حج بدون تأشيرة.. الدستور تحقق فيما حدث للحجاج غير النظاميين فى الأراضى المقدسة
- عدم وجود ترخيص حرمهم من الخدمات الطبية والإسعاف لنجدتهم.. واعتمدوا على الصدقات
- لم يجدوا أماكن بالخيام.. واضطروا للبقاء تحت درجة حرارة 49
ارتفع عدد الحجاج المصريين المتوفين بالأراضى المقدسة هذا العام، ووصل للمئات لأول مرة، ما أثار جدلًا واسعًا حول سبب حدوث تلك الظاهرة، التى رجحت الدلائل أن سببها السفر إلى السعودية بتأشيرات زيارة، ومحاولة أداء مراسم الحج بشكل غير نظامى، ما يعنى حرمانهم من الخدمات الأساسية التى يتم توفيرها مع برامج الحج الرسمية.
«الدستور» تواصلت مع أطراف الأزمة لمعرفة حقيقة ما حدث، والذين كشفوا عن أن آلاف المصريين سافروا بتأشيرات غير مناسبة للحج، فلم يجدوا مكانًا بالخيام واضطروا للبقاء فى الشوارع، فى درجات حرارة وصلت إلى ٤٩ درجة، وفى ظل عدم تقديم أى خدمات طبية لغير المسجلين، مات عدد كبير بضربات الشمس.
ورأى المتخصصون أن وجود الحجاج غير النظاميين تسبب فى زحام شديد، أدى لتعطيل رحلات الحجاج النظاميين.
ياسر سلطان: الحجاج ماتوا بسبب الحر.. والزحام الشديد أدى لصعوبة الحركة
رأى ياسر سلطان، عضو غرفة شركات السياحة، أن ارتفاع أعداد الوفيات بين صفوف الحجاج المصريين سببه أن أغلبهم حجاج غير نظاميين، مؤكدًا: «الوفيات بين حجاج البعثات الرسمية قليلة للغاية، وهو الرقم المعتاد سنويًا نظرًا للإجهاد وكبر السن».
وقال «سلطان»: «سمحت السلطات السعودية للحجاج غير النظاميين من كل الجنسيات بالصعود إلى عرفات بعد ضغط شديد أدى لفتح الحواجز، وتكبد الحجاج غير النظاميين مشقة السير وسط درجات حرارة مرتفعة مع عدم وجود خيام بعرفات تحميهم من هذه الحرارة، واعتمادهم على ما يجرى توزيعه من صدقات من الطعام والشراب، وهو ما حدث أيضًا فى مشعر منى، ما أدى إلى ارتفاع أعداد الوفيات بين صفوف هؤلاء الحجاج».
وأوضح: «أغلب الحجاج المصريين غير النظاميين خرجوا من مصر عن طريق تأشيرات زيارة، واستغلهم سماسرة الحج، وأغلبهم من أهالى الريف والبسطاء الذين لم يسافروا من قبل خارج البلاد»، لافتًا إلى أن تأشيرات السفر للسعودية بكل أنواعها تصدر من خلال البوابة المصرية للعمرة، وتحتاج للحصول على باركود للسفر بقيمة ٢٥٠٠ جنيه، وأى شركة سياحة مسجلة على البوابة تستطيع إصدار الباركود بشرط وجود تذكرة ذهاب وعودة».
وتابع: «تكلفة الحج بتأشيرات الزيارة الفعلية تتراوح بين ٦٥ و٧٠ ألف جنيه، وباع السماسرة هذه الرحلات بما يتراوح بين ١١٠ و١٥٠ ألف جنيه للفرد الواحد نظير تكلفة الباركود، إضافة إلى تذكرة الطيران، ثم يتم حجز سرير لكل فرد فى منطقة العزيزية بمكة المكرمة، ثم ينتظرون حتى يبدأ موسم الحج، ثم يستخدمون الأتوبيسات المحلية أو يتفقون مع أحد السائقين لكى يصعد بهم على جبل عرفات فى مسافة تصل إلى ما يقرب من ٢٠ كيلومترًا».
