غزة أخرى.. فى لبنان!
المخاوف والتحذيرات تتزايد، من مخاطر اندلاع حرب شاملة بين دولة الاحتلال الإسرائيلى و«حزب الله» اللبنانى، وكان أكثرها وضوحًا تحذير أنطونيو جوتيريش، الأمين العام للأمم المتحدة، أمس الأول، الجمعة، من أن «شعوب المنطقة والعالم لن تتحمل أن يصبح لبنان غزة أخرى»، بعد أن أعرب عن مخاوفه من استمرار تبادل إطلاق النار على طول الخط الأزرق، وتصاعد الخطاب العدائى بين الجانبين.
المواجهات، أو المناوشات، بين «حزب الله» وإسرائيل، لم تتوقف، منذ ٨ أكتوبر الماضى، وإنْ تغيّرت مستويات التصعيد فيها من يوم إلى آخر، أو من ساعة إلى أخرى. وسبق أن أكد مسئولون فى «الحزب»، المدعوم من إيران، والموالى لها، أن الشىء الوحيد الذى يمكنه إيقاف القتال على الجبهة اللبنانية هو «توقف العدوان على قطاع غزة بشروط المقاومة». وبينما ذكرت وسائل إعلام إسرائيلية أن جيش الاحتلال أقر خطط عملياتية وأعلن عن جاهزية قواته لشن هجوم على لبنان، قالت البعثة الإيرانية لدى الأمم المتحدة إن «حزب الله» لديه القدرة على الدفاع عن نفسه وعن كل الأراضى اللبنانية!
فى كلمة ألقاها، الأربعاء الماضى، خلال تأبين طالب عبدالله، أبوطالب، القيادى فى الحزب، الذى اغتالته إسرائيل، رفع الأمين العام لـ«حزب الله» سقف تهديداته، وحذّر من حرب «بلا ضوابط وبلا قواعد وبلا سقف»، من الجو والبحر والبر، مؤكدًا أن قواته، الآن، «لم يسبق لها مثيل، وتجاوزت المائة ألف مقاتل، وتملك عددًا كبيرًا من الصواريخ والمُسيّرات المتطورة». ثم بالغ فى رفع السقف، وأشار إلى أن الحرب الأوسع مع إسرائيل، قد تشمل «أهدافًا محتملة فى البحر المتوسط»، مهددًا قبرص بأنها قد تكون «جزءًا من الحرب» إذا استمرت فى السماح لإسرائيل باستخدام مطاراتها وقواعدها لإجراء تدريبات عسكرية.
مسئولون أمريكيون طمأنوا وفدًا إسرائيليًا رفيعًا زار واشنطن، منذ أيام، بأن إدارة الرئيس جو بايدن ستدعم حليفتها فى تلك المواجهات المحتملة، طبقًا لما ذكرته شبكة «سى إن إن». وإلى الأسئلة المطروحة بشأن حجم الدعم الذى ستقدمه الولايات المتحدة لإسرائيل، أو حدود تدخل إيران، أُضيفت أسئلة منطقية أخرى عن احتمال تدخل الاتحاد الأوروبى، الذى أعلن عن تضامنه مع قبرص، الدولة العضو فى الاتحاد.
خطوة متهورة واحدة، إساءة تقدير واحدة، قد تؤدى إلى كارثة تتخطى حدود الخيال، بوصف، أو ترجيح، الأمين العام للأمم المتحدة، الذى رأى أن الوقت قد حان للتعقل والانخراط العملى والواقعى من الأطراف فى السبل الدبلوماسية والسياسية المتاحة لهم، وشدّد على ضرورة أن يعيد الطرفان الالتزام بالتطبيق الكامل لقـرار مجلس الأمن رقم ١٧٠١، معربًا عن تقديره لجهود قوات الطوارئ الدولية التابعة للأمم المتحدة، اليونيفيل، التى قال إنها تعمل فى بيئة صعبة للغاية، من أجل تهدئة التوترات، ومنع إساءة التقدير.
القرار ١٧٠١ الذى أصدره مجلس الأمن فى ١٢ أغسطس ٢٠٠٦، والذى أوقف العدوان الإسرائيلى على لبنان، وأرسى وضعًا قانونيًا على الحدود، بين لبنان وفلسطين المحتلة، غير أن دولة الاحتلال انتهكته مئات المرات، وقامت بطلعات جوية وقتلت وخطفت مدنيين لبنانيين، بحسب ٥٢ تقريرًا أصدرتها الأمم المتحدة، حتى يوليو الماضى. كما قامت إسرائيل بتجنيد شبكات تجسس تعمل لصالحها فى لبنان، ما مكّنها من اختراق الحلقة الضيقة فى «حزب الله»، واغتيال عدد من قياداته. وهنا قد تكون الإشارة مهمة إلى القرار نفسه، القرار ١٧٠١، شدد على تنفيذ القرار رقم ١٥٥٩ الصادر، سنة ٢٠٠٤، الذى نصّ على تجريد كل الجماعات أو الميليشيات من سلاحها، وعدم وجود قوات أجنبية إلا بموافقة الحكومة اللبنانية.
.. أخيرًا، مع تسليمنا بأن إيران، التى ليس من مصلحتها توسيع دائرة الصراع، لن تسمح للميليشيات المدعومة منها، أو الموالية لها، بأن تتجاوز الدور الموكل إليها، نرى أن الوقت قد حان للتعقل والانخراط العملى والواقعى من كل الأطراف الإقليمية والدولية لوقف العدوان الإسرائيلى على قطاع غزة، وتجنيب المنطقة خطر اندلاع حرب إقليمية، ستطال تداعياتها السلبية، أو الكارثية، غالبية، أو كل، دول العالم.