بحضور 100 دولة.. كيف تعتبر قمة السلام فى سويسرا نجاحًا دبلوماسيًا لـ"أوكرانيا"؟
بدأت قمة السلام في سويسرا أمس (السبت) واستمرت حتى اليوم الأحد، للبحث في وضع أحجار الأساس الأولى لعملية السلام في الحرب الأوكرانية، وسط حضور رؤساء وزراء وممثلون رفيعو المستوى من نحو 100 دولة، وكذلك من العديد من المنظمات الدولية، بينما امتنعت روسيا عن المشاركة.
ناقشت القمة العديد من القضايا الحيوية والمصيرية، من بينها صادرات الحبوب من أوكرانيا وسلامة محطة زابوريجيا للطاقة النووية التي تحتلها روسيا وقضايا إنسانية من بينها تبادل الأسرى.
نجاح دبلوماسي لـ"أوكرانيا"
رغم انشغال العالم بعدة قضايا أخرى، إلا أن الحضور الكبير (100 دولة ومنظمة دولية) يعكس أهمية حرب أوكرانيا، وانعكاساتها ليس على الغرب فقط، وإنما على العالم ككل، وهو ما يظهر في حضور بلدان "الجنوب العالمي" والتي تمتد إلى أفريقيا وأمريكا اللاتينية، التي يتزايد نفوذها في العالم الحديث بشكل مضطرد، مما يعكس انطباعًا بـ" النجاح الدبلوماسي لأوكرانيا" ولكن لفهم الأمر أكثر، يجب فهم ما تعنيه القمة على كافة الأصعدة.
ففي السياق الدبلوماسي، عقد القمة بحضور 100 دولة يعكس بوضوح فشل الدعاية الروسية في التأثير على الدول المشاركة التي اختارت الحضور، فيما يعكس حضورهم الاتفاق المبدئي على أنه يمكن اعتبار القمة خطوة أولي لطريق السلام ووقف الحرب في أوكرانيا، كما أن اجتماع ممثلي من 100 دولة يعتبر فرصة دبلوماسية لبدء حوار فعال من مختلف القارات، يسلط الضوء على فهمهم لهشاشة السلام العالمي وترابطه، خاصة فيما يتعلق بمطالب روسيا بالتنازل عن الأراضي الأوكرانية وستكون فرصة للتوصل لإجماع عالمي برفض المطالب الروسية، مما سيعكس موقفا دوليًا مجتمعًا حيال المطالب الروسية.
في السياق الدولي، فخلال الأزمات المختلفة في الأمم المتحدة وغيرها من الهياكل الدولية، التي فقدت فعليا تأثيرها على العمليات العالمية منذ بداية الحرب ضد أوكرانيا، فإن مثل هذا الاجتماع يحمل أهمية نقطة تحول إيجابية، ويعيد الحرب في أوكرانيا على أجندة المجتمع الدولي مجددًا، ويعتبر بلا شك نجاحًا دبلوماسيًا لأوكرانيا.
في السياق الجيوسياسي، فإن القمة في سويسرا والتي تحولت إلى مناقشة مفتوحة تطرقت حول الحقائق الحديثة للعلاقات الدولية وآفاق المجتمع الدولي في مواجهة عودة الإيديولوجيات الإمبريالية، والاستعمار الجديد، والتي تتعلق برغبة بعض الدول بإعادة أمجاد الأنظمة الليبرالية السابقة؛ فتحليلات سياسة بوتين إزاء الحرب كانت تشير بوضوح إلى اهتمامه بعودة الإمبراطورية الروسية أو الاتحاد السوفيتي. وهي بالمناسبة سياسته التي كشف عنها صراحة أكثر من مرة.
ومن الناحية العسكرية، فإن القمة منحت الفرصة للدول المشاركة في التعبير عن مخاوفها، من احتمالات توسيع الحرب ودخول لدول أوروبية أخرى حلقة الصراع على غرار الحروب العالمية الأولى والثانية، مع وجود احتمالات ترجح أن الحرب قد تتوسع إلى ما بعد أوكرانيا، فيما تعتبر الآن أوكرانيا هي أول دولة تحارب روسيا وكذلك الأولي التي تبدأ طريق السلام مما يعكس أهمية للدول المعنية.
من الناحية السياسية، فإن القمة في سويسرا تمثل بداية لتذكير العالم بضرورة الالتزام الصارم بمبادئ القانون الدولي وحسن الجوار والاحترام المتبادل.
حضور "الجنوب العالمي"
القمة في سويسرا ألقت الضوء بوضوح على نجاح الخطوات الأوكرانية المهمة في تكثيف الاتصالات مع دول "الجنوب العالمي" (إفريقيا وأمريكا اللاتينية)، التي بدأت في الحصول على دور أكثر أهمية في النظام العالمي الحديث، وهي المناطق التي تعتبر أيضا مناطق ذات أهمية خاصة لروسيا التي تعتبرها مناطق تابعة لمصالحها، حيث تحاول التوغل داخل تلك المناطق عن طريق (الشركة العسكرية الخاصة فاجنر).
انتبهت أوكرانيا مبكرًا للتوغل الروسي في إفريقيا، وبدأت مواجهته عن طريق توفير الإمدادات الغذائية الحيوية، وخاصة الحبوب، لنفس البلدان الإفريقية، وفي سياق الحصار الذي تفرضه موسكو على "صفقة الحبوب"، فإنه عندما وفت كييف باستمرار بالتزاماتها مما ساعد على استقرار حركة الغذاء العالمية، مما دفع هذه الدول إلى المشاركة في قمة سويسرا.
فيما يشير حضور ممثلي "الجنوب العالمي" في قمة السلام ورغبتهم في إنهاء الحرب في أوكرانيا إلى تحولات جيوسياسية كبيرة على الساحة العالمية، ورغبة عالمية في إنهاء الحروب المحلية.
بالنسبة لعدد من بلدان "الجنوب العالمي" المنخرطة في صراعات مسلحة إقليمية محلية طويلة الأمد، فإن شكل قمة السلام قد يكون أداة فعالة لحل المشاكل.