فوق حيفا، والذى أراد منه توجيه رسالة للمجتمع الإسرائيلى، المؤيد بنسبة ٦٥٪ الحرب مع لبنان، كما وجه الأمين العام لحزب الله رسائل استراتيجية وإقليمية، مؤكدًا الاستعداد المتعدد المستويات لأسوأ الاحتمالات».
وتابع: «إننا أمام لحظة عد عكسى، منذ إعلان فشل الزيارة الأخيرة للمبعوث الأمريكى إلى المنطقة، فإما أن نكون أمام عملية عسكرية إسرائيلية موضعية ضد لبنان، لا شاملة، لا يمكن التحكم بمآلاتها وغير مضمونة النتائج، أو نحو تبلور اتفاق إقليمى يضطر فيه نتنياهو للرضوخ إلى التهدئة». من جهته، أكد خالد المعلم، أمين الإعلام فى حزب الاتحاد اللبنانى، أن التوترات تصاعدت فى جنوب لبنان وشمال فلسطين المحتلة بشكل متزايد، مما يجعل المنطقة أشبه بـ«برميل بارود» قابل للانفجار فى أى لحظة بعيدًا عن الحرب المحدودة والمضبوطة ضمن حدود معينة.
وأضاف «المعلم»، لـ«الدستور»، أن العدو الصهيونى يعمد إلى تسريبات متكررة بنيته الهجوم على لبنان، وأنه يقترب من الهجوم بعد الانتهاء من عملياته فى غزة، وهى تسريبات تأتى فى إطار الحرب النفسية التى يمارسها الطرفان.
وأشار «المعلم» إلى أن العمليات العسكرية اتسعت رقعتها بشكل لافت، حيث تصاعدت هجمات المقاومة ضد العدو الصهيونى إلى مستويات غير مسبوقة، واستخدمت المسيرات الهجومية فى المواجهات، كما وسعت عملياتها داخل المناطق المحتلة وتصديها بالدفاعات الصاروخية لمقاتلات الاحتلال.
وتابع: «إن تل أبيب هددت بشن عملية عسكرية فى الشمال، إلا أن المقاومة لم تعلن حتى الآن حالة الطوارئ، ولم ترسل قوات النخبة إلى مناطق التصعيد، لكن حتى وإن اندلعت الحرب، فإن المقاومة تملك قدرات عسكرية واستخباراتية تجعلها قادرة على تحديد الأهداف وإدارة الأمور بحرفية، وتوجيه ضربات مؤلمة للعدو فى قطاعاته المقاتلة على الأرض وفى الثكنات العسكرية داخل حدود فلسطين المحتلة».
وأشار «المعلم»، إلى أن الحرب، فى حال اندلاعها، ستكون صعبة على لبنان فى ظل الظروف الاقتصادية التى يعانى منها، ولكنه أكد أيضًا أن الحرب ستكون كارثية على مستوطنى شمال فلسطين المحتلة، بل إن هذه الكارثة ستمتد إلى مناطق كان العدو يعتبرها آمنة ولن يطالها أى خلل أمنى.
ولفت إلى التصريحات الإيرانية الأخيرة التى هددت بأن اندلاع حرب فى جنوب لبنان من شأنه أن يؤدى إلى حرب شاملة قد تشعل المنطقة برمتها.
وختم قائلًا: «إن خطر اندلاع الحرب قائم، ولكن المفاوضات والهدنة والحل الشامل فى اللحظة الأخيرة هى خيارات قائمة أيضًا».
فيما قال الباحث السورى فى شئون الشرق الأوسط، عمار جلو، إنه حسب تشاك فرايليش، نائب مستشار الأمن القومى الإسرائيلى سابقًا، والباحث فى معهد دراسات الأمن القومى التابع لجامعة تل أبيب حاليًا، فإن الحرب بين إسرائيل وحزب الله قادمة.
وأضاف، لـ«الدستور»: «فى تقديرى فإن الحرب بين الطرفين قائمة، وإن كانت منضبطة وبسقف منخفض، إلا أن ذلك لن يدوم طويلًا، فإسرائيل باتت شديدة التوجس من عملية شبيهة بعملية ٧ أكتوبر تأتى من قبل حزب الله فى جنوب لبنان وسوريا، وانسحب الأمر على مستوطنى شمال إسرائيل الذين تم تهجيرهم من مساكنهم بعد عملية طوفان الأقصى، ودخول الحزب على خطها بسقف متدنٍ للغاية».
