حل البرلمان الفرنسي.. هل يفرش ماكرون السجادة الحمراء أمام مارين لوبان؟
فاجأ الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون العالم مساء أمس بإعلانه حل الجمعية الوطنية (البرلمان الفرنسي) والدعو لانتخابات مبكرة في 30 يونيو الجاري، بعد الخسارة التي مني بها حزبه في انتخابات البرلمان الأوروبي، مقابل صعود أحزاب اليمين المتطرف.
ويسعى ماكرون الذي لا يحظى حزبه "النهضة" بأغلبية برلمانية في الداخل، إلى محاولة تحقيق هذه الأغلبية ليتسطيع السيطرة على زمام الأمور في فرنسا، بعد أن فقدها لصالح اليمين المتطرف في الخارج، فيما يبقى احتمال خسارته الداخلية قائما.
وقال الباحث في الفلسفة السياسية بجامعة باريس الدكتور رامي الخليفة العلي، إن حل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون للبرلمان يعني جانبين أساسيين؛ الجانب الأول هو ما ينظر إليه بإيجابية باعتباره استجابة للديمقراطية، وتحقيق اليمين المتطرف تقدما في الانتخابات الأوروبية.
وأضاف العلي لـ"الدستور"، أن ذلك يشير إلى توجه في الرأي العام يسعى لإقامة انتخابات تشريعية لمواجهة هذا التقدم، أو على الأقل معرفة حقيقته بشكل أكثر وضوحا.
ماكرون بين فكي كماشة
وتابع بقوله: هناك كثير من الاعتراضات على مستوى اليسار، وعلى مستوى أحزاب الوسط؛ باعتبار أن هذه الخطوة سوف تصب في صالح اليمين المتطرف، وربما تدفعه إلى تقدم تاريخي على صعيد البرلمان الفرنسي، وهذا يمثل خشية سواء لدى الأحزاب السياسية أو حتى لدى المناهضين والمعارضين للتوجهات الأساسية لليمين المتطرف المعروف برفضه لأوروبا، ورفضه للهجرة، والخطاب الشعبوي الذي يتبناه.
وأوضح العلي، أنه ليس هنالك من وضوح في معرفة ما هي الأسباب الحقيقية التي دعت الرئيس ماكرون إلى اتخاذ هذا القرار. فهناك بعض التكهنات بأن هذا سوف يدفع إلى التصويت بقوة لصالح اليمين المتطرف، أو إضعافه في انتظار الانتخابات الرئاسية.
وواصل قائلا: هذا تأويل يتبناه البعض من المحللين والمراقبين، بينما يرى البعض الآخر أن الجمعية الوطنية بصيغتها الحالية حيث لا يتمتع الرئيس أو حزبه بأغلبية، غير مريحة لـ ماكرون، وبالتالي يريد تغيير هذا الواقع بعد أن أصبح بين فكي كماشة اليسار الذي يعارضه بشدة بسبب موقفه من الحرب في قطاع غزة، واليمين الذي يعارضه أيضا بسبب الحرب في أوكرانيا.
إرادة الناخبين
وحول ما يقال بأن حل الجمعية الوطنية بمثابة تقليل من إرادة الناخبين من قبل الرئيس ماكرون، قال العلي: بالعكس البعض ينظر إلى أن هذا القرار هو استجابة للرسائل التي أعطاها الشعب الفرنسي، وبالتالي وضع الشعب الفرنسي أمام خياراته والدعوة لانتخابات للخيار من بين الأيدولوجيات والتيارات السياسية الموجودة على الساحة في فرنسا.
وبحسب العلي، فإنه لا توجد أي ضمانة حول عدم تصويت الناخبين لليمين المتطرف، وهذا ما أثار الصدمة لدى كثير من الأطراف التي تناهض اليمين المتطرف وتقف ضده سياسيا واجتماعيا وثقافيا، بل إن البعض يقول إن الرئيس يفرش السجادة الحمراء للسيدة مارين لوبان اليمينية البارزة، لقيادة فرنسا.
زلزال سياسي
من ناحيته، قال المحلل السياسي التونسي المقيم في باريس نزار الجليدي، إن نتائج الانتخابات الأوروبية كانت مثل الزلزال السياسي الذي هز فرنسا، وترجمة حقيقية للواقع السياسي الذي تعيشه فرنسا منذ فترة طويلة، فالرئيس لا يملك كتلة برلمانية كبيرة جدا، والآن يخسر مرة أخرى الكتلة الأوروبية التي ستمثل البلاد.
وأضاف الجليدي لـ"الدستور"، أنه من خلال نتائج التصويت في الانتخابات الأوروبية، والذهاب بعيدا في تقهقر كتلة ماكرون، وفوز اليمين المتطرف، أصبح الرئيس الفرنسي أمام وضعية حرجة، وكان عليه أن يجدد الدماء، وأن يحاول الإبقاء على ماء الوجه في باقي حياته السياسية حيث اقتربت نهاية عهدته الثانية.
قرار دستوري
وأشار المحلل السياسي إلى أن قرار حل البرلمان أمر دستوري لا مفر منه، للخروج من هذه الوضعية، باعتبار أنه لا يملك كتلة لتسيير البلد داخل البرلمان الوطني، ولا يملك الآن كتلة تمثل سياسته في البرلمان الأوروبي.
ومضى قائلا: ماكرون معني بشكل أو بآخر بأن يصنع على الأقل شيئا من الحماية في الداخل الفرنسي، وبذلك اتجه إلى حل البرلمان والإعلان عن انتخابات سابقة لأوانها في 30 يونيو الجاري.
وأشار إلى أن هذا القرار يأتي في وقت تستعد فيه البلاد لاستضافة دورة الألعاب الأوليمبية، ما يعني أن الرئيس لن يكون راضيا على الـ"ماكرونية" التي يمثلها حزب النهضة في اتجاهها السياسي الحالي.
وأوضح أن حزب الرئيس ليس راضيا عن فريق العمل الوزاري الذي يعد العدة للانتخابات المقبلة، ولو ظفر بها معارضوه فسوف يعاني الأمرين، سواء في الداخل أو الخارج، لافتا إلى أن ماكرون أقدم على زلزال سياسي وعملية انتحارية لا يعرف إلى حد الآن كيف ستكون نتائجها في الأيام المقبلة.