رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

عمار يا مشمش.. «الدستور» فى أشهر قرية تزرع الفاكهة الذهبية والأهالى: نعاملها كأطفالنا ونغنى لها عند الحصاد

موسم حصاد المشمش
موسم حصاد المشمش

إنه موسم الفرحة، موسم الخير، موسم الحصاد، الآن يجنى مزارعو قرية العمار فى القليوبية، ثمار جهدهم وعرقهم على مدار أشهر طويلة، بجمع محصول المشمش الذى تتميز القرية بزراعته على أجود ما يكون. الجميع يعمل فى موسم الحصاد، فالشباب والرجال يتسلقون أغصان الشجر بحماس لجمع الثمار، وبجانب الأشجار تقف النساء ليتسلمن ما حصده الرجال ويفرزنه بعناية فى صناديق خشبية، وعلى الوجوه ترتسم البسمات وتعمّ الفرح أرجاء القرية.

وبعد الفرز والتعليب، يعمل أهالى القرية على تسويق وبيع ما أنتجوه، حيث يقبل التجار والشركات من جميع أنحاء مصر على شراء مشمش العمار، الذى لا مثيل له فى الطعم ولا فى الفوائد الصحية. ويتحدث عدد من أهالى القرية، لـ«الدستور»، حول رحلة حصاد المشمش وكيف يستعد الأهالى لهذا الموسم الملىء بالفرحة؟

مزارع: نوفر للأشجار كل احتياجاتها.. وعُمرها يتراوح بين ٢٠ و٣٠ عامًا

قال عاطف جاد، مزارع فى قرية العمار، إن موسم المشمش يبدأ كل عام فى الثلث الثانى من شهر مايو، حيث يطلق بعض الشجر ما يسمى بـ«ثمار البشائر»، ويستمر النمو حتى بداية شهر يونيو، وخلال هذه المدة تتأهب القرية بكل من فيها، سواء مزارعين أو حتى موظفين أو عمالًا فى مهن وحرف أخرى، من الرجال والنساء، للعمل فى الحقول وكل منهم يؤدى دورًا لا يقل أهمية عن دور غيره.

وأضاف: «العمل فى المشمش لا يقتصر فقط على هذا الموسم، بل تتم مراعاة الأشجار على مدار العام، ويبذل المزارعون جهدًا كبيرًا، ويشعر المزارع بالفرحة والتعويض عن المجهود وهو يشاهد حصاد تعبه أمام عينيه».

وتابع: «شجر المشمش يعامل كأنه طفل صغير يتم تدليله وتقدم له كل احتياجاته من سماد ورى ورش بالمبيدات الحشرية؛ حتى لا تنخر الآفات فى سيقانه وأعواده وتؤثر على إنتاجه وثمرته، كما يتم تنظيف التربة من تحته بشكل دورى من المخلفات والنباتات الضارة لكى تتمتع الشجرة بتربة خصبة ونظيفة».

وأشار إلى أن عمر شجرة المشمش يتراوح بين ٢٠ و٣٠ عامًا، تقدم خلالهما إنتاجًا جيدًا، ثم تدخل فى مرحلة الشيخوخة ويكون إنتاجها أقل جودة، فيتم استبدالها بأخرى جديدة، مشيرًا إلى أن عملية جمع الثمار ينفذها عامل يطلق عليه «جمّيع»، ولديه دراية وخبرة بانتقاء الثمار التى نضجت على الشجرة وترك غيرها ممن لا تزال فى مرحلة النضوج، حتى يتسلق الشجرة فى وقت لاحق لقطفها عندما تكون جاهزة.

وأكمل: «يتم تجميع المشمش بطريقة معينة، ويكون فى مساعدة (الجمّيع) شخص آخر يتولى عملية الفرز فى الصناديق أسفل الشجرة التى يتم حصاد المشمش منها، ومن ثم يتم توريد الإنتاج إلى (السويقة)، وهى المنطقة التى تُباع فيها أطنان المشمش بالمزاد فى مناطق معلومة بالقرية للتجار.

أنور عرفة: كبار التجار وأصحاب المصانع والشركات يشترونه بالمزاد

أكد أنور عرفة، تاجر، أن عمليات الجنى تبدأ كل يوم خلال موسم الحصاد، بداية من طلوع الشمس حتى غروبها، ويتم توريد المحصول إلى ما يعرف بـ«السويقة»، حيث يقبل التجار من جميع المحافظات لشراء المشمش بطريقة المزاد لأعلى سعر، حتى إن الشركات والمصانع ترسل مندوبيها كل عام فى هذا الموسم لشراء احتياجاتها من هذه الثمرة.

عم عزت.. يغنى المواويل: «هات الدهبية منها»

أشار عزت سالم، ٧٠ سنة، من أقدم جامعى المشمش فى القرية، إلى أنه ينتظر موسم جنى المشمش من العام للعام، لأنه مصدر رزقه الأساسى هو وقسم كبير من سكان قرية العمار والقرى المجاورة.

وأضاف أن جامعى المشمش ابتكروا الأغانى الخاصة بالموسم وتوارثوها، منها «يا شجرة المشمشة يا مجمعة التجار.. يا ساكنة أرض العمار.. يا منورة الأشجار.. لأجلك هغنى وأسمع الزوار.. وهات الدهبية منها وسيب الخضرا على الشجرة.. عصفورة فى اليد ولا ١٠٠ على الشجرة».

وتابع: «مع التقدم فى العمر لم أعد قادرًا على جنى المشمش، لكن التجار وأصحاب مزادات بيع المحصول يطلبوننى لكى أضفى حالة من البهجة فى هذا الموسم، والإعلان عن وجود شحنات جديدة من المشمش لراغبى الشراء».

واستطرد: «فى موسم المشمش يسعد الجميع فى العمار، سواء المزارع أو التاجر أو حتى من يعملون فى خدمة تلك الصناعة التى تفرد بها أهالى القرية، التى أنعم الله عليها بتربة خصبة تحبها أشجار المشمش وتترعرع فيها وتنتج ثمارًا ليس لها مثيل فى أى مكان آخر، مطلوبة فى الأسواق المحلية والعالمية».

إكرام الشاذلى: جملة «فى المشمش» دلالة على الوفاء بالالتزامات

قالت إكرام الشاذلى، معلمة بوزارة التربية والتعليم، من أبناء القرية، إن المشمش يطلق عليه الفاكهة العزيزة، وموسمها لا يتعدى شهرًا واحدًا، ولذلك انتشرت بين الناس جملة «فى المشمش»؛ كدلالة على عدم تنفيذ الأمر المتفق عليه.

وكشفت عن أن معنى تلك الجملة يختلف فى قرية العمار تمامًا، فيعتبرها الأهالى دلالة على الوفاء بالالتزامات، قائلة: «دائمًا يقول الأب الذى يجهز ابنته للزواج (فى المشمش)، دلالة على تنفيذ الطلب بعد بيعه المحصول واستلام ثمنه لشراء الجهاز وتزويجها».

وضربت مثلًا آخر، قائلة: «عندما يشترى أحد الأشخاص أرضًا أو بيتًا جديدًا، يعد البائع ويقول له (فى المشمش سأدفع لك الثمن)، كدلالة على أنه فى موسم المشمش ستتوافر لديه الأموال التى سيسدد بها ديونه».

عبدالعليم أحمد: 10 أنواع أشهرها فاطمة وعواطف وعبدالحليم

أوضح عبدالعليم أحمد، أحد المزارعين بقرية العمار، أن المشمش له أنواع عديدة، ومسميات متنوعة يعرفها أبناء القرية والعاملون فى هذا المجال، كما هو الحال فى المانجا بفصائلها وأسمائها المتنوعة.

وأضاف: «المشمش، أيضًا، له أسماء كثيرة تصل إلى ١٠ أسماء، أبرزها فاطمة وعواطف وعبدالحليم وعبده قاسم والسيد الجزار ومحمد عبدالرءوف، وغيرها من الأسماء المختلفة التى تتميز كل واحدة منها بحجم ومذاق ورائحة مختلفة عن نظيرتها».

وعن سر تسمية المشمش بأسماء أشخاص، أوضح: «إشارة إلى أول مزارع استقدم هذه السلالة إلى أراضى العمار، فمنهم من فضّل إطلاق اسمه على السلالة، ومنهم من اختار اسمًا من أسماء بناته، كما تتميز كل شجرة بشكل هندسى مميز للثمار التى تنتجها، ويظهر لونها الذى يبرز جمالها بين الأشجار الأخرى وتُزرع بذور هذه الشجرة فى مختلف الأراضى، حيث تتمتع كل شجرة بصفاتها الفريدة ولونها الخاص وإنتاجها المميز».