رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

كيف يرى هشام زغلول الفائز بجائزة الدولة التشجيعية واقع الترجمة في مصر؟

د. هشام زغلول
د. هشام زغلول

قّيم الدكتور هشام زغلول، الفائز بجائزة الدولة التشجيعية لعام 2024 فرع الترجمة، واقع الترجمة في مصر، والتحديات التي تواجهها، وكذلك عن رأيه في تراجع الدراسات العربية المحسوبة على النقد الثقافي التي تقدم فهمًا لصيغته ومقولاته بعمق؛ وهو مترجم كتاب "النقد الثقافي: النظرية الأدبية وما بعد البنيوية" الصادر عن المركز القومي للترجمة عام 2022 وهو من أعمال "فنسنت ب.ليتش، والذى تصدر قائمة الأكثر مبيعًا عن المركز؛ حيث يرى أنه لا يمكن تقييم واقع الترجمة في مصر دون الإشارة إلى الاسم الأبرز صاحب الأيادي البيضاء عليها وعلينا؛ أعني أستاذه العزيز جابر عصفور (رحمه الله) فقد تبنى المشروع القومي للترجمة يوم كان أمينًا للمجلس الأعلى للثقافة، ثم انبرى بحماس منقطع النظير لإنشاء المركز القومي للترجمة، وبذل في سبيل هذا الحلم جهدًا ضخمًا، تنوء به العصبة أولو القوة، وسيظل هذا الصرح العظيم مقترنًا باسمه سنين عددًا.

وأضاف الدكتور هشام زغلول" في تصريح لـ"الدستور"؛ قائلًا:" لقد أهدى المركز المكتبة العربية آلاف الكتب، منها موسوعات ضخمة بالغة القيمة. صحيح أن المركز لم يسر منذ تأسس عام 2006 لم يسر على وتيرة واحدة؛ من النشاط والازدهار، لكنه يبقى في مجمله الركن الشديد الذي يعوَّل عليه في هذا الباب؛ بوصفه مؤسسة غير هادفة للربح إذا ما قورن بمنجز دور النشر الخاصة التي ربما تحكمها اعتبارات عديدة تلبي بها جنوح شريحة من القراء لكتب التنمية البشرية أو الروايات الرائجة متوسطة القيمة في كثير من الأحيان.

وتابع الدكتور هشام زغلول: "أود في هذا السياق أن أسجل إعجابي الشديد وفخري بما يحققه المركز في الآونة الأخيرة من إنجاز، وقد لمست عن كثب ما تبذله الدكتورة كرمة سامي من جهد مضنٍّ يساعدها فيه عدد من الكوادر المهمة في المركز الذين يصلون الليل بالنهار حتى تخرج عشرات الكتب للنور، وقد أوشكت حقوقها أن تنتهي إثر تراكمات سابقة. لقد بات المركز القومي للترجمة -رغم كل يجابهه من تحديات- محط أنظار القراء المتطلعين لمنجز الضفة الأخرى في مصر والعالم العربي. ويكفي أن أشير إلى ما تشهده الترجمة من العربية إلى لغات أخرى في المركز القومي من إنجاز ملحوظ، فضلًا عن تبني مبادرات رئاسية بالتعاون بين وزارة الثقافة ووزارة التعليم العالي؛ مثل "ترجم.. أبدع"، وقد استكمل المركز مسيرتها بتبني مبادرة أخرى مهمة هي "كشاف الجامعات المصرية"؛ لتأهيل عدد من شباب المترجمين الأكفاء. 

