إبادة جماعية تلوح بالأفق.. حرب السودان تصل لمرحلة حرجة بسبب التجاهل العالمى
بعد أكثر من عام من الإهمال من جانب زعماء العالم والفجوات الهائلة في تمويل المساعدات الإنسانية، وصلت الحرب في السودان إلى نقطة تحول حرجة؛ حيث تخوض القوات المسلحة السودانية معارك مميتة لمنع ميليشيا الدعم السريع من السيطرة على مدينة الفاشر، عاصمة ولاية شمال دارفور، والتي كانت حتى وقت قريب واحدة من آخر الملاذات الآمنة للمدنيين.
ويقول الخبراء إنه إذا سقطت الفاشر في يد ميليشيا الدعم السريع، ستكون هناك عواقب وخيمة على حقوق الإنسان، تتراوح من التطهير العرقي إلى الإبادة الجماعية الصريحة لملايين الأشخاص.
في هذا الإطار نسلط الضوء على ما يحدث في الفاشر المدينة الأحدث في الصراع المستمر منذ أكثر من عام بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع المتمردة.
الفاشر آخر مدينة في قبضة الجيش شمال دارفور
بدأت المعارك في الفاشر وهي آخر موطئ قدم للجيش السوداني في كل غرب البلاد، باشتباكات متقطعة، ما جعلها إلى حد كبير بمنأى عن أسوأ ما في الحرب حتى الأسابيع الأخيرة.
لكن الوضع تغير في صباح يوم 10 مايو، عندما اندلع قتال عنيف بين الجيش والمتمردين. وتتعرض المدينة منذ ذلك الحين لقصف شبه يومي وقصف عشوائي وغارات جوية.
وأصيب أكثر من 1000 مدني وتوفي 206 أشخاص، وفقًا لكلير نيكوليه، مديرة برنامج الطوارئ في منظمة أطباء بلا حدود.
وتعرضت المستشفيات ومخيمات النازحين لأضرار بسبب إطلاق النار والانفجارات. ولم يصل سوى عدد قليل جدًا من قوافل المساعدات التي تحمل الإمدادات الغذائية والصحية إلى ما يقدر بنحو مليوني مدني في المدينة.
ومع قيام قوات الدعم السريع بتوسيع نطاق سيطرتها على بلدات أخرى في دارفور على مدار الحرب، فقد لجأت إلى الاستهداف العرقي والعنف الوحشي ضد المدنيين، بما في ذلك اغتصاب وتعذيب وقتل المدنيين غير العرب واستخدام الإهانات العنصرية ضدهم، وقد وثقت منظمة هيومن رايتس ووتش هذه الجرائم.
ويشعر خبراء حقوق الإنسان بالقلق من أنه إذا سقطت الفاشر في أيدي قوات الدعم السريع، فقد يؤدي ذلك إلى موجة جديدة من التطهير العرقي، تذكرنا بالإبادة الجماعية التي وقعت في دارفور في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين عندما قُتل نحو 200 ألف مدني غير عربي على يد ميليشيات الجنجويد والحكومة.
وقد تطورت قوات الدعم السريع من ميليشيا الجنجويد، وهي قوة قتالية أنشأها الرئيس السابق عمر البشير لمحاربة سكان دارفور في منتصف الثمانينيات.
وأوضح أكشايا كومار، مدير الدفاع عن الأزمات في هيومن رايتس ووتش أن التوترات العرقية ظلت قائمة منذ فترة طويلة في دارفور منذ الإبادة الجماعية، مضيفا "إذا اكتسبت قوات الدعم السريع اليد العليا، فإنها ستسيطر على منطقة دارفور بأكملها حيث تعيش معظم المجتمعات غير العربية".
وقال موقع "فوكس" الإخباري، إن الوضع مألوف للغاية، مشيرًا إلى أنه كما كان الحال في عام 2003، فإن الأزمة تتأرجح على شفا المجاعة والإبادة الجماعية. وكما كان الحال حينها، فإن أسوأ أزمة إنسانية في العالم لا تزال مهملة بشكل غير معقول من قبل الحكومات الأجنبية والهيئات الدولية التي لديها القدرة على التدخل للدفع من أجل التوصل إلى حل سلمي أو لحث الأطراف المتحاربة على احترام القانون الإنساني الدولي.
ورجح "فوكس" في إطار ذلك، أن يصبح في الأشهر المقبلة، الوضع الإنساني وحالة حقوق الإنسان في دارفور وفي مختلف أنحاء السودان أمرًا مروعًا للغاية بحيث لا يمكن تجاهله، ولكن عند هذه النقطة قد يكون الأوان قد فات لفعل أي شيء حيال ذلك.
وقالت السفيرة ليندا توماس جرينفيلد، ممثلة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة، خلال مؤتمر صحفي عقد مؤخرًا: "إن التاريخ يعيد نفسه في دارفور بأسوأ طريقة ممكنة". "الهجوم على الفاشر سيكون كارثة فوق كارثة".
نزوح واسع النطاق وشفا المجاعة يهدد السودان
هذه ليست المرة الأولى التي تشهد فيها الفاشر أعمال عنف خلال الحرب، حيث أفادت جماعات الإغاثة ووسائل الإعلام المحلية عن وقوع اشتباكات متفرقة، ولكن مميتة بين قوات الجيش وميليشيا الدعم السريع منذ بداية النزاع في أبريل الماضي.
وهناك أيضًا ميليشيات محلية تعمل على حماية المدنيين، والتي تعهدت في البداية بالحياد في الحرب الأهلية.
وفي أبريل، اندلعت اشتباكات متفرقة مرة أخرى عندما انحازت الميليشيات، التي زعمت أن قوات الدعم السريع قد هاجمتها، إلى جانب القوات المسلحة السودانية.
والآن، تسيطر قوات الدعم السريع على ثلاثة على الأقل من الطرق الأربعة المؤدية إلى الفاشر، وقد شقت طريقها إلى داخل المدينة نفسها. وقد تعرض كل من المستشفيات الثلاثة المتبقية في المدينة، بما في ذلك مستشفى الأطفال ومركز الولادة، للقصف بقذائف الهاون والقنابل، مما أسفر عن مقتل ثلاثة مرضى وإصابة 11 آخرين.
منذ منتصف 2023، فر حوالي 500 ألف شخص إلى الفاشر، واحتشدوا في المدارس وغيرها من أماكن التجمع غير الرسمية، بالإضافة إلى مخيم زمزم القريب، وهو مخيم للنازحين داخليًا تم إنشاؤه خلال الإبادة الجماعية في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين.
كان هؤلاء النازحون يعتمدون على المساعدات الغذائية. ولكن الآن، أصبحت أسواق المواد الغذائية خالية، وبسبب أعمال العنف، لم تتمكن مجموعات الإغاثة ولا الشاحنات التجارية من دخول المدينة لتجديد المخزون أو تقديم المساعدات الغذائية.
وتشير التقارير المحلية والمنظمات الأممية إلى أنه حتى قبل اشتداد القتال في الفاشر، كان ما يقرب من 25 مليون شخص في السودان في حاجة إلى مساعدات إنسانية فورية، وكان 18 مليون شخص يواجهون انعدام الأمن الغذائي الحاد.
وتحذر الأمم المتحدة من أن البلاد على شفا مجاعة شاملة، وأفادت منظمة أطباء بلا حدود أن طفلًا يموت كل ساعتين بسبب سوء التغذية في منطقة زمزم، حيث يقدر نيكوليه أن هناك ما بين 300 ألف و400 ألف شخص يأوون إليها.