رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مافيا الخانكة.. «الدستور» تكشف تفاصيل تحرير محاضر بناء مخالف عشوائية تهدد المئات من مواطنى القليوبية بالحبس.. والمحافظ: سنلاحق الفاسدين

مخلفات البناء -
مخلفات البناء - أرشيفية

ماذا يعنى أن تستيقظ صباح يوم لتتفاجأ بإخطار «علم وصول» يبلغك بوجود قضية تحركها مديرية الزراعة بالخانكة ضدك وأنت لست من سكان المنطقة ولا تملك فيها أراضى أو منازل، بل لم تذهب إليها مرة فى حياتك؟!، المفاجأة أن العديد من المواطنين واجهوا نفس المصير، من بينهم كاتب هذه السطور، وأغلبهم صدرت ضده أحكام فعلية وأصبح مطلوبًا للعدالة؛ فى وقت ينعم فيه المتعدى الفعلى بحياة هادئة وهنيئة. 

حصول أحد محررى المحاضر العشوائية على صورة من بطاقتك الشخصية كفيل بتوريطك فى قضية، بل يكفيه فقط الحصول على معلومات تلك البطاقة لكتابة المحاضر وإرسالها فورًا لمجلس المدينة، الذى يخاطب الشرطة لتحريك القضية.

أثناء ذلك، قد يصلك إخطار «علم وصول» على منزلك، وهذا من حسن حظك، وقد لا يصل ولا تعلم بمجموع الأحكام القضائية إلا مصادفة، كما هو الحال مع أغلب المواطنين، بعضهم اكتشف الأحكام الغيابية أثناء تجديد البطاقة أو رخصة القيادة، وآخرون ربما لا يعلمون حتى الآن بالأحكام عليهم.

إخطار مفاجئ من الوحدة المحلية عن اعتدائى على أراضٍ زراعية لا أملكها

القصة بدأت بوصول إخطار «علم وصول» من الوحدة المحلية يبلغنى بوجود محضر تعدٍ على أرض زراعية ضدى فى قرية «عرب العليقات» التابعة لمدينة الخانكة، فذهبت للتحقق من الأمر ظنًا بأنه تشابه أسماء، لكننى تفاجأت بأن بياناتى كاملة على المحضر، برغم أننى لست من سكان المنطقة ولا أملك فيها شبرًا، وكان الرسم «الكروكى» المرفق يُظهر أن الأرض قد تكون تابعة لهيئة الإصلاح الزراعى، لذا خاطبت وزير الزراعة الدكتور السيد القصير، الذى خاطب بدوره رئيس الهيئة الدكتور حسن الفولى، الذى رد علىّ سريعًا بأن الأرض المذكورة لا تتبع الهيئة. 

حينها اتجهت إلى الجهة التى حررت المحضر، وهى إدارة الزراعة بالخانكة؛ لتبدأ المفاجآت، حيث وجدت هناك عددًا من المواطنين يشتكون من نفس الأمر، فأحدهم صادرة ضده أحكام فى ٣ قضايا ومحرر ضده أكثر من ٧ محاضر وجميعها لمنازل وأراضٍ لا يملكها، وكان رد المسئولين فى الإدارة: «هنعمل إيه؟، عددنا قليل وكل مهندس ماسك ٣ أحواض على الأقل، مش هنقدر نتأكد من كل واقعة، لأننا نحرر ٧٠ محضرًا فى اليوم».

طلبت من الإدارة إرسال المسئول عن تحرير المحضر للمكان المتعدى عليه وتحرير محضر جديد ضد المخالف الفعلى، وتقديم هذا المستند إلى النيابة والجهات المختصة، فرفضت ذلك وتعللت بأنها تحتاج تصريحًا من المحكمة، ما يعنى أن المواطن البرىء قد يحصل على حكم بالحبس سنتين وغرامة ٥٠٠ ألف جنيه، ثم يقدم معارضة على الحكم ويقف فى قفص الاتهام ويطلب محاميه تصريحًا من القاضى للإدارة حتى تتحرك وتثبت براءته.

حاولت الحصول على تصريح من مجلس المدينة لمخاطبة إدارة الزراعة فرفض ذلك؛ باعتبار أنه ليس جهة اختصاص، وتواصلت مع مديرة الإدارة وفاء الشيمى التى تفهمت الموقف جيدًا، وحاولت حل المشكلة بكل الطرق الممكنة والمتاحة، لكن الأمر قد خرج من يديها، فالقضية أصبحت فى النيابة وهى جهة الاختصاص الوحيدة حاليًا.

الأمل الوحيد أمامى هو انتظار وصول أوراق القضية لنيابة الخانكة، ثم طلب إفادة بالمتعدى الفعلى موجه لإدارة الزراعة، التى بدورها تسلمنى ما يفيد عدم امتلاكى أى أرض بالمنطقة، وأيضًا صورة من إقرار المتعدى الفعلى، وبالتالى تحفظ النيابة قضيتى.

تقف مديرة الإدارة وفاء الشيمى- التى عُينت فى منصبها منذ فترة قصيرة- فى وجه محاولات عديدة من بعض المهندسين- أحدهم موقوف عن العمل- لتشويه صورتها، مؤكدة أنها تقدمت أكثر من مرة بطلب لإعفائها من تحمل هذه المسئولية وقوبل بالرفض، كما طالبت محافظ القليوبية اللواء عبدالحميد الهجان بزيادة عدد المهندسين لتتمكن من وقف المرتشين والعمل بأقل نسبة أخطاء.