وقال «جلو» إن حزب الله وإسرائيل يحاولان تجنب حرب مفتوحة، لكن هناك ضربات مؤثرة لقيادات وكوادر الحزب، مع تعميق إسرائيل مدى قصفها للجنوب اللبنانى، بما يعنى قواعد اشتباك جديدة غير التى رسمتها حرب ٢٠٠٦، وهذا ما يبدو مؤخرًا من إدخال الحزب أسلحة جديدة وأكثر مدى أو فاعلية فى الاشتباكات اليومية بين الطرفين، التى قد تفتح الحرب على مصراعيها فى الأيام والأسابيع المقبلة، نتيجة حسابات داخلية لأحد الطرفين أو قرار أحدهما أو سوء تقديره حسابات الطرف الآخر.
وتابع: «حتى الآن، فشلت الجهود الدبلوماسية لاحتواء الوضع بين الطرفين، لكنها لم تنته نهائيًا، فى ظل حسابات أمريكية وغربية تتخوف من انفجار الوضع بين الحزب وإسرائيل، ومع ذلك، لا يبدى الطرفان ليونة تؤدى لاتفاق، مع قناعتهما بأن شروط أى اتفاق حالى لن تكون مختلفة كثيرًا عن شروط الاتفاق ما بعد الحرب المحتملة بينهما».
وأوضح الخبير السورى أن هذا الاتفاق المحتمل يمكن أن يتضمن انسحاب إسرائيل من قرية الغجر، مع وضع حد لطلعاتها الجوية فوق لبنان، إضافة لإمكانية ترسيم الحدود، يقابله انسحاب الحزب لخلف نهر الليطانى، أو حتى لمسافة بين ٧-١٠ كيلومترات عن الحدود.
وأكد «جلو» أن الحرب بين حزب الله وإسرائيل سيكون لها تأثير كبير على غزة، بما يخفف عنها حدة القصف والهجمات، مع انسحاب عدد كبير من القوات الإسرائيلية من القطاع، لكن من ناحية مقابلة ستتراجع أولوية المأساة، التى خلفتها الحرب الإسرائيلية على غزة، على الصعيد الدولى، مع إمكانية دمج قضية غزة فى أى تفاهمات لإنهاء الحرب المحتملة بين إسرائيل وحزب الله. فيما قال الدكتور محمد محسن أبوالنور، رئيس المنتدى العربى لتحليل السياسات الإيرانية، إنه بات من المرجح فى الأيام الأخيرة قرب اندلاع حرب موسعة فى جنوب لبنان وشمالى إسرائيل، بين جيش الاحتلال وحزب الله، بسبب التوتر المستدام بين الجانبين فى الأشهر الأخيرة، والذى بدأ فى ٨ أكتوبر الماضى، بعد عملية طوفان الأقصى بيوم واحد فقط، وهو ما أدى إلى نزوح نحو ٦٠ ألفًا من المستوطنين الإسرائيليين بفعل الضربات شبه اليومية التى يشنها حزب الله وبفعل الردود الإسرائيلية على أهداف داخل لبنان وفى عمق بيروت أيضًا.
وقال أبوالنور، لـ«الدستور»، إن هدف الحرب، التى ستبدأها إسرائيل، الحفاظ على الحكومة المتطرفة الراهنة بقيادة نتنياهو وإعطاؤها المزيد من الوقت كى تستمر فى قلب السلطة، الأمر الثانى هو إعادة النازحين إلى مستوطناتهم بعد أن جعلت عمليات حزب الله الحياة مستحيلة فى تلك الكتلة الجغرافية الواقعة عند مستوطنة كريات شمونة، وما حولها.
وتابع: «هنا يمكن الاستدلال بما قاله العميد إفى إيتام، فى مقابلة مع محطة الإذاعة ١٠٣ إف إم، إذ أكد أن الحرب ستستمر ثلاث سنوات: عام فى غزة، يكتمل قريبًا، وعام فى لبنان، وأخيرًا عام ثالث لتشكيل كل ما يتعلق بإيران».
وأضاف أنه فى هذه الحالة يمكن القول إنه ليس مستبعدًا أن تدفع إيران بميليشيات إلى لبنان فى حال الهجوم البرى الإسرائيلى وتدهور وضع حزب الله أثناء المواجهة، فخسارة حماس والجهاد فى غزة وحزب الله فى لبنان يعنى خسارة إيران خط الدفاع عن مشروعها الإقليمى وكسر حلقة النار حول إسرائيل، أى فقدانها الردع النسبى مع إسرائيل، وخسارة وصولها للبحر المتوسط واستثماراتها فى لبنان وحتى فى سوريا طوال السنوات الماضية، وستصبح مسألة توجيه إسرائيل ضربة لإيران ومشروعها النووى مسألة وقت بعد أن تنجح، تخيليًا، فى تحييد القوى الموالية لإيران، وهو ما لن تسمح إيران بحدوثه بالتأكيد.