رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مراسلو المحافظات والتقدير المنتظر!

لكل مهنة جنودها وأبطالها المجهولون، وفى الصحافة أيضًا جنود مجهولون يعملون خلف الأضواء أو بعيدًا عنها رغم أهمية دورهم فى الوصول للشكل النهائى للصحف أو ما تحمله الوسيلة الإعلامية من معلومات الهدف منها إرضاء القارئ أو المتلقى النهائى.
ويأتى دور المراسل الصحفى كواحد من أهم عناصر المعلومة أو الخبر الصحفى الذى لا تستغنى عنه أى وسيلة إعلامية ويعد هو الصانع الأول للحدث اليومى، فكم من واقعة وكم من حدث تشهده محافظات مصر الـ27 يوميًا يكون بطل نقل الحقيقة فيها هو المراسل الصحفى. 
يؤدى المراسل الصحفى عمله كجندى يكاد يكون مجهول المجهود وغير معلوم الصعاب التى تواجهه لأداء عمله، وخلال رحلتنا الصحفية تعرفت على طبيعة عمل المراسل الصحفى بشكل أقرب، من خلال عملى محررًا معتمدًا بوزارة الإسكان التى أتاح عملى بها زيارة معظم محافظات مصر بشكل متواصل لسنوات سبقت أغلبها عام 2011، وفى كل زيارة كان يرافقنا مراسلو المحافظات وكانوا يسبقونا لمواقع العمل لأنهم يعتبرون زيارة وزير للمحافظة حدثًا مهمًا، فكانوا أحرص الناس على الحضور والمتابعة، والسرعة فى نقل وقائع الزيارة.
اقتربت أكثر من زملائى المراسلين من خلال رئاستى أقسام المحافظات فى عدد من الصحف المهمة، ومن خلال متابعتى أخبار المحافظات وصفحاتها يمكن القول إن المراسل الصحفى هو صحيفة شاملة بمفرده، هو رئيس تحرير صحيفته فى محافظته وهو رئيس أقسام الحوادث والرياضة والسياسة والفن والتصوير بمفرده.
المراسل الصحفى فى محافظته يؤدى دورًا يقوم به قرابة المائتى صحفى فى المقر المركزى للصحيفة، بعض الصحف الكبرى لديها مكاتب للصحف فى المحافظات الكبيرة كالأسكندرية وتضم عددًا من المراسلين لعدد من الأقسام، لكن الأغلبية منها، ونظرًا للتكلفة المرتفعة، تعتمد على مراسل واحد لتغطية أحداث المحافظة بكاملها.
ورغم اتساع مساحات المحافظات التى تصل لمئات الكيلومترات فإن المطلوب من المراسل أن يسبق الكل فى تأكيد معلومة أو القيام بتغطية حدث قد يبعد عن مقر إقامته عشرات الكيلومترات، ولكن حرفية المراسل وشخصيته تفرض عليه بناء علاقات مع كل المسئولين فى كل القطاعات بالمحافظة وفى كل المدن والمراكز وأن يكون على علاقة طيبة مع أكبر عدد من المصادر فى كل مدينة أو قرية أو هيئة أو مجال بمحافظته تحسبًا لأى طارئ.
عشرات الأحداث كنت مشرفًا على تغطيتها مع المراسلين فى تغطيات كوارث طبيعية كالسيول وحوادث إرهاب وطرق وزيارات مهمة لرؤساء وملوك وشخصيات عالمية جاءت لزيارات محافظة مصرية وكان مطلوبًا من المراسل أن يسارع بالانتقال إلى أماكن الحدث فى أسرع وقت، ليس مهمًا بأى وسيلة يتحصل المراسل على المعلومة، إنما المهم هو صحتها ومدى دقتها وتوثيقها بصور ولقطات فيديو وتصريحات من مصادرها الطبيعية.
على جانب آخر تفرض العلاقات الداخلية بالصحف على المراسل أن يتمتع بعلاقات قوية مع معظم صحفىّ الجريدة فى المقر المركزى «بالقاهرة غالبًا» فلا يمر يوم دون احتكاك المراسل مع أحد من زملائه فى مجالات الرياضة مثلًا أو الحوادث أو الفن، وفقًا لأنشطة القطاعات المختلفة التى لا تتوقف على مستوى الجمهورية.
ويحتفظ المراسل عادة بعلاقات ود وصداقة مع محررى المقر المركزى خاصة المنتمين منهم للمحافظات السياحية والساحلية، فهو يعتبر نفسه المسئول عن تنظيم الرحلات الترفيهية لزملائه القاهريين، واستقبالهم وضيافتهم فى مناسبات مختلفة، وهو كذلك الأقرب لقضاء حوائج أهله وناسه فى محافظته والأكثر إقبالًا من الناس عليه لقضاء مطالبهم فى كل القطاعات الحكومية. بالمختصر فإن المراسل الصحفى هو حالة عطاء مستمرة لا تتوقف حتى انتهاء يوم العمل الطبيعى عند أى مهنة أخرى.
قديمًا كانت الظاهرة الأكثر انتشارًا فى عمل المراسلين هى الاعتماد على الهواة ممن يعملون فى وظائف أخرى وبجانب عمل المراسل خاصة مدرسى اللغة العربية، وأسهم فى ذلك قلة دخل المراسل الذى كان لا يحصل على مقابل مادى على كل هذا العمل.
ومنذ سنوات قليلة ظهر جيل جديد من الموهوبين وخريجى كليات الإعلام فى المحافظات ليعملوا فى مهنة المراسل وتظهر نخبة متميزة من الصحفيين الموهوبين والمؤهلين ليكونوا واجهة مشرفة لصحفهم وللصحافة المصرية. وتستعين بهم الكثير من البرامج والقنوات الفضائية والإذاعات لنقل الأخبار وعمل تغطيات صحفية هى الأكثر دقة والأسرع أداءً.
ورغم كل ما سبق كان المراسل الصحفى، حتى وقت قريب، يعانى التجاهل من إدارة تحرير صحيفته، فهو الأقل حظًا فى التعيين والالتحاق بعضوية نقابة الصحفيين، وهو الأقل تقديرًا ماديًا وتكاد تنعدم عنه المكافآت وبدلات الانتقالات.
مؤخرًا أنصفت بعض الصحف مراسليها وكانت «الدستور فى مقدمتها»، وخيرًا عملت الشركة المتحدة حين ساوت بين المراسل الصحفى والمحرر المركزى فى الحقوق جميعًا، فتبدلت أحوال المراسلين فى صحف المتحدة، لكن ما زالت المعاناة فى بعض الصحف ذات الملكيات الخاصة والحزبية وبها أعداد كبيرة من الصحفيين. 
وفى نقابتنا دبت روح جديدة بمجئ مجلس ونقيب نشيطين لا يتركوا مصلحة تصب فى مصلحة الصحفى إلا وبادروا بها، وهو ما يشجعنى، ونحن نحتفل بيوم الصحفى، على مطالبة مجلس نقابة الصحفيين، بنقيبها وسكرتيرها العام ووكلائها، بتخصيص جائزة تميز صحفى سنوية لمراسلى المحافظات، توضع لها ضوابط وشروط تضمن تكريم المتميزين منهم أو ممن أدوا أداءً متميزًا طوال العام أو تعرضوا لمخاطر بسبب طبيعة عملهم، وتضمن تكريم من أُحيل للمعاش منهم، أتمنى أن يلقى الاقتراح قبول أعضاء مجلس نقابة الصحفيين، وأن يتقبل زملائى المراسلين هذا المقال الذى أعتبره تحية واجبة منى لهم، ولهم منى كل تقدير واحترام.