راية حمراء.. لماذا ينتشر الغرق فى شواطئ الإسكندرية؟
كان الموج متلاطمًا فى ذلك اليوم فى أواخر يوليو الماضى على شاطئ شهرزاد بالإسكندرية، ورغم ذلك أصر «محمود»، الذى ذهب مع أصدقائه إلى مدينة الثغر فى رحلة اليوم الواحد، على نزول البحر حتى يحصل على أكبر قدر من الترفيه والمتعة، قبل أن يعود إلى بلده ليلًا.
وبينما هو يسبح وزملاؤه، تعالت الأمواج سريعًا وبدأت تيارات المياه تسحبهم، ولكن تمكن أصدقاؤه من النجاة والوصول إلى الشاطئ، لكنهم تفاجأوا بعدم وجوده برفقتهم، وعقب ساعات قليلة أعاده التيار إلى الشاطئ جثة هامدة.
لم يكن الفقيد «محمود»، الذى كان يبلغ من العمر ٢٠ عامًا، حالة استثنائية، لكنه مثل كثيرين غيره تعرضوا للموت فى شواطئ الإسكندرية، التى انتشرت فيها ظاهرة الغرق بشدة خلال السنوات الأخيرة.
«الدستور» تحاول معرفة الأسباب الحقيقية لانتشار ظاهرة الغرق فى شواطئ الثغر، عبر استطلاع آراء عدد من الخبراء.
مشرف «العجمى»: عدم اتباع معايير الأمان خلال اضطراب الأمواج
أرجع أحمد أبونواس، مشرف شاطئ العجمى، انتشار الظاهرة إلى مخالفة المصطافين معايير الأمان والسلامة، وتحديدًا عند اضطراب أمواج البحر. وأضاف: «عندما يحدث ارتفاع لأمواج البحر يتعرض المصطافون للمخاطر، وتتم مناشدتهم بتوخى الحذر أثناء السباحة خلال تلك الفترة، وأحيانًا يتم منع السباحة نهائيًا».
وتابع: «يتجلى دور فريق الإنقاذ بشكل كبير فى تلك الحالات، حيث يبذل أفراده قصارى جهدهم لمنع المصطافين من النزول إلى مياه البحر، ولتجنب وقوع حوادث غرق».
وأضاف: «نسعى بشكل عام أيضًا إلى توعية المصطافين، وحثهم على عدم النزول، والاكتفاء فقط بالاستجمام على الشاطئ حتى تهدأ الأمواج»، متابعًا: «مآسى الغرق تدمى القلوب، ويكفى فقط مشاهدة أهالى الغرقى وهم يبكون من الحزن على ذويهم».
وأكمل: «مع كل حادثة غرق تتحول رحلة الترفيه إلى مأساة لا تنتهى، حين تفقد العائلة أحد أفرادها، ونحن نسعى جاهدين لوقف تلك الحوادث، ونرغب فى أن يساعدنا المصطافون على تحجيم مثل هذه الحوادث، من خلال اتباع معايير السلامة والأمان بالشواطئ وتحديدًا فى شواطئ النخيل والعجمى».
.. ومنقذ الشاطئ: السباحة خارج المواعيد الرسمية
قال محمد موسى، أحد أعضاء فريق الإنقاذ فى شاطئ العجمى، إن وجود أعداد كبيرة من المصطافين على الشواطئ يعوق عملية المتابعة، ومن ثم تحدث حالات غرق كثيرة.
وأضاف: «نحاول بشتى الطرق منع المصطافين من الدخول إلى المياه، عند تقلبات الحركة الملاحية وارتفاع منسوب البحر، ووجود تيارات سحب قوية لمنع الغرق، ولكن العدد الكبير للمصطافين يُصعب المهمة علينا». وأكمل: «شواطئ البحر المتوسط، وتحديدًا الإسكندرية، تشهد إقبالًا كثيفًا من المصطافين خلال فصل الصيف، وتحدث حالات غرق كثيرة؛ نتيجة اضطراب الأمواج وارتفاع منسوب المياه على غير المعتاد». وأشار إلى «عدم استماع المصطافين لتعليمات مسئولى الشواطئ، بعدم النزول للمياه إلا فى المواعيد المحددة فى ظل ارتفاع الأمواج».
وأكمل: «نحن نتدرب على كيفية إنقاذ الغرقى من الفئات العمرية المختلفة، ونستخدم المعدات والطرق المستحدثة فى عملية الإنقاذ، ونحاول أيضًا الانتشار على طول الشاطئ والوجود قدر الإمكان بجوار المصطافين». وأكمل: «يكثف فريق الإنقاذ جهوده على شواطئ الإسكندرية للتعامل مع الحالات الطارئة على طول الشاطئ، تزامنًا مع تحذيرات هيئة الأرصاد الجوية من ارتفاع الأمواج وتقلبات الحركة الملاحية، لكن المصطافين يفضلون الإبحار فى أوقات الشروق والصباح الباكر، وهى خارج أوقات عمل المنقذين؛ لذلك يتعرضون للغرق».