أما عن التحديات التي تواجه الترجمة؛ تابع: التحدي الخارجي على مستوى المتابعة فكثيرًا ما يتأخر التفاتنا لكتب مهمة كان يتعين علينا ترجمتها فور صدورها. أما على المستوى الفني فالتحدي الأكبر الذي يجابه الترجمة هو "الفهم"، ولو تتبعت إشكالية أي ترجمة مشكلة لوجدتها في جوهرها وليدة خلل ما في الفهم. ذلك أن الفهم تملُّك للمفهوم كما يقولون، وما لم يحط المترجم فهمًا بما يترجمه سيوقعنا في التباسات عديدة جدًّا، إنه وسيط مسؤول، وعليه في كل كلمة -وكل جملة وكل فكرة- أن يتوخى الحذر والحيطة ويفترض كل احتمالات اللبس ليتوقاها. وأحسب أن توخي قدر من سلاسة الصياغة وتقطير الأفكار بمائية وعذوبة مع الوفاء بدقة للنص الأصلي بما يريد أن يقوله؛ بمثابة معادلة صعبة، تنماز ترجمة عن أخرى بقدر ما توفره لنفسها من توازن نسبي بين طرفيها. ولا يتأتَّى هذا لمترجم بمعزل عن عمق تمثّل الأفكار ابتداء ليجيد صياغتها دون تعقيد، أو خروج عن نسقها، محتفظًا للنص الأصلي ليس فقط برؤاه ومقولاته، بل ببصمته الأسلوبية أيضًا.

وبسؤاله في تقديرك لماذا تتراجع الدراسات العربية المحسوبة على النقد الثقافي التي تقدم فهمًا لصيغته ومقولاته بعمق؟، قال "زغلول" لـ"الدستور": "تتراجع الدراسات العربية المحسوبة على النقد الثقافي لأنها لم تتبصر مرجعيته الغربية بعمق، ولم تتوفر على إطاره المرجعي بما يكفي لتمثله ومساءلته. ولعل هذا السبب هو ما دفعني لترجمة كتاب "النقد الثقافي: النظرية الأدبية وما بعد البنيوية" لفنسنت ليتش، فحين اضطلعت بترجمته كنت بهذا الصنيع -أولًا- ألبي حاجة بحثية ملحة عليّ إبّان إعداد أطروحتي للدكتوراه عن نقد النقد الثقافي؛ بوصفه أحد أهم الأصول العمد التي يتعيَّن عليّ مراجعتها للإلمام بالمرجعية الغربية للنقد الثقافي. ولما وقفت على البون الشاسع بين ما يقوله ليتش وما ينسبه إليه كثيرون، ألزمت نفسي بأن أتوفر على ترجمته، وتعجَّبت آنذاك كيف أن كتابًا بهذه القيمة لم يترجَم بعد؟!.

وتابع: قناعتي الراسخة أن على المشتغلين بالنظرية النقدية أن يتوفروا على ترجمة كل ما هم بحاجة ماسة لإعادة قراءته من المرجعية الغربية، وأن يعمدوا لإتاحته لغيرهم من الباحثين والنقاد، فيسدوا حاجة المكتبة العربية إليه؛ ولذا أرى أن لزامًا علينا الاضطلاع بهذه المهمة، فليست الترجمة ترفًا معرفيًّا ولا تفضلًا ولا تطوعًا، بل هي من صلب اختصاصنا النقدي ومن أهم لوازمه ومقوماته، وسنخسر -نقادًا وباحثين- كثيرًا لو لم نُجِد الإبحار صوب الضفة الأخرى.

واستطرد: "ولا شيء -على الإطلاق- يمكن يخسره النص النقدي، إن أحسنَّا ترجمته، بل العكس هو الصحيح تمامًا في تقديري. وقناعتي أن النص النقدي يربح كثيرًا حين يترجَم للغة أخرى، لا سيما حين تكون ترجمته جسرًا ممهِدًا لاشتباكه بثقافتها. ولكي أكون دقيقًا وأمينًا مع القارئ فهذا لن يتحقق إلا بتوفر شرطين؛ أحدهما: أن يكون العمل النقدي المترجم أصيلًا وفارقًا، وليست كل الدراسات الأجنبية كذلك، والآخر: أن يترجم ترجمة دقيقة لا شائهة. ذلك أن فعل الترجمة في هذه الحالة سينضوي على إفادة مزدوجة؛ فسيسد مثل هذا العمل النقدي بالطبع ثغرة في مكتبة اللغة التي يترجم إليها، تمامًا كما أنه حين يُزرَع في ثقافة مغايرة سيفيد بتعارضه وتجاوبه مع أنساق تلك الثقافة، كما يفيد باختبار مدى مواءمة مقولاته لبنيتها الصلبة وصيغتها القارة، وهذا كله فاعل جدًّا في تطوير الأفكار؛ بل إن الأفكار عادة ما تتطور بهذا أكثر مما تتطور بغيره".