وأكمل: «عند الوصول إلى عرفات يفترش هؤلاء الحجاج الطرقات طوال اليوم، دون خيام، ويتعرضون لدرجة حرارة تصل لـ٤٩ درجة مئوية، ثم يتحركون صوب المزدلفة، وهذا الزحام جعل العديد من أتوبيسات الحجاج النظاميين لا يستطيع الوصول إلى المزدلفة».
وقال: «المسافة بين مشعر عرفات والمزدلفة تبلغ نحو ٧ كيلومترات، ورغم ذلك فإن الرحلة استمرت ١٥ ساعة بسبب الزحام».
وأضاف أن برامج الحج السياحى ليست مكلفة، فالفرق بينها وبين الحج غير النظامى دفع ٦ آلاف و٣٥٢ ريالًا مقابل خدمات الإعاشة، عن كل حاج، لتوفير المأكولات والمشروبات والخيام فى منى وعرفات، إضافة إلى توفير الأتوبيسات وحجز فنادق موثوقة، مع وجود مشرفين للاطمئنان على الحجاج والبحث عنهم فى حالة فقد أى منهم، موضحًا أن أسعار الحج السياحى للمستوى البرى هذا العام بدأت من ١٩٥ ألف جنيه، والاقتصادى طيران ٢٦٠ ألف جنيه.
ضحايا السماسرة: دفعنا 150 ألف جنيه مقابل «صفر» خدمات
التقينا «ع. ى»، من ضحايا نصب بعض شركات السياحة، وقال إن تأشيرة الزيارة موجودة لديه منذ فترة، وأتم الإجراءات منذ شهور، وهناك حجاج سافروا بتأشيرات عمل.
وأوضح: «هذه التأشيرات تسمح بالوجود فى المملكة طوال العام، ومن خلالها يجرى وضع برنامج متكامل، ويتم التسكين فى العزيزية، وتخصيص وسائل نقل، وخلال تلك الفترة يمكن لصاحب التأشيرة أن يؤدى العمرة».
وتابع: «هذا العام فوجئنا بقرار المملكة العربية السعودية بعدم السماح لنا بالحج، لأنه لا بد من وجود ترخيص، على الرغم من أن كل الإجراءات قانونية، عدا عدم وجود تصريح بإجراء مناسك الحج للوقوف بعرفة ومنى، وأصبحت هناك مطاردات من الشرطة السعودية، وجرى ترحيلنا إلى جدة، وهذه الإجراءات تطبق على الجميع، سواء كانوا سعوديين أو من بلدان أخرى».
وأضاف: «قرار المملكة بمنع الحجاج غير الرسميين صائب، ولكن كان لا بد من أن نعرف بشأنه منذ فترة طويلة وقبل سفرنا حتى لا نتعرض لهذه الخسائر.. هناك من عاد وهناك من أصر على البقاء وعرّض حياته للخطر، وهناك من ماتوا نتيجة الزحام وارتفاع درجات الحرارة وعدم توفير عيادات طبية أو سيارات إسعاف لهم أو وسائل النقل اللازمة، وعدد كبير منهم كبار سن أو أصحاب أمراض مزمنة أو بسبب الخسائر المادية التى وصلت لحوالى ٢٥٠ ألف جنيه للفرد الواحد».
وأكد أن أعداد الأشخاص الذين سافروا بهذه التأشيرات كبيرة، تصل لـ٢٠٠ ألف شخص، موضحًا أن سبب اللجوء لهذه التأشيرات هو التقديم فى القرعة أكثر من مرة وعدم الفوز.
فيما قالت سيدة، من محافظة دمياط، إنها سافرت إلى الأراضى المقدسة يوم وقفة عرفات بتأشيرة زيارة، ودفعت ١٥٠ ألف جنيه.
وأضافت السيدة: «وفرت لنا الشركة مكانًا للسكن وطعامًا ووسائل للنقل، ونجحت فى إتمام مناسك الحج رغم الصعوبات التى تعرضت لها من رفض السلطات السعودية»، موضحة: «انتظرنا لفترات طويلة فى الشارع فى ظل درجات حرارة مرتفعة، وأصيب البعض بضربات شمس وماتوا».
وذكرت سيدة أخرى، من محافظة القاهرة: «سافرت إلى السعودية فى السابع من الشهر الجارى من خلال تأشيرة زيارة تابعة لمكتب سفريات، مقابل ١٥٠ ألف جنيه، وواجهت العديد من الصعوبات».