تحرير المحاضر للأبرياء باستخدام صور البطاقات الشخصية لحماية الجناة 

السؤال الدائم والوحيد تقريبًا الذى يسأله أى مسئول بمجرد معرفة الواقعة هو: «منين جابوا البطاقات؟»، والتفسير الوحيد المقبول هو رواية الأهالى أنفسهم عن مصادر «الكاحول»، الذى يُدعى «الهوارى» فى الحصول على البيانات كاملة. ينشر «الهوارى»- حسب المجنى عليهم- شبكة كبيرة من الأشخاص فى أماكن عدة، ويقدم رشاوى بالجملة لهؤلاء فى مقابل الحصول على بيانات وبطاقات المواطنين، فهو معروف لأغلبية الذين يعيشون فى الخانكة، إذا أراد أحد إنهاء أى إجراء سريعًا يذهب إليه ويقدم له مبلغًا معينًا، وقبل أى شىء لا بد أن يصور بطاقته الشخصية ٥ صور على الأقل.

ورغم المعاناة الشديدة والظلم الذى تعرض له الكثير من المواطنين، فإن العديد منهم يرفض نشر حكايته خوفًا من بطش «الهوارى»، حيث قالوا صراحة: «إحنا خايفين منه ده شخص شرانى وممكن يأذينا أو يأذى عيالنا، وفى النهاية هيقول ماليش دعوة واللى يقدر يثبت حاجة يثبتها».

بالنسبة لأهالى المنطقة، فإن حصوله على بطاقاتهم قد يكون مقبولًا ومفسرًا، أما الأمر غير الطبيعى فهو حصوله على بطاقات أشخاص آخرين ليسوا من سكان المنطقة من الأساس، مثلما حدث معى، واستخدامها لتحقيق مصالحه الشخصية وتضخيم ثروته بطرق غير شرعية.

فى إحدى حملات الإزالة، قابل مسئول من إدارة الزراعة بالخانكة، أحد الأشخاص، وسأله عن سبب وجوده فى المكان رغم أنه ليس صاحب المنزل أو الأرض، فرد عليه: «أنا الهوارى»، ما يعنى أن هذا الشخص يتدخل فى كل كبيرة وصغيرة ويسعى بكل الطرق الممكنة لاستمالة الموظفين بطرق ملتوية وغير مشروعة؛ لإعاقة جهود الدولة فى إزالة التعديات والحفاظ على الرقعة الزراعية، وكذلك مساندة المتعدين الحقيقيين ومساعدتهم فى الهروب من العدالة.

محامٍ: لدىّ عشرات الموكلين يعانون من «تلبيس القضايا» وأحكام عن أراضٍ لا يعرفونها

هناك، فى إدارة الزراعة، حيث يجلس العديد من المواطنين أمام الأبواب فى انتظار الحصول على أى ورقة مختومة بختم النسر تثبت أنهم ليسوا أصحاب الأرض، وأن القضايا تخص آخرين، وقف شاب فى الأربعينات من عمره مهمومًا ومتكئًا على الحائط وبجانبه زوجته التى لم تتركه لحظة خوفًا من القبض عليه، ليحكى قصته.

مجدى رشدى جرجس، حرر أحد مهندسى الإدارة ضده ٨ محاضر بـ٨ قضايا مختلفة، حصل فى ثلاث منها على أحكام قضائية بالحبس والغرامة، وينتظر أحكامًا فى القضايا المتبقية، والمفاجأة أن التعديات جميعها لا تخصه، وتخص آخرين.

يقول جرجس: «فوجئت بالأحكام القضائية ضدى ولم يصلنى أى إخطار، سواء من الوحدة المحلية أو الإدارة الزراعية للتحرك قبل وصول القضايا للمحاكم، والآن أنا مطارد وأنتظر حبسى فى أى وقت». وأوضح أن قصته بدأت حين ذهب لتسلم عدادات الكهرباء والمياه من شخص يُدعى «الهوارى» وحدثت مشادة بينهما، توعده الأخير بـ«تلبيسه» قضايا، وهو ما حدث بالفعل، مضيفًا: «أى تصوير جوى للمنطقة سيُظهر بالتأكيد أن المنزل الذى أعيش فيه لم أضع فيه طوبة واحدة منذ ١٠ سنوات، والقضايا الموجودة ضدى ملفقة». 

يقول شقيقه الأكبر صبرى رشدى، تاجر ذهب: «الهوارى أرسل لنا مَن يهددنا ويحذرنا من ذكر اسمه أو الزج به فى الأمر، ونعلم يقينًا أنه يقف وراء توريط شقيقى فى مثل هذه القضايا بالتعاون مع موظفين، وكل ما نطلبه هو محاسبة أى مرتشٍ». 

أبانوب صادق، محامى «جرجس» قال: «لدىّ عشرات الموكلين يعانون نفس الأمر، الكثير منهم لا يعرف شيئًا عن قضاياه».

أحد مسئولى الإدارة الزراعية بالخانكة- رفض نشر اسمه- قال: حررنا ٦ آلاف محضر تعدٍ، لتقديم ٦ آلاف مواطن للعدالة، بوصفهم متعدين بالفعل، فى وقت تعانى فيه الإدارة من قلة عدد المهندسين، وهم ٣ فقط، بعد إيقاف أحد الموظفين وثبوت تورطه فى قضية فساد.

تُظهر الصور الملتقطة بالأقمار الصناعية، التغيرات التى حدثت فى المنطقة خلال فترة زمنية معينة، وهى ما تسمى بـ«المتغيرات»، ما يعنى أن منطقة الخانكة قد شهدت آلافًا من حالات التعدى، وبالتالى يُطