رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

البطريرك شاهدًا على 30 يونيو.. البابا تواضروس الثانى: مرسى كان مغيّبًا.. وعدلى منصور قامة تليق بمصر.. وبــ«السيسى» اعتدل الميزان

البابا تواضروس الثانى
البابا تواضروس الثانى

قال البابا تواضروس الثانى، بابا الإسكندرية بطريرك الكرازة المرقسية، إن الأقباط شعروا بأن مصر تتعرض للسرقة وتغيير الهوية بعد تولى جماعة الإخوان حكم البلاد، وازداد الشعور بالخوف والهلع مع تكرار الحوادث الإرهابية والاعتداءات على الكنائس.

وأضاف البابا، خلال حواره مع الإعلامى الدكتور محمد الباز، فى برنامج «الشاهد» المذاع عبر قناة «إكسترا نيوز»، أن محمد مرسى لم يكن يتمتع بهيبة رئيس الجمهورية، مضيفًا أنه خرج بانطباع سيئ بعد أول لقاء معه، وقال لنفسه «مصر تستحق أحسن من كده».

وأوضح أن الرئيس الإخوانى المعزول محمد مرسى كان مغيبًا، وأن أحاديثه معه أسقطته من نظره، وكان يشعر حين يسمعه بأن مصر تستحق أفضل من ذلك، واصفًا الرئيس السابق المستشار عدلى منصور بأنه كان قامة كبيرة تليق بمصر، وتستحق خطاباته، خاصة خطابه الأخير، أن تدرس فى كل مكان، ومؤكدًا أن ميزان الوطن قد اعتدل بتولى الرئيس عبدالفتاح السيسى رئاسة الجمهورية، بعد فترة صعبة من عمر البلاد، تعرضت خلالها للسرقة على يد جماعة الإخوان.

وروى البابا تفاصيل شهادته الخاصة عن فترة حكم الإخوان، التى شهدت تجليسه على الكرسى البابوى، وحكايات مختلفة عن عدد من الشخصيات التى كانت وقتها فى بؤرة الأحداث، بالإضافة إلى مواقفه ولقاءاته قبل ثورة ٣٠ يونيو وبعدها، والمشاهد الصعبة التى عايشها أثناء فترة حرق الكنائس على يد الجماعة الإرهابية بعد فض اعتصام رابعة العدوية، وصولًا إلى ذكرياته مع زيارة الرئيس عبدالفتاح السيسى، عقب توليه الحكم، الكاتدرائية للمرة الأولى للتهنئة بعيد الميلاد، ومفاجأة إعلانه عن بناء كاتدرائية «ميلاد المسيح» بالعاصمة الإدارية الجديدة فى مطلع عام ٢٠١٧. 

■ كيف شعرت وأنت تودع شهداء كنيسة القديسين؟ وهل أحسست بالخوف على الوطن؟

- كانت خدمتى فى البحيرة بالقرب من الإسكندرية عند وقوع حادث كنيسة القديسين، وكنت وثيق الصلة بكنيسة القديسين، وتلك المنطقة كانت مليئة بالسكان.

وكنّا فى رأس السنة حين وقع الحادث وشعرنا بألم شديد، وترددت شائعات عن سبب الانفجار، وقيل حينها إن قنبلة ألقيت وقيل إنه تم تفجير سيارة، وقيل إن انتحاريًا فجر نفسه.

وكان تشييع الجنازة فى دير مار مينا بعيدًا عن الزحام، لكن كان التشييع أمرًا مذهلًا بالنسبة لى، لأنه لأول مرة أودع كل هذه المجموعة من الصناديق، ولم نكن نستطيع أن نقف ونصلى من كثرة الصناديق، وكانت مشاعر الناس ملتهبة ومتألمة وصوت البكاء والصراخ عاليًا، وكانوا يهتفون «يا مبارك يا طيار قلب القبطى قايد نار»، وكان السؤال مَن فعل هذا ولماذا؟ ما الهدف؟ وكان هذا رسالة للرئيس.

ولا يوجد حتى اليوم تحديد للجهة أو الشخص الذى ارتكب الحادث، لكن الواقعة أحدثت أزمة فى قلب الوطن، وأزمة للكنيسة ولدى الناس ووسط الأقباط، فالكنيسة التى شهدت الحادث كان يقابلها جامع، وكانت العلاقة بيننا وبين المسلمين طيبة، لكننا أحسسنا بقلق شديد جدًا بعد الحادث.

وكانت علامات الاستفهام تزداد كل يوم، ولا توجد إجابة ولا شفافية، وبعد ذلك كانت الحوادث تزداد ويظل الفاعل مجهولًا.

■ نُصِّبتَ بابا للكنيسة فى ٤ نوفمبر ٢٠١٢ وقت حكم الإخوان.. ما الذى حدث فى الكواليس؟

- تنيح البابا شنودة فى ١٧ مارس سنة ٢٠١٢، وكان هذا حدثًا كبيرًا، وكنت وقتها أخدم فى مرسى مطروح وعُدت إلى القاهرة، وكانت هناك مشكلة فى إيبارشية سيدنى، والكنيسة ممثلة فى المجتمع المقدس شكلت وفدًا من ٣، هم الأسقف القبطى فى جنوب أمريكا، وأسقف ورئيس دير فى مصر، وأنا، وكنت حينها أسقفًا عامًا، وذهبنا لحل المشكلة فى سيدنى، والتى كان أساسها أن البابا شنودة أصدر قرارًا ببقاء الأسقف الأب المسئول عن الإيبارشية فى مصر وألا يعود لخدمته، وكان قد مر ٣ سنوات على هذا القرار، وذهبت إلى أستراليا لأول مرة لبحث تلك المشكلة، وهناك ظهرت نتيجة انتخابات الرئاسة المصرية.

■ كيف استقبلتم خبر نجاح «مرسى»؟

- كنت فى مهمة كنسية فى أستراليا مثلما قلت، وفى البداية أُعلن عن فوز الفريق أحمد شفيق، فاستقبلنا الخبر بالزغاريد، لكن بعد نصف ساعة، انقلب الفرح لحزن وغم، وانقلبت الزغاريد لعويل وبكاء، عندما وصل الخبر الآخر بنجاح محمد مرسى، وكنا فى منتصف الليل وعم البكاء والنواح، وهناك مَن فكر فى إحضار أهله إلى أستراليا، وحينها قال أحدهم لى: «إنت هترجع مصر؟ خليك هنا»، قلت له: «لا طبعًا سأرجع مصر»، وكانت الأحداث تنبئ بأن هناك شيئًا يُسرق، ليست هذه مصر، وليست هذه الطبيعة الحياتية لإخوتنا وجيراننا فى مصر، ليست هذه نكهة مصر ولا طبيعة أيامها، حتى اللغة المستخدمة فى الإعلام لم تكن اللغة التى اعتدنا عليها.

وأقرب تشبيه لما كان يحدث هو السرقة، وأحدهم شبه لى الموقف بمقولة «لما الفرخة تطير عند الجيران ينتفوا ريشها، إحنا كده بينتفوا ريشنا»، كان الإحساس وقتها هو الخوف والفزع، وأننا نسير فى طريق مجهول.

■ هل كان هناك تخوف من ألا يصدق «مرسى» على قرار تنصيبك؟

- كان هناك تخوف من أن إجراءات اختيار البطريرك الجديد لا تتم، وأساس هذا التخوف هو انتشار فكرة اختيار الأنبا باخوميوس بطريركًا دون إجراءات، وكان التخوف أن الإجراءات لا تكتمل لأى سبب، لكن الأنبا باخوميوس رفض هذه الفكرة والمجمع المقدس رفض، وقالوا سنسير فى الإجراءات كما ينص التقليد الكنسى، وكان متوقعًا أن يجامل «مرسى» الكنيسة ويحضر التنصيب، لكنه لم يفعل.

■ ما الذى حدث فى إجراءات التجليس؟

- على المستوى الشخصى لم أحضر تجليسًا قبل ذلك، فالتجليس طقس كبير، وما حدث وقتها أن إجراءات التجليس تمت والطقس الكنسى اكتمل، وكان هذا بالنسبة لى أمرًا جديدًا، والكنيسة القبطية أكبر كنيسة فى منطقة الشرق الأوسط، وهى الكنيسة الأولى فى إفريقيا تاريخيًا، وهى الكنيسة الوطنية المصرية الأصلية ولها وضع مهم.

ولم يجامل الرئيس مرسى الكنيسة بحضور التجليس، وأرسل رئيس الوزراء الدكتور هشام قنديل آنذاك، وأرسله من باب ذر الرماد فى العيون، وحضر عدد كبير من المسئولين الكنسيين المحليين والدوليين، منهم آباء وبطاركة وأساقفة، كما حضر مندوب بابا روما وعدد كبير من السفراء، وهكذا تمت عملية التجليس.

■ حدثنا عن شعورك الخاص يوم التجليس.

- كانت المرة الأولى التى أستمع فيها لصلوات تجليس، وهذه الصلوات مؤثرة لأقصى درجة وتشرح وتوصف حجم المسئولية الملقاة على من يتولى المنصب، وكان هذا الأمر جديدًا بالنسبة لى، وتلك الصلوات ليست مجرد فقرة أو اثنتين، بل تلاوة تمتد لساعات.

وفى الحقيقة كنت متأثرًا جدًا، لأن اختيارى لم يكن فى الحسبان ولم أكن أتوقعه، فأنا أخدم طوال عمرى فى إقليم مهم من أقاليم مصر وهو محافظة البحيرة، وليس لى أى دخل بالقاهرة، والوضع بالنسبة لى كان صعبًا جدًا.

■ يقال إن هناك نبوءة سمعتها بأذنيك وأنت فى دير الأنبا بيشوى تتحدث عن وصولك للكرسى.. حدثنا عنها؟

- كان هناك شاب من دمنهور يُدعى «عماد» ويدرس فى كلية التجارة، وهذا الشاب مثلما يقال «مكشوف عنه الحجاب وما يقوله يحدث».

وفى يوم جنازة البابا شنودة وصلت إلى الدير فى وقت مبكر قبل نقل الجثمان، وفى وسط الزحام وفى أثناء سيرى للدخول إلى مكان القبر، نادانى هذا الشاب وقال لى «سيدنا سيدنا إنت البابا البطريرك الجاى»، وقتها قلت له «إيه يا عماد إحنا فى إيه ولا فى إيه» وزعقتله وقتها، واعتبرتها كلمة ولم ألتفت أو أفكر فيها نهائيًا، لكن تذكرتها حينما توليت المسئولية.

وشعرت بأننى مقدم على عمل كبير، وكان لدى إحساس بالطمأنينة والثقة أن الله هو من صنع تلك الخطوات وهو من سيسندنى، وما زال هذا الإحساس لدىّ رغم حجم المسئولية الكبير جدًا، وحجم الكنيسة اليوم فى مصر والعالم كبير، فالمساند هو الله، وهذا ما يعطى الواحد منّا الطمأنينة.

■ كيف كنت تشعر بالطمأنينة فى الوقت الذى كانت مصر فى وضع غير طبيعى واستثنائى؟

- كان فكرى كله وقتها منصبًا على العمل الذى سأكون مسئولًا عنه، وفى هذه اللحظات لم أنظر للخارج وقت التجليس، ولكن بعدها بأيام بدأت أفيق من الحلم الذى كنت فيه، وأننا الآن فى وضعية مختلفة، وبدأت أزيد من حجم قراءاتى فى التاريخ؛ كى أعرف هل حدث فى التاريخ أمور مماثلة لما يحدث الآن، أم لا.

وفى تاريخ الآباء البطاركة، هناك كتب تسمى «تاريخ البطاركة»، هذه الكتب تحتوى على تاريخ مصر من خلال وجهة نظر البطاركة، وهذه دراسات ممتعة.

■ ماذا وجدت فى هذه القراءات؟

- وجدت أن الكنيسة فى أزمنة ما تعرضت لمتاعب كبيرة، كما عاشت أزمنة هادئة، وعاشت أزمنة شهدت فيها أزمات مثل كورونا، وقرأت وعرفت أن هناك وباء ظهر فى عهد أحد البطاركة واستمر لـ٩ سنوات، ورغم ذلك الإحساس العام لدىّ كان أن الله معى فلا يجب أن أخاف.

■ بعد أيام من التجليس التقيت الرئيس محمد مرسى.. ما كواليس هذا اللقاء؟

- لم أكن قابلت من قبل رئيسًا للجمهورية، فقط رأيت الرئيس محمد حسنى مبارك والرئيس أنور السادات من بعيد.

وبعد التجليس كان يجب أن أزور الرئيس مرسى؛ كى أشكره على اعتماد القرار الجمهورى، لكن فى نفس التوقيت توفيت شقيقته، فجهزت وفدًا من كبار الآباء المطارنة والأساقفة وذهبنا لهذين الهدفين، أشكره على اعتماد القرار، وفى نفس الوقت نعزيه فى وفاة شقيقته.

وجلسنا معه، وفى وسط الكلام قال لى «أنت اختيار ربانى»، وأخذ يسترسل فى الحديث، ورغم أننى كنت أجلس أمام رئيس الدولة لم يكن هناك القدر الكافى من الإقناع فى الفكر والأسلوب الذى يقال وحتى فى لغة الجسد، لكن سمعناه وكانت الزيارة للمجاملة فقط، ولم تتضمن نقاشًا حول موضوع معين أو طلبًا أو أى شىء من هذه الأمور.

وخرجت من هذا اللقاء بانطباع بأن مصر تستحق شخصًا أحسن وأفضل، وهذا شعور داخلى لم أعبر عنه وقتها، وقلت فى نفسى «مصر تستحق حد أحسن من كده».

■ ألم ترَ هيبة منصب رئيس الدولة فى شخص محمد مرسى؟

- لم أر هيبة منصب رئيس الجمهورية فى «مرسى» أثناء زيارتى له، وكانت لدىّ صورة عن الرئيس المصرى، رأيتها فى الرئيس مبارك ومن قبل السادات وجمال عبدالناصر، وهؤلاء كونوا لنا صورة عن رئيس الجمهورية.

«مرسى» لم يكن لديه هذا الشىء، ولم يكن لديه الثقل الذى يجب أن يكون لدى رئيس الجمهورية، وبعد خروجنا من لقائه قلنا «هذا رئيس وخلاص»، وخرجت من اللقاء بهذا الانطباع.

■ كيف بدأت علاقتك بالسفير محمد رفاعة الطهطاوى؟

- فى أثناء خدمتى بالبحيرة كانت كنيسة ليبيا تتبع إيبارشية البحيرة، وذهبت إلى ليبيا أكثر من مرة وخدمت بها، وفى كل مرة كنت أتوجه إليها كنت أقابل السفير محمد رفاعة الطهطاوى لأنه كان سفيرًا لمصر هناك، وكانت العلاقة طيبة بينه وبين الكنيسة الموجودة فى ليبيا، وكسفير دبلوماسى كان يمارس عمله الطبيعى، وعلاقته بالكنيسة والآباء الكهنة فى ليبيا كانت جيدة.

وشاءت الأقدار أن يكون رفاعة الطهطاوى رئيس ديوان رئيس الجمهورية، وبعد مرور شهرين من التجليس وعقب توالى الأحداث التى كانت مقلقة، زارنى السفير رفاعة وتحدث معى عن التحديات التى تواجه البلد، وكنت منصتًا، وفى آخر الحديث قال لى: «إيه رأيك متيجى تزور الرئيس وناخد صورتين تلاتة.. هناك توتر واعتداءات تمت على بعض الكنائس عايزين نهدى الجو العام».

وقتها غيرت لهجة حديثى وقلت له: «حضرتك عايزنى أبقى ديكور أنا مش ديكور»، وكانت كلمتى واضحة ومباشرة ورفضت طلبه، فقال لى «متاخدهاش كده»، وحزنت وقلت له لا يصح، و«أنا مش ديكور ومش هروح»، فقال لى: «متزعلش مقصدش»، وانتهت الزيارة والموقف.

■ خلال احتفالات عيد الميلاد.. كيف تواصل معك محمد مرسى؟

- «مرسى» لم يشارك فى احتفالات عيد الميلاد، واكتفى فقط بالتواصل هاتفيًا معى، وكانت مكالمة تقليدية يُقال فيها المتداول فى أى مناسبات، وكان حديثه «بلا مشاعر»، فقد كان يؤدى الواجب فقط، حتى يظهر فى الأخبار أنه فعل ذلك.

والكلمة لا تخرج من اللسان فقط، ويجب أن تنبع من القلب أيضًا، حتى تظهر فيها المشاعر الخاصة بها.

■ كيف تعامل الأنبا باخوميوس مع لجنة إعداد «دستور الإخوان»؟

- الأنبا باخوميوس باعتباره المسئول فى هذا الوقت، أخذ قرارًا بالانسحاب من اللجنة التأسيسية لإعداد الدستور فى عهد الإخوان، لأنه شعر بأن المناقشات جميعها تسير فى اتجاه بعيد عن الوطنية، ودون مراعاة أن مصر شعبها مسلم ومسيحى.

ولم تكن الجمعية التأسيسية تراعى هذا النسيج، وكان يتم إهمال الجانب المسيحى أو الجانب القبطى فى النقاشات، وصبغ الدستور كأنه لا وجود للأقباط فى مصر، وهذا كان أمرًا مؤلمًا جدًا؛ ولهذا تم الانسحاب من لجنة إعداد الدستور وكان قرارًا حاسمًا جدًا.

■ ما كواليس لقائك الأول مع الرئيس السيسى؟

- هناك فارق كبير بين لقائى الأول مع الرئيس المعزول محمد مرسى والرئيس عبدالفتاح السيسى.

كان لقائى الأول مع «السيسى» حين كان يشغل منصب وزير الدفاع، وكنت قد شغلت منصبى منذ ٥ أشهر فقط، وتم اللقاء فى ظل تصاعد الأحداث فى الشارع المصرى.

وتلقيت دعوة من وزارة الدفاع بهدف التعارف، وبالفعل شكلت وفدًا من ٣ أشخاص، وحين أرسلنا الأسماء إلى الوزارة طلبوا منا رفع عدد أفراد الوفد، وبالفعل شكلت وفدًا كبيرًا من نحو ١٢ فردًا من جميع قطاعات الكنيسة، سواء المطارنة أو الأساقفة أو الرهبان أو أساتذة الجامعة أو رجال الأعمال أو السيدات.

وكنت أرى أن هذه الزيارة فرصة كبيرة ويجب استغلالها بأفضل شكل ممكن، واستقبلونا حينها بشكل طيب للغاية، واستغرقت الزيارة نحو ساعتين، رغم أن الوقت المحدد حينها كان نصف ساعة فقط، وشمل الحديث موضوعات عدة حول نظرتنا للدولة، كما أن الفريق أول عبدالفتاح السيسى، وزير الدفاع حينها، تحدث عن التعليم بشكل خاص، وذكر إحصائيات محددة حول ما لدينا من مدارس مصرية وما ينقصنا.

ما نسمعه من الرئيس عبدالفتاح السيسى الآن ليس جديدًا، فهو يحفظ دائمًا الأرقام الخاصة بقضايا الدولة؛ لأن الأرقام دائمًا ما تكون موضحة طبيعة المشكلة أو الموضوع، كما أن جميع أعضاء الوفد المشاركين فى الزيارة توجهوا بأسئلة واستفسارات حول المستقبل والاقتصاد وغيره، وكان الانطباع الأول جيدًا للغاية، وخرجت من هذا الاجتماع مطمئنًا بشأن مستقبل الدولة، وعدنا جميعًا سعداء وبداخلنا أمل بأن هناك مَن يفكر فى مصر.

■ كيف ترى تأثير حادثة الاعتداء على الكاتدرائية فى عهد الجماعة الإرهابية؟

- بعد أيام قليلة من أحداث الخصوص والاعتداءات التى تمت هناك، والتى وصلت إلى بيوت الأقباط والكنيسة، حدثت اعتداءات على الكاتدرائية «الكنيسة الأم»، وتحديدًا يوم ٧ أبريل ٢٠١٣، وكنت موجودًا فى محافظة الإسكندرية حينها، وقلت حينها إن هناك تواطؤًا، وهذا الأمر أزعج العديد من المسئولين حينها.

وكنت أواجه المسئولين حينها بكل حزم حول كيفية الاعتداء على الكاتدرائية، رغم الحراسة الأمنية المشددة عليها، فهى ليست كنيسة صغيرة أو داخل قرية، بل فى العاصمة، فضلًا عن رمزيتها الهامة للدولة المصرية، ولم يحدث فى التاريخ مثل هذه الحادثة، فقد رأينا اعتداءات على كنائس صغيرة وفى أماكن بعيدة، ولكن الاعتداء على الكنيسة المركزية كان أمرًا غير مقبول بالمرة.

وتواصل معى محمد مرسى فى الهاتف بعد وقوع الحادثة، وأخبرنى بأنها مجرد اعتداءات من مواطنين عاديين، ولم أتقبل حديثه تمامًا، خاصة حين قال لى إن الاعتداء على الكاتدرائية هو اعتداء عليه شخصيًا، فلم أصدق ما قاله، وكانت تلك اللحظة صعبة للغاية علينا جميعًا.

■ ما كواليس زيارتك الأولى للفاتيكان فى عهد الإخوان؟

- فى يوم ٣ أبريل ٢٠١٣، وتحديدًا قبل وقوع حادثة الاعتداء على الكاتدرائية فى عهد الإخوان، زارنى سفير الفاتيكان من أجل التهنئة بمنصبى الجديد، وفى نهاية الزيارة، سألنى عن موعد زيارتى للفاتيكان، فأخبرته بأنه ليس لدىّ أى مانع، وحددت يوم ١٠ مايو ٢٠١٣؛ لأن ذلك اليوم يوافق مرور ٤٠ عامًا على زيارة البابا شنودة للفاتيكان فى ١٠ مايو عام ١٩٧٣.

وحين وقعت الأحداث يوم ٧ أبريل، تواصل معى سفير الفاتيكان يوم ٩ من نفس الشهر، وأبلغنى بموافقة الفاتيكان على موعد الزيارة الذى حددته من قبل.

وكانت هذه أول زيارة للبابا الجديد خارج مصر، فى ظل تصاعد الأحداث الإرهابية داخل الدولة، وهذه الفترة كانت تتزامن مع عيد القيامة، وكانت فترة مشحونة للغاية علينا جميعًا.

■ كيف جاءت مبادرتك لزيارة «مرسى» يوم ١٨ يونيو ٢٠١٣ مع شيخ الأزهر؟ وكيف كان اللقاء؟

- قبل ١٨ يونيو ٢٠١٣ كنت أقابل الناس من كل الأعمار، ومن داخل مصر وخارجها، فبابى دائمًا مفتوح للجميع، وكان السؤال الذى يتكرر منذ بداية شهر يونيو هو «إيه اللى هيحصل يوم ٣٠؟»، فنحن نسمع أخبارًا وروايات وأحداثًا.

وأريد أن أذكر شيئًا، بما أنها شهادة، فقد كان وقتها افتتاح مجلس الشورى، وسيفتتحه الدكتور مرسى، فذهبت مبكرًا، وكان نائب الرئيس، وهو المستشار محمود مكى، موجودًا، فرحب بى، وكنا بمفردنا، وتكلم معى فى حديث طويل جدًا عن المحبة، وقد سمعته للنهاية، ثم قلت له: «فيه شىء أهم من المحبة»، فانزعج من رد فعلى، وسألنى: «إيه أهم من المحبة؟»، فقلت له: «الثقة.. ثقتى أنا كمواطن فى حضرتك كمسئول»، فالرجل سمع منى الكلمة وصمت ولم يرد حتى.

وأذكر أنه قبل التجليس كنت فى دير الأنبا بيشوى، وقابلت هناك مجموعة من الصحفيين يمثلون صحيفة «الحرية والعدالة»، وقالوا: «عايزين نعمل حوار مع البطريرك الجديد»، وسألوا بعض الأسئلة وكنت أرد، ثم قالوا: «السؤال الأخير.. إنت عاوز إيه من حزب (الحرية والعدالة)»؟، فصمتُّ قليلًا ثم قلت: «عاوز حاجتين.. الحرية والعدالة»، فلموا ورقهم ومشيوا.

ومن كثرة أسئلة الناس عن ماذا سيحدث يوم ٣٠ يونيو قلت سأتصل بفضيلة الإمام شيخ الأزهر، وهو شخص عزيز علينا، ونذهب معًا للاطمئنان على البلد، وبالفعل أجرينا الاتصالات، وتم تحديد يوم ١٨ يونيو الساعة ٤ للمقابلة لمدة ساعة، وذهبنا وجلسنا مع الدكتور مرسى.

وطوال تلك الساعة كاملة كان الدكتور مرسى هو من يتكلم، وقد تحدث فى العديد من الأمور، لكن أتذكر أمرين، فقد قال: «عملنا ترعة فى سيناء، وهى ترعة السلام، وده مشروع مش نافع والبخر فيه عالى ومش هيفيد الأرض»، أى كان يتكلم عن المشروعات الفاشلة، والأمر الثانى هو أنه قال: «ضبطنا شخص معه ٦٠٠ ألف قرص ترامادول»، وكان الحوار كله فى هذا الإطار الذى ليس له معنى، ثم قال: «محدش عاوز يشتغل، وكل ما نطلب شخص يمسك مسئولية معينة يرفض»، وكان يريد تصدير فكرة المظلومية.

ووجدنا «إن الساعة هتخلص من غير ما نوصل لإجابة عن السؤال اللى إحنا جئنا بسببه».

بعد ذلك، أنا تحدثت، وكانت هناك بنت مسيحية، وهى مُدرسة فى الأقصر قد اتُّهمت بازدراء الأديان، وحُكم عليها بغرامة ١٠٠ ألف جنيه، وكان رقمًا كبيرًا وقتها، فقلت للدكتور مرسى: «فيه واحد مسلم اتهم بازدراء الأديان اتحكم عليه بـ٣ آلاف جنيه فقط»، ففاجأنى بإجابة عجيبة وقال لى: «١٠٠ ألف جنيه.. أدفعهم لك».

وسألت نفسى: «هو أنا جاى أشحت منك؟»، فهذا ليس الموضوع، فأنا أتكلم عن فحوى الحكم، وهذا الأمر أسقطه من نظرى لأنى لم أكن أتوقع تلك الإجابة أبدًا، فأنا هنا أتكلم مع رئيس الجمهورية فى موضوع فى صلب المواطنة والعدالة والقانون، وكان هذا الرد تنقصه اللياقة، وبعدها قلت لنفسى: «خلاص مفيش حاجة أتكلم فيها».

وأذكر أن فضيلة الإمام تحدث أيضًا عن بعض الأمور التى تخص طلاب الأزهر، وفى النهاية سألناه: «ماذا سيحدث يوم ٣٠؟»، فقال: «أبدًا.. هييجى يوم ٣٠، وبعده يوم ١ و٢، وخلاص، ولا حاجة هتحصل».

وكان شعورى الشخصى فى هذه اللحظة، وأعتقد أنه أيضًا شعور فضيلة الإمام، أن محمد مرسى كان مغيبًا تمامًا عما يحدث فى الشارع، فنحن نتعامل مع الناس ونشعر بالغليان فى الشارع، لكن هو لم يكن يشعر أبدًا بذلك، وأدركت أنه لا فائدة من الحديث معه.

■ هل أخبروكم بعد لقاء مرسى بأن على كل شخص أن يركب سيارة منفصلة؟ هل تذكر هذا الموقف؟

- أتذكر هذا الموقف نعم، لكن محدش وجّه لى أنا شخصيًا هذا الأمر، أنا ركبت عربيتى للكاتدرائية لأنها فى اتجاه، واتجاه فضيلة الإمام هو اتجاه آخر، لكن مفيش حد وجّه لى هذا التوجيه.

■ هل كان يزعج الإخوان حالة التقارب بين الأزهر والكنيسة؟ 

- ربما هذا الأمر كان يزعجهم، خصوصًا أنه كانت هناك أحداث فى الأزهر، لكن هناك «كيميا» وتوافقًا كبيرًا جدًا بين قيادة الأزهر والكنيسة، فأنا أجل فضيلة الإمام وأحترمه جدًا، وهو يزورنا وأزوره، وحديثه حلو وعلاقتنا طيبة للغاية.

وقد انصرفنا بعد لقاء «مرسى» ونحن منزعجون، لأن أعلى رأس فى الدولة ليست لديه إجابة عما سيحدث يوم ٣٠ يونيو، وقال: «يوم وهيعدى»، وأدركنا أنه مغيّب تمامًا عن الواقع، لأن إجابته كانت بعيدة تمامًا عما نراه فى الشارع وسط الناس.

■ كيف رصدت الحراك والأحداث فى الفترة من ١٨ يونيو حتى يوم ٣ يوليو ٢٠١٣؟

- أكتر حاجة كانت مفرحانى ولفتت انتباهى، وقت نزول الناس فى الشوارع وقت ثورة ٣٠ يونيو، هى أن الناس عندما كانت تزورنى كانوا يمسكون بعلم مصر فى إيديهم، وهذه صحوة جديدة على المصريين، فالصغير ماسك علم، وكذلك الكبير، وهم فخورون بالعلم، وهذا لم يكن موجودًا خلال السنوات الماضية، فهناك علم كبير نحييه وخلاص، لكن أن يبقى على المستوى الفردى بهذه الصورة فقد كانت هذه حاجة جميلة جدًا.

والغليان كان يتزايد فى الشارع، لأن «مفيش وضوح لأى شىء»، وهناك ضبابية، والرئيس يصدر خطابات وعبارات مثل «خطاب الشرعية» بلغة صعبة، وطريقة لا تصلح لإدارة بلد بحجم مصر.

■ هل بعض الدوائر الغربية والسفراء تحدثوا مع قداستك بشأن الأحداث؟

- أتذكر أن بعض السفراء، يمكن سفير أو اتنين، زارونا لاستيضاح الأمر، وكانت الصورة قد بدأت تزداد سوادًا، وبدأ يظهر الأمر على حقيقته.

وزارتنا رئيسة المفوضية الأوروبية كاترين أشتون، ومعها وفد كبير، وتناقشت معى وقالت لى: «إزاى؟.. شخص جاى عن طريق الصندوق إزاى ترفضوه؟»، فبدأت أتكلم معها بأن هذه ليست طبيعة مصر، لكن «الست ماكانتش مقتنعة»، فقلت لها بنوع من السخرية: «فى بداية السنة دى فيه جزء من مصر تم بيعه، وهو حلايب وشلاتين، وبعدها بـ٥ أو ٦ أشهر فيه جزء تانى كان على وشك يتباع، اللى هو سيناء»، وقلت لها: «أنا خايف تيجى تزورينا المرة الجاية متلاقيش المكان اللى إحنا قاعدين فيه»، فالست ضحكت والوفد ضحك وانتهى الأمر.

■ جماعة الإخوان لم تتوقف عن محاولات التودد للكنيسة.. فكيف رأيت ذلك؟

- جاءنا مسئول الإعلام فى الجماعة وتحدث بكلام ناعم إلى أقصى درجة، لكن كان الكلام غير مقنع، وقال: «إحنا هنعمل وهنسوى»، وهى أحلام ولا شىء، فالإخوان كانوا يحاولون طوال الوقت التقرب منا، من خلال ادعائهم بأنهم يهتمون بنا، وأن الكنيسة المصرية غالية عندهم، وكانوا يتصورون أننى سأقتنع بهذا الكلام حول رؤيتهم للكنيسة، لكن ما فى القلوب كان معروفًا للجميع، والأحداث والاعتداءات التى تمت على الكنيسة بعد ذلك أظهرت حقيقة الأمر.

وخلال العام الذى شهد حكم الإخوان لم ألتقِ بأى أعضاء فى الجماعة أو مرشد الجماعة، ولكنى التقيت فقط بالمسئول الإعلامى لديهم. 

■ ما كواليس حضورك اجتماع وزارة الدفاع يوم ٣ يوليو ٢٠١٣؟

- فى يوم ٣٠ يونيو كنت موجودًا فى فندق «كينج ماريوت»، وهو المقر الذى كنت أخدم منه فى الإسكندرية، لوجود الكنيسة المركزية المرقسية فى منطقة وسط البلد المزدحمة هناك، وكنت مستقرًا هناك حتى يوم ٣ يوليو.

فى هذا اليوم تواصلت معنا وزارة الدفاع المصرية حتى نحضر اجتماعًا فى نفس اليوم فى الساعة ٣ عصرًا، وأبلغونى بأن هناك طائرة فى مطار برج العرب سأستقلها للوصول إلى القاهرة سريعًا، وبالفعل وصلت قبل موعد الاجتماع، وكان هناك حوالى ٢٠ شخصًا، ثم وصل وزير الدفاع الفريق أول عبدالفتاح السيسى «وقتها»، والفريق صدقى صبحى، رئيس الأركان، وبدأ الاجتماع واستعراض الأحوال فى الدولة.

وبدأ كل شخص منا يتحدث حول رؤيته لمستقبل البلاد، وتم تلخيص الآراء جميعها، ثم تم تجميعها لتحديد ما سينفذ منها، وأُعطيت للمستشار القانونى حتى يصغها قانونيًا، ثم لشيخ الأزهر حتى يراجعها لغويًا، وطلبوا منا أن يقول كل شخص كلمة فى حدود دقيقتين، وتحدثت حينها فى الاجتماع دون أى تحضير للأمر.

■ كيف قمت بإعداد كلمتك فى بيان ٣ يوليو؟

- كلمتى فى بيان ٣ يوليو لم يتم إعدادها من قبل، وقررت حينها ارتجال الكلمة، وتأملت وقتها فى علم مصر، وقلت ما معناه إن علم مصر يجمعنا، فاللون الأبيض يشمل سكان البحر الأبيض المتوسط، واللون الأحمر يشمل البحر الأحمر، واللون الأسود يشمل نهر النيل، واللون الأصفر للقوات المسلحة المصرية التى تعيش فى الصحراء، وكان وقت كلمتى دقيقتين فقط.

ولم أتردد لحظة فى الموافقة على كل ما تم الوصول إليه فى اجتماع ٣ يوليو وإذاعة البيان الشهير، فالحديث كله كان يسير فى طريق الوطنية المصرية، والخطوات التى تم عرضها علينا واتُخذت كان هدفها الرئيسى هو إنقاذ مصر، وكانت خطوات عاقلة ومنطقية وضرورية وحاسمة.

ومن أكثر الأمور الجميلة التى أتذكرها أنه عندما أنهينا جميعًا كلماتنا فى بيان ٣ يوليو تعانقنا جميعًا بشكل لا يُنسى، كتعبير عفوى تمامًا، وبعد إذاعة بيان الفريق أول عبدالفتاح السيسى جلسنا على مائدة الطعام لنتناول وجبة العشاء، ثم عدت بالطائرة إلى الإسكندرية.

وحينها، قال لى قائد الطائرة إنه سيهبط بالطائرة قليلًا حتى أرى بعينى فرحة المصريين فى الشارع يوم ٣ يوليو، ولن أنسى مشهد السعادة الغامرة بين المواطنين والزغاريد والأنوار والهتافات الجميلة.

■ كيف رأيت الاعتداء على الكنائس فى وقت واحد بعد فض اعتصام رابعة؟

- عندما انتهى مشهد ثورة ٣٠ يونيو وبدأت مصر عهدها الجديد كان رد الفعل من جماعة الإخوان مؤلمًا للغاية، وتحديدًا فى شهر أغسطس ٢٠١٣، بعد فض رابعة مباشرة، كونهم استهدفوا الكنائس بشكل كبير فى وقت واحد، وأحرقوا أعدادًا كبيرة منها فى مختلف محافظات الجمهورية، وكنت أرى هذه الأحداث البشعة لأول مرة فى حياتى.

وكنت فى وضع حرج للغاية خلال تلك الفترة، فلم أكن أعلم ما المفترض أن أقوم به لحماية الكنائس المصرية، وكنت فى أكثر المواقف حيرة فى حياتى، كما أننى متأكد أن من يفعل ذلك ليسوا أشقاءنا المسلمين الذين نعيش معهم، كما كان يراودنى شعور بالخوف ليس له حدود فى واقعة الاعتداء على الكنائس من أن يحدث أى شىء.

وقررت فى هذه اللحظة أن أقول كلمتى: «إذا حرقوا الكنائس.. سنصلى مع إخوتنا فى المساجد، وإذا حرقوا المساجد سنصلى سويًا فى الشوارع»، وقلت: «وطن بلا كنائس أفضل من كنائس بلا وطن»، وكنت أبعث من خلال هذه الكلمة رسالة ضمنية حول أن أشقاءنا المسلمين ليسوا من اعتدوا على الكنائس، وأن الاعتداء هو علينا جميعًا.

وكان مشهد ما حدث من اعتداءات وتدمير فى سوريا أمامى طوال الوقت، بالتزامن مع الاعتداء على الكنائس المصرية فى مختلف أنحاء مصر، لأن خوفى على الوطن كان شديدًا للغاية.

■ ما كواليس لقائك الأول مع الرئيس المستشار عدلى منصور؟

- حين أصبح المستشار عدلى منصور رئيسًا مؤقتًا للبلاد قام بزيارة الكنيسة فى عيد الميلاد عام ٢٠١٤، وكان حديثه وخطاباته وأسلوبه تعبر عن أنه الشخص الذى يصلح للدولة المصرية فى ذلك الوقت، فهو قامة كبيرة، وكان يليق بمصر، كما أن الله وضع حبًا كبيرًا فى قلوب المصريين لهذا المستشار الجليل.

وحين أنهى المستشار عدلى منصور فترة الرئاسة وقدّم خطابه الأخير، الذى يجب أن يُدرس فى كل مكان، وقد قرأته أكثر من ٨ مرات كونه يتسم بالأسلوب المميز والمحتوى والرؤية الخاصة به، قمنا باستقباله داخل الكنيسة، وتم إعداد احتفالية كبيرة له بعد إنهاء فترة توليه حكم البلاد.

■ قبل أن يعلن المشير عبدالفتاح السيسى عن ترشحه وقتها.. هل كنت مهمومًا بمن سيأتى؟

- قبل مجىء الرئيس السيسى تكوّنت لدينا، ولدىّ أنا بصفة شخصية، صورة عمّن هو الفريق عبدالفتاح السيسى، من خلال الزيارة التى قام بها الوفد الكنسى، بالإضافة إلى لقاء ٣ يوليو، وتكونت صورة إيجابية متفائلة جدًا حول أنه شخص مناسب جدًا، وما شعرنا به هو ما حدث.

وعندما تقدم الفريق عبدالفتاح السيسى إلى الانتخابات الرئاسية وتمت الانتخابات كان نجاحه باهرًا، وهنا كان الميزان قد اعتدل.

■ هناك مقال أثار عليك الكثير من الهجوم، وهو مقال «قول نَعم يزيد النِّعم» وكان ذلك قبل الانتخابات الرئاسية وأثناء الاستفتاء على دستور ٢٠١٤.. فما كواليس هذا المقال؟

- مناقشات الدستور والإعداد له كنا مشاركين فيها بأعضاء، وكان يوجد بها نيافة الأنبا بولا، والمستشار منصف، وقد تناقشا باعتبارهما ممثلين عن الكنيسة، وعندما كانت توجد موضوعات بها تساؤلات كان يتم سؤالنا من خلال عقد حلقات للتشاور، وأخيرًا فإن الهيئة التى ناقشت الدستور قامت بتقديمه، ومن ضمنهم مندوب الكنيسة أو ممثل الكنيسة.

وقد كتبت مقالة «قول نَعم يزيد النِّعم» لأننا ككنيسة شاركنا فى إعداده ووافقنا عليه، وبالتالى يبقى أن تقول «نعم»، وبالتالى فإن هذا المقال يعتبر تحبيذًا لموقف ما وليس دفعًا إليه، فأنت حر بقول نعم أو لا.

ورأيت أن قول «نعم» هى باب للمستقبل والنِّعم والاستقرار، فالاختيار أولًا للدستور ثم الرئيس ثم البرلمان، وكلها أساسيات فى استقرار البلد، وبالتالى كان ذلك الهدف الرئيسى من المقال، لأنه يجعل لديك رؤية متفائلة للمستقبل. 

■ المستشار عدلى منصور قال لقداستك إنه جاء للكنيسة للتهنئة فى عيد الميلاد حتى يفعل من يأتى بعده مثله، وحدث ما هو أكثر مع دخول الرئيس السيسى إلى الكنيسة والوقوف إلى جوار قداستك للتهنئة أثناء قداس العيد.. فما كواليس هذه الصورة؟

- فى ليلة العيد ظهر بعض الكلام والخلاف حول مجىء الرئيس للكنيسة من عدمه، لأن الرئيس وقتها كان فى زيارة للكويت، وبالتالى فهو مسافر، أى أنه لن يأتى.

وعندما بدأت الكاتدرائية فى الاستعداد للقداس واستقبال المصلين، بدأت تأتى الشرطة للتأمين والإجراءات العادية، ثم زادت الإجراءات بعض الشىء، وبالتالى زادت احتمالية مجىء الرئيس، وهو ما حدث بالفعل، حيث جاء السيد الرئيس إلى الكنيسة وكانت الفرحة لا توصف. 

وقد جاء الرئيس السيسى ودخل إلى الكنيسة، وكان اليوم جميلًا، فهذا لم يحدث من قبل، وكانت البداية جميلة جدًا، فلم يحدث أن رئيس الجمهورية يأتى فى ليلة عيد الميلاد التى تكون دائمًا فى أول السنة، وهذه اللحظة كانت فارقة.

وأعلم أن هذه اللحظة كانت خبرًا مهمًا فى وكالات الأنباء الدولية، لدرجة أنه فى بعض الدول الرئيسية، وحتى عندما كان رؤساء هذه الدول مشغولين فى اجتماعات، كان يتم إدخال الخبر إليهم، وهو أن الرئيس السيسى المسلم زار الكاتدرائية فى عيد الميلاد القبطى، وهو موقف عظيم جدًا، ويبين رؤية القائد والمسئول والرئيس لطبيعة شعبه، كما أن الرئيس لا يتحدث عن المواطنة وإنما يمارسها.

والعيب فيما سبق هو أنه كانت توجد انحيازية فى الكلام، فمن الممكن أن أتحدث معك كإنسان على مستوى ثقافى ووطنى، لكن عندما يكون الآخر منحازًا دينيًا ويتحدث من واقع دينى فى كل شىء فهذا يعنى أنه غير متقبل الآخر. 

وإحساس المواطنة والمساواة هو إحساس فى غاية الأهمية فى العمل وإدارة بلد كبير مثل مصر، لأن المكون المسيحى والمكون الإسلامى والمكون الفرعونى القديم يشكل مصر، وقد ظهر ذلك عندما تم الاحتفاء بكتاب الدكتور «ميلاد حنا»، وهو كتاب «الأعمدة السبعة للشخصية المصرية»، كما كان يوجد احتفاء به على مستوى الرئيس نفسه.

لذا، فزيارة الرئيس إلى الكاتدرائية فى عيد الميلاد كانت مفاجئة ومبهرة ومدهشة، وتحمل كل المعانى الجميلة، كما أنها أضافت إلينا فرحًا فوق فرح العيد، وأسست لعهد جديد، خاصة أنها تأتى فى بداية العام الجديد، وفى أول احتفال لنا فى السنة الجديدة.

■ كانت هناك زيارة أخرى من الرئيس السيسى للكاتدرائية مثّلت مفاجأة سارة للكنسية فهل تحدثنا عنها؟

- كان قد حدث اعتداء على الكنيسة البطرسية فى ديسمبر من عام ٢٠١٦، وفى عام ٢٠١٧ طلبونا قبل مجىء الرئيس السيسى، وقالوا إن السيد الرئيس سيدخل مع قداسة البابا إلى الكنيسة، ووصل بموكب كبير، وانتظرته فى الخارج أمام الكاتدرائية، ثم دخلنا مع بعضنا.

ونحن داخلون اعتذرت لسيادة الرئيس لأنه توجد «سقالات» تأخذ مساحة كبيرة فى الكنيسة، لأننا نقوم بعملية تجديد، لنحتفل فى عام ٢٠١٨ بمرور خمسين سنة على تأسيس الكاتدرائية، فقال لى: «أنا هأقولكم على مفاجأة فى الداخل»، وظللت أفكر فى المفاجأة التى يمكن أن يقولها لى رئيس الجمهورية، فدخل وأعلن عن بناء كاتدرائية ميلاد المسيح فى العاصمة الإدارية الجديدة، لكن المفاجأة الأكبر هى أنه قال إن العام المقبل سوف نصلى بها، وهو أمر صعب ولم يكن ليحدث لولا دعم الرئيس السيسى.

وقد وعد الرئيس وأوفى بوعده، وصلينا فى الجزء الأول الذى تم بناؤه بالكاتدرائية، وفى عام ٢٠١٩ كان الافتتاح الكامل بحضور فضيلة الإمام الأكبر والرئيس الفلسطينى محمود عباس «أبومازن»، وقد كان يومًا فى منتهى الروعة.

■ كيف يفكر البابا تواضروس الثانى فى شئون الوطن؟ وما هى المحددات لقرارك؟

- صالح الوطن، لكن قبل صالح الوطن فإن سلام الوطن يأتى أولًا، والسلام هنا أقصد به السلام المجتمعى، وهذا أول ما أفكر فيه دائمًا حتى لو جئت على نفسى، وحتى لو «استحملت شوية» لكن فى النهاية السلام هو أهم شىء، سلام البيت والشارع الذى أسكنه، سلام المدينة، سلام المدرسة التى أدرس بها، السلام هو القيمة الأولى التى يجب أن نحافظ عليها.

ثانيًا، ليس هناك مانع فى أن الإنسان يعلن ويتكلم عما يشغله، فأنا أتكلم مع كل الهيئات وكل المسئولين الذين يأتون لزيارتنا، وفى إحدى المرات كان السيد وزير الداخلية يزورنى، وأثناء جلوسنا مع قيادات الشرطة قلت له إنه توجد منطقة فى الطريق بها مبنى مهجور وأنا لا أعلم ما هذا المبنى، وبعد نصف ساعة أوضح لى ماهية المبنى وما سيؤول إليه، فهذا هو الصالح العام، وأى شىء أتحدث فيه بحرية كاملة وأنا أضع أمامى صالح الوطن وصالح الكنيسة.

ونحن كمصريين كلنا شعب متدين، وهذا التدين يأتى من العبادة، فمصر كأنها معبد كبير منذ أيام الفراعنة وفى العصور المسيحية والعصور الإسلامية، فهى فى النهاية معبد كبير، ونحن شعب متدين بالطبيعة.

والفراعنة لم يتركوا لنا سوى معابد وأهرامات، فهم لم يتركوا لنا قصورًا فخمة مثل تلك التى نراها فى أوروبا، لكنهم تركوا لنا معابد ومقابر، فالمعابد للحياة الحاضرة والمقابر للحياة الأبدية.

وأى معبد به أعمدة، فهى التى تشكل كيان المعبد، وأى مسجد أو كنيسة تدخله ستجد فيه أعمدة، وهذه الأعمدة هى مختصر الحياة المصرية، بمعنى أنه يوجد عمود اسمه الثقافة، وعمود اسمه الفن، وآخر اسمه السينما، وعمود اسمه الشرطة، وآخر اسمه الجيش، وعمود اسمه الكنيسة وآخر اسمه الأزهر.. إلخ، ومجموع هذه الأعمدة كلها هو ما يشكل مصر، ولا يمكن الاستغناء عن أى عمود، فإذا تم الاستغناء عن أى عمود يسقط المبنى، وكلما كانت هذه الأعمدة قوية، كانت مصر قوية، وهذا شىء فى غاية الأهمية، ويعلمنا ألا نستبعد أى شىء أو أى شخص.

■ ما حقيقة هجرة الأقباط خارج البلاد أيام حكم مرسى؟

- زارنا وفد أمريكى فى ظل الأحداث الإرهابية عام ٢٠١٣ وكان يشمل ٨ أفراد، منهم سيدتان، وكان الوفد يتابع الاعتداءات التى تعرضنا لها داخل الكنيسة والكاتدرائية، ويستفسر عن رد فعلنا كأقباط حول ما حدث، وحاولت حينها إخبارهم بأن الكنيسة لا تعادى الوطن، ونعلم جيدًا أن جميع من ماتوا هم شهداء. وقررت حينها توزيع الحلوى على هذا الوفد، وكان أفراد الوفد متأثرين بما يحدث، وشرحت لهم أن الكنيسة القبطية هى كنيسة الشهداء، وأننا نعلم جيدًا أن هناك طرفًا ثالثًا يتسبب فى مثل هذه الأحداث الإرهابية، وربما تكون هذه الأحداث بسبب السلطة التى تترأس الحكم حينها أو التسيب الأمنى فى الشارع. وعدد كبير من الأقباط المصريين طلب الهجرة خارج البلاد أيام حكم مرسى، وبعضهم ذهب إلى بلاد كنا نسمع عنها لأول مرة، مثل جورجيا، التى لم يكن فيها قبطى واحد، فقد كانوا يريدون فقط البعد عن خطر الإرهاب، وكنت فى حيرة شديدة من الرد عليهم فى هذه الأمور، لكن الآن، حين يحدثنى أحد عن ترك مصر، أرفض هذا الأمر تمامًا؛ لأن قناعتى الشخصية أن مصر ستكون قريبًا أفضل من دول عدة حول العالم، كما أنه بعد استقرار الأوضاع فى مصر، عاد عدد كبير من الذين هاجروا فى عهد الإخوان.