وقالت: «كنت أرغب فى الحج، ومستعدة لفعل أى شىء لتحقيق حلمى بزيارة بيت الله الحرام، حتى لو هاموت، ولم يحالفنى الحظ فى القرعة».
أشرف الصحاح: نطلق عليه حج سرقة.. وعلينا حماية حياة المصريين
أكد أشرف الصحاح، عضو الاتحاد المصرى للغرف السياحية سابقًا، أن الحج بتأشيرة الزيارة يطلق عليه «حج سرقة»، موضحًا أن القائم به يعتبر متعديًا على حق ليس بحقه، وهو ما يخالف فى الأساس شروط الحج.
وقال «الصحاح»: «حفاظًا على حياة الحاج المصرى، وعلى سمعته وكذلك كرامته، يجب أن تتخذ إجراءات قوية لمنع تداول تأشيرة الزيارة بهدف استخدامها فى الحج مثلما حدث هذا العام، وذلك بأن يمنع على سبيل المثال إصدار تلك التأشيرة فى أشهر رجب وشعبان ورمضان وذى القعدة وذى الحجة، والسماح بتداولها فى باقى أشهر العام، وبالتالى منع أصحاب شركات السياحة الوهمية من استغلال المواطنين بإيهامهم بإمكانية الحج باستخدام تلك التأشيرة».
وأضاف: «الحاج غير الشرعى لا نعرف عنه أى معلومات، ولا يُسمح له بركوب الأتوبيسات التى تنقل الحجاج النظاميين، وهو ما يفسر حالات التيه الكثيرة التى وقعت هذا العام»، لافتًا إلى تشابه الشوارع فى مِنى وعرفات، ما يجعل من الصعب التعرف عليها، وكذلك المسافة الطويلة بينهما، والتى معها يضطر الحاج غير النظامى إلى قطعها سيرًا على الأقدام فى ظل الارتفاع الشديد فى درجات الحرارة، ما نتج عنه وفاة الكثيرين مثلما رأينا».
وتابع: «العكس تمامًا يحدث مع الحاج النظامى، الذى يسافر بطرق شرعية، فهو يستخدم الباركود، ومن خلاله نعرف جميع معلوماته، مثل مكان السكن والشركة السياحية التابع لها، وكذلك وسيلة المواصلات التى ستنقله، وغيرها من المعلومات المهمة التى تقلل فرص التيه أو الوفاة»، منوهًا بأن ذلك ما يفسر أن أغلب المتوفين والمفقودين هذا العام هم من الحجاج الذين سافروا بتأشيرة الزيارة.
وردًا على تساؤل البعض حول الطاقم الطبى المرافق للحجاج، أوضح عضو الاتحاد المصرى للغرف السياحية أن الطاقم كان موجودًا بالفعل ويؤدى دوره على أكمل وجه، لكنه بسبب العوامل السابقة إضافة إلى كبر سن أغلب هؤلاء الحجاج توفيت أعداد كبيرة منهم.
زين الشيخ: شركات «التسفير» تبيع الوهم للمواطنين
قال زين الشيخ، الخبير السياحى، إن تأشيرة الزيارة لا يحق لحاملها أداء فريضة الحج وفق تعليمات المملكة العربية السعودية، مبينًا أن شركات السياحة المرخصة لا تعطى للحجاج تأشيرات زيارة، لكن لديها برامج حج قانونية رسمية وضعت من قبل وزارة السياحة يحق لحاملها أداء فريضة الحج.
وبيّن «الشيخ» أن شركات التسفير هى من تعطى تأشيرات الزيارة للحجاج وتوهمهم بأنها صالحة للحج، بينما الشركات المرخصة تخضع لرقابة من وزارة السياحة من أجل تطبيق برامج السياحة القانونية فى السعودية والمعايير الرسمية.
ونصح المواطنين بعد موسم الحج الحالى بعدم التعامل سوى مع شركات السياحة الرسمية المعتمدة من قبل وزارة السياحة والمرخصة منها، لأن مكاتب السياحة أو التسفير قانونًا ليس لها حق فى تنظيم برامج حج أو إعطاء تأشيرات، لأنها تعمل بعيدًا عن رقابة الوزارة.
وأشار إلى أن هناك مَن يلجأون إلى تلك المنافذ غير الرسمية لكونها أقل فى السعر من سعر شركات السياحة الرسمية، لكن فى النهاية يكون الحج غير قانونى وتحدث لهم مشكلات هناك.
محمد سمير: معظم الضحايا من أهالى القرى
أكد محمد سمير، موظف بإحدى شركات السياحة، أن غالبية الحجاج الذين سافروا بتأشيرة الزيارة من سكان القرى، ولم يلتحقوا بأى من برامج شركات السياحة بشكل مباشر، وفضلوا التعامل مع «سماسرة»، فى الغالب من معارفهم.
وأضاف أن هؤلاء السماسرة يوهمون الأهالى بأن باستطاعتهم تسفيرهم إلى الحج بأسعار تصل إلى نصف تكلفة الحج النظامى، وهو ما يعد عرضًا مغريًا لمن يتوقون إلى زيارة بيت الله الحرام، ولا يستطيعون تحمل تكلفة الحج النظامى الذى تبدأ أسعاره من ٢٣٠ ألف جنيه.
وتابع: «السماسرة يحجزون عمارات سكنية غالبًا فى منطقة العزيزية بالسعودية، ويصدرون تأشيرات عمرة وزيارة للأهالى، وليست تأشيرات حج، وذلك قبل موعد إغلاق السعودية لإصدار التأشيرات بشهر تقريبًا، ثم يؤدى الأهالى العمرة، وبعدها ينبه عليهم هؤلاء السماسرة ألا يخرجوا من العمارة السكنية المخصصة لاستضافتهم حتى موعد الحج».
وأوضح أن مخالفة نظام الحج هى السبب وراء سيطرة مشاعر الخوف على الحاج الذى يذهب بهذه الطريقة طوال الوقت، فضلًا عن أن هؤلاء السماسرة فى الغالب لا يوفرون للأهالى أتوبيسات للتحرك من مِنى إلى عرفات، وهو ما يجعل الحجاج يذهبون إلى عرفات سيرًا على الأقدام من منى، حيث لا يمكنهم ركوب أى من الأتوبيسات المخصصة للحجاج النظاميين فقط، وبالتالى تحدث الوفيات.
أما عن الحل لهذا الأمر، أوضح أنه ينبغى تخفيض تكاليف الحج قليلًا حتى يتمكن حجاج كثيرون من السفر بالطرق الشرعية، وألا يلجأون إلى تلك الطرق.
وتابع: «يجب كذلك تحذير المواطنين من التعامل مع هؤلاء السماسرة، خشية تعرضهم إلى النصب والاحتيال».
أما عن التعامل مع الشركات غير المرخصة، فشدد على ضرورة تأكد الأشخاص قبل التعامل مع تلك الشركات أنها ضمن الشركات الموجودة فى قائمة الشركات المرخص لها ببوابة العمرة المصرية، والتى يمكن التوصل لها من خلال موقعها على الإنترنت.
وائل رجب: السلطات السعودية تفرض غرامات على المخالفين
قال وائل رجب، خبير السياحة الدينية، إن تأشيرة الزيارة ليس معناها السماح بالحج وزيارة بيت الله الحرام، والدليل على ذلك أن السعودية فرضت غرامات على من يحمل تلك التأشيرة ويؤدى مناسك الحج.
وأوضح أن عدم اعتراف السعودية بتأشيرة الزيارة سببه أن هناك مشاعر لها أعداد معينة من الحجاج، لذلك لا يمكن الاندساس وسطهم عبر تأشيرة الزيارة، لأن هذا سيؤدى إلى عواقب وخيمة لن يتحملها سوى الحاج.
وأشار إلى أن من يرغب فى الحج عليه التواصل مع وزارة السياحة المصرية لمعرفة الشركات المعتمدة والتعامل معها، لأنها لا تسمح بوجود تأشيرات الزيارة: «بسببها وجدنا مشاهد الحجاج وهم يسيرون على الأقدام هذا العام مسافات طويلة، وآخرون تائهون».
واختتم: «أداء الحج عبر تأشيرة الزيارة يعد طريقة غير شرعية، تكافحها السلطات السعودية بشتى الطرق، أبرزها تسجيل بصمات المخالفين وفرض غرامات عليهم وترحيلهم وحرمانهم من أداء الحج».