رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

فخ الأضاحى الرخيصة.. جمعيات مجهولة تنصب على المصريين بقناع العمل الخيرى فى إفريقيا

الأضاحى
الأضاحى

مع اقتراب عيد الأضحى المبارك، انتشرت على منصات التواصل الاجتماعى دعوات براقة تغرى المصريين بفرصة ذهبية للتضحية بأسعار زهيدة، هذه الدعوات تروج لفكرة ذبح الأضاحى فى دول إفريقية عبر جمعيات مجهولة، بحجة انخفاض تكلفتها مقارنة بالأسعار فى مصر.

لكن وراء هذه العروض المغرية، تكمن قصص مأساوية لمواطنين وقعوا ضحية لعمليات نصب واحتيال منظمة، فقد تلقت الجهات المختصة العديد من الشكاوى من مواطنين تعرضوا للخداع تحت ستار ذبح الأضاحى وعمل العقائق أو حفر الآبار، حيث اختفت الجمعيات بأموالهم بعد تحويلها إليها.

فما حقيقة هذه الجمعيات المجهولة؟ وكيف تمكنت من استغلال نوايا الخير لدى المصريين لتنفيذ عمليات النصب؟ وما التحذيرات التى أطلقتها الجهات الرسمية بشأن هذه الظاهرة الخطيرة؟ وكيف يمكن للمواطنين حماية أنفسهم من الوقوع فريسة لهذه الجمعيات المشبوهة؟

الأسعار تبدأ من ١٦٥٠ جنيهًا للماعز وتصل إلى 17 ألفًا و500 جنيه للأبقار والجاموس 

تواصلت محررتا «الدستور» مع عدد من الجمعيات والصفحات التى تدّعى أنها تنفذ عمليات ذبح الأضاحى فى دول إفريقية، ووجدتا أن مسئولى هذه الجمعيات طلبوا تحويل الأموال على محافظ إلكترونية أو من خلال تطبيق «إنستا باى».

الجمعية الأولى تُدعى «أ. ع. إ»، التى تواصلنا معها من خلال رقم «واتس آب» الذى خصصته للتواصل مع مسئول الجمعية لجمع التبرعات، الذى أوضح أن آخر وقت لحجز الأضحية يوم وقفة عرفات، وبسؤاله عن آلية التأكد من صدقهم، وما إذا كانت هناك إيصالات تثبت دفع المبلغ المطلوب، أجاب: «التحويل يكون من خلال محفظة إلكترونية، والمستلم سيبلغك باستلامه المبلغ، كما أنه يجرى تصوير فيديو أثناء الذبح باسمك».

وعن الأسعار، أرسل قائمة بها وقال إنها محدثة بتاريخ ٢٨ أبريل الماضى، وهى: ماعز ١٦٥٠ جنيهًا، والضأن ٢١٠٠ جنيه، والأبقار ١٠ آلاف و٥٠٠ جنيه، والعجول ١١ ألفًا و٢٠٠ جنيه، وسهم البقرة ١٥٠٠ جنيه، وسهم العجل ١٦٠٠ جنيه، مع التأكيد على الشروط الشرعية للأضاحى، والتوزيع على المستحقين فى دول إفريقية، وتوثيق عمليات الذبح والتوزيع بالصور ومقاطع الفيديو، أيضًا تنفيذ الأضاحى بأسبقية الحجز من خلال استلام نصف ثمن الأضحية المطلوبة، تفاديًا للتغيير فى الأسعار خلال الفترة المقبلة، وذلك دون توضيح الدولة التى ستذهب إليها تلك الأضحية.