خبير تنمية محلية: نحتاج إلى آلية حماية يشرف عليها مختصون
رأى الحسين حسان، خبير التنمية المحلية، أن الرقابة على الشواطئ تعانى من قصور شديد، خاصة فى عدم انتشار نقاط الإسعاف على طول الشواطئ من أجل إنقاذ الغرقى، وكذلك أطقم الإنقاذ بالقوارب.
وأكمل: «يجب وضع إرشادات بمدى العمق والمسافة المسموح بها للسباحة»، مضيفًا: «شواطئ الإسكندرية مفتوحة، لذلك يسبح المصطافون فى المياه لمسافات بعيدة دون رقيب».
وأضاف: «أى مواطن عادى لن يستطيع معرفة أماكن العمق المتاحة أو شديدة الموج، وكذلك تيارات السحب، بدون إرشادات واضحة على البحر، فلا بد من تشكيل لجنة مختصة لتدشن بدورها آلية لحماية المصطافين عبر مختصى الإنقاذ والغوص».
ورأى أن شواطئ الإسكندرية مكدسة بالمصطافين بسبب أسعار دخولها الرخيصة، ولكونها سبيل الترفيه الوحيد للكثيرين، وهذا يتطلب آلية محددة لتأمين المصطافين، كما أن معظم سكان القاهرة من الطبقات غير القادرة يفضلون الإسكندرية للترفيه خلال الصيف.
وتابع: «لا بد أن تكون هناك نسبة وتناسب بين أعداد المصطافين والمنقذين، حتى تكون المهمة سهلة على المنقذ، ويتمكن من رؤية من يتعرض للغرق، والحل ليس إغلاق الشواطئ التى تكثر فيها الحوادث، لأنه سيغلق باب الترفيه الوحيد أمام المصطافين غير القادرين على أسعار الأماكن السياحية الأخرى، مثل الغردقة وشرم الشيخ والساحل الشمالى».
منقذ شاطئ الزهور: تكدس المواطنين يعوق عملنا
أكد جمال الدين معاوية، أحد أعضاء فريق الإنقاذ بشاطئ الزهور فى العجمى بالإسكندرية، أن سبب تكرار حوادث الغرق فى الثغر هو أن شواطئها تشهد إقبالًا كثيفًا من المواطنين مع دخول فصل الصيف، ومع تكدس المواطنين فى المياه تصعب مهمة المنقذين وتكثر الحوادث.
وأضاف: «هناك جزء رئيسى على المواطنين، وهو عدم اتباع التعليمات الخاصة بزيارة الشواطئ، وعدم الأخذ بتوجيهات هيئة الأرصاد الجوية التى تساعد فى نشر حركة الطقس والملاحة وما ينتج عنها من اضطراب فى أمواج البحر وتيارات السحب الشديدة».
وأكمل: «لفريق الإنقاذ على الشواطئ دور فعال فى حماية أرواح المصطافين من الغرق، وتحديدًا خلال العطلة الصيفية التى يذهب فيها الكثير من المواطنين للاستجمام على الشواطئ ونزول البحر فى أى وقت رغم ارتفاع الموج».
سباح حر: البعض يتسلل للشواطئ المغلقة
أرجع كابتن عصام حمدى، سباح حر فى الإسكندرية، تكرار حوادث الغرق فى شواطئ الإسكندرية إلى كونها شواطئ مفتوحة وليست مغلقة. وقال: «الشواطئ المغلقة يكون عليها أمن وإنقاذ وحراسة ومواعيد دخول وخروج، على عكس المفتوحة التى يدخلها المواطن فى أى موعد وعلى غفلة من المنقذين». وبيّن أن شواطئ الإسكندرية عالية الأمواج، والتيارات فيها متغيرة خلال فصل الصيف، وتحتوى على تيارات سحب عالية، وهذا الأمر يؤدى إلى حوادث غرق متعددة، تحدث فى خارج أوقات عمل المنقذين، والتى يصل ارتفاع الموج فيها إلى ٥ أمتار أحيانًا. وأكمل: «بعض المصطافين يدخلون الشواطئ المغلقة، والتى تكون خطرة، ويتسللون ليلًا للعوم؛ لذلك يغرقون فى صمت ولا يشعر أحد بهم سوى فى الصباح».