الجمعية التالية كانت تحمل اسم «س. ر»، وأوضحت المسئولة التى تواصلنا معها أنه لا يوجد مقر لها فى مصر، وأنها مقيمة فى محافظة الإسكندرية وتتولى بنفسها جمع الأموال وإرسالها لدولة تنزانيا، حيث توجد مجموعة من الشباب المصريين فى إحدى المزارع لإتمام عمليات شراء وذبح الأضاحى وتوزيعها، وبالتالى من الصعب استخراج أى إيصالات للعميل، لكن يجرى التوثيق وإرسال فيديو الذبح موضح فيه الاسم والتاريخ، كما يجرى ذبح الأضاحى فى الموعد المحدد لها شرعًا من بعد صلاة العيد حتى مغرب اليوم الرابع، ثم إرسال الفيديوهات ليتحلل الحاج من إحرامه ويقص أظافره، إذا كان فى الأراضى المقدسة يؤدى فريضة الحج.

وعن آلية التحويلات المالية، قالت إنها تجرى من خلال المحافظ الإلكترونية أو تطبيق «إنستا باى»، وفى محاولة منها لكسب ثقتنا، قالت: «مقدرة التشكيك فى صدقنا فى أول تعامل بيننا، لكن لو كانت الأضحية بهدف التصدق على الفقراء لكنت أجلت طلب المال منكما إلى بعد التنفيذ، لكن الأضاحى بالحجز وسعرها كل يوم فى زيادة».

جمعية ثالثة تواصلنا معها باسم «م. ر»، وأخبرنا المسئول عنها بأن مقرها فى دولة «تنزانيا»، وأن إرسال الأموال يجرى من خلال المحافظ الإلكترونية، وأن ذبح الأضاحى يجرى خلال أيام العيد، والتوثيق من خلال فيديو للذبح يجرى إرساله رابع أيام العيد، وأن آخر يوم لاستلام قيمة الأضاحى أول ذى الحجة، موضحًا أن العميل يحول المبلغ ثم يرسل صورة التحويل والرقم الذى تم التحويل منه، ليتبعه التنفيذ فى اليوم التالى مباشرة من الدفع.

وعن أسعار الأضاحى، أوضح أن سعر الضأن يبدأ من ٢٢٠٠ جنيه، وسعر الأبقار والجاموسى يصل إلى ١٧٥٠٠ جنيه.

خبير أمن المعلومات: إرسال الأموال إلى محافظ إلكترونية يقلل فرص استردادها أو تحديد هوية المتلقى 

قال شاكر محمد الجمل، خبير أمن المعلومات، إنه لا يجب على المواطنين إرسال أموال الأضاحى إلى أى جهة إلا بعد التأكد من عدد من الأشياء التى يجب أن تتوافر فى أى مؤسسة تعمل على جمع أموال الزكاة والتبرعات، هذه الإجراءات تبدأ أولًا بالوصول إلى موقع رسمى وحسابات موثقة لهذه المؤسسة، ثم السؤال بشكل مباشر عن الرخص الخاصة بمنحهم الحق فى مزاولة هذا النشاط بصورة قانونية.

وأكد أنه فى حالة عدم التحقق من أى من هذه المعلومات أو رفض إدارة الصفحات مثلًا إرسال ما يثبت هويتها، ففى هذه الحالة يجب التوقف على الفور عن التعامل معها، وفى جميع الأحوال يجب إرسال أموال التبرعات إلى حسابات بنكية، حتى يتسنى للمتبرع أو المضحى الوصول إلى أصحاب هذه الحسابات فى حال كان هناك شك فى نزاهة العملية، وعلى العكس عندما يرسل المتبرعون أموالهم عبر المحافظ الإلكترونية فإن هذا الفعل ينذر بصعوبة الوصول إلى أصحاب هذه الخطوط بمجرد إغلاقها والتخلص منها. 

وأوضح أن هناك ضرورة لاستلام إيصال التبرع قبل إتمام عملية الذبح وفى أثناء دفع أموال التبرع وليس بعدها، حتى يتم التحقق من هوية الشخص، واستخدام مثل هذه الإيصالات كأداة لإثبات واقعة النصب فى حال وقعت، وتعزز من موقف الشخص القانونى، وتزيد من احتمالية استعادة أمواله المنهوبة. 

سارة: وعدونى بحفر بئر لوالدىّ.. و«طلعوا بيغيروا اليافطة بس»

من ضحايا تلك الجمعيات سارة نبيل، سيدة ثلاثينية، كانت تفكر فى تقديم صدقة جارية لوالدها ووالدتها الراحلين، وبمجرد التحدث فى الأمر امتلأ هاتفها بإعلانات لجمعيات خيرية تقبل التبرعات بأنواعها، وتعِد بحفر آبار مياه للأشقاء الفقراء فى دول إفريقيا المختلفة. 

لمست الفكرة قلب «سارة»، وتواصلت مع صفحة من الصفحات التى تنشر تلك الإعلانات للاستفسار عن التفاصيل، بعدما وجدت أن مبلغ حفر البئر المعلن عنه قليل جدًا، فى ٢٠١٨ لم يكن يتجاوز ٥ آلاف جنيه.

تقول «سارة»: «رد علىّ مسئولو الصفحة فورًا، وقالوا إنه بإمكانى تحويل المبلغ عن طريق محافظ الهاتف المحمول، فطلبت منهم دليل صدق، ووعدوا بإرسال مقطع فيديو لى بعد الانتهاء من الحفر، مدون عليه اسم المتبرع، كى يطمئن قلبى، ويكون ذلك فى غضون عشرة أيام».

وقبل انتهاء المدة المتفق عليها، أرسلت الصفحة الفيديو، ففرحت «سارة»، وشعرت بأنها أرسلت رسالة مودة وبر لوالديها، ودفعها ذلك إلى متابعة نشاط الصفحة للتعرف على سبل الخير المختلفة، لكن المفاجأة أنها وجدت الكثير من مقاطع الفيديو، كلها لنفس المكان ولكن بتغيير اللافتات فقط، مع تغير زاوية التصوير، موضحة: «طلعوا بيغيروا اليافطة بس». 

وأضافت: «حاولت التواصل معهم ومواجهتهم بما لاحظت، لكن لم يرد علىّ أحد، وبمتابعة التعليقات على الفيديوهات وجدت سيدة أخرى لاحظت الأمر، فتواصلت معها من خلال خاصية الرد على التعليقات.. وبعد دقائق اختفى التعليق والصفحة كلها، فأدركت أننى تعرضت لعملية نصب».

وفكرت «سارة» فى التواصل مع حماية المستهلك وإيجاد سبيل لاستعادة أموالها، غير أنها تذكرت عدم وجود فاتورة لديها بالمبلغ، وأنها لا تعرف مقرًا لهذه الجمعية والصفحة نفسها لم يعد لها أثر، فلم يكن أمامها إلا كتابة منشور تحذر فيه أصدقاءها من التعامل مع مثل هذه الصفحات الوهمية.

عبدالمجيد: أردت إطعام الأطفال فخسرت 7 آلاف جنيه

«أضحية الأمل».. كان هذا هو اسم المؤسسة التى استقطبت عبدالمجيد على، موظف بالمعاش، وأرسلت له رسائل نصية عبر حسابه الشخصى على «فيسبوك»، تحثه فيها على التبرع إلى الفقراء والمحتاجين فى تنزانيا ودول إفريقية أخرى، وأرسلت له صورًا لأطفال إفريقيا الذين يعانون فقرًا ومجاعات تجعلهم أشبه بالهياكل العظمية. 

ونجح الإلحاح فى إقناع «على»، فأرسل لهم مبلغ الصك الذى طلبوه كاملًا، نحو ٧ آلاف جنيه، عن طريق خدمة محفظة الهاتف المحمول، وبعد إرسال المبلغ تواصل مع الرقم ذاته، ليجد الإجابة بأنه عندما يتم الانتهاء من عملية ذبح الأضحية سوف يجرى إرسال رسالة شكر من الأطفال هناك، إضافة إلى الفاتورة الخاصة بالمبلغ.

وانتهى العيد دون أن يصله الفيديو، وعندما تواصل مع الصفحة لم يجد ردًا، ثم أُغلقت الصفحة للأبد، وأدرك «على» أنهم مجموعة من النصابين أنشأوا هذه الصفحة لجمع أموال المتبرعين بالذبح والأضحية فى دول إفريقيا، وما إن انتهوا من جمع ما جمعوه وانتهى عيد الأضحى المبارك، حتى فروا هاربين ليغلقوا الصفحة.

نادية: خدعونا بإرسال صور وفيديوهات كدليل على إتمام الأضحية

القصة الأخيرة روتها نادية عامر، سيدة فى الثلاثينات من عمرها، تقول: «قبل عام تقريبًا، قررنا عمل عقيقة لمولودنا الجديد، وتعاملنا مع جمعية خيرية أرسلت لنا صورًا وفيديو يظهر ذبح الأضاحى وتوزيعها على محتاجين فى إفريقيا، وشعرنا بالرضا لمساهمتنا فى هذا العمل الخيرى النبيل».

وأضافت «نادية»، فى حديثها مع «الدستور»: «بعد شهور، طلب أحد أصدقائنا التوصية بجمعية خيرية لعمل أضحية، فأرشدتهم إلى تلك الجمعية بناءً على تجربتى الإيجابية معهم، لكن الصدمة كانت بعد تحويلهم المبلغ، حيث تلقوا نفس الصور والفيديوهات التى أرسلت إلينا سابقًا، مع تغيير الاسم فقط».

واكتشفت «نادية» ومجموعة من المتبرعين الآخرين أنهم وقعوا ضحية عملية احتيال منظمة، إذ استغلت الجمعية ثقتهم وخدعتهم.

وأعربت عن أسفها لعدم وجود آلية فعالة لاسترداد أموالها أو تقديم شكوى ضد الجمعية المحتالة إلى الجهات المختصة، ما يترك الضحايا دون حيلة، ويشجع على استمرار مثل هذه الممارسات الاحتيالية فى المستقبل تحت ستار العمل الخيرى.

باحث أزهرى: يتوجب على المسلم التحقق من مصداقية الجهة التى يتبرع لها

قال أحمد رجب، باحث أزهرى، إنه لا يوجد مانع شرعى من إرسال أموال الصدقات والزكوات إلى دول إفريقية، أو أى مكان فى العالم، ولكن يتوجب على المسلم التحقق من مصداقية الجهات التى يرسل إليها الأموال. 

وأضاف، لـ«الدستور»، أنه على الرغم من جواز إرسال الزكاة والصدقات إلى أى مكان، غير أن هناك استحبابًا للنظر فى الداخل أولًا ومنح الصدقات وأموال التبرعات للأخوة بالجوار، فى شارعك أو منزلك، فإن لم يكن به محتاج ففى منطقتك ثم مدينتك والدولة بأكملها، وبعدها يمكنك النظر إلى مَن هم بالخارج، مشيرًا إلى حديث رسول الله، صلى الله عليه وسلم: «الصدقة على المسكين صدقة، وعلى ذى القرابة اثنتان: صدقة وصلة». 

خبير قانونى: الحبس 3 سنوات عقوبة الاحتيال

قال حمدى مرزوق، المستشار القانونى، إن عقوبة النصب تتراوح بين الحبس سنة و٣ سنوات بتهمة النصب، وهى تنطبق على تلك الصفحات، لحصول أصحابها على أموال فى مقابل مشاريع وهمية بطرق احتيالية.

وأوضح «مرزوق»، فى حديثه مع «الدستور»: «إذا رفع أحد المجنى عليهم قضية استرداد أموال مع التعويض، فهذا يعنى أن العقوبة ستتحول إلى حبس وغرامة، وتقدير الغرامة متروكة للمحكمة حسبما يتراءى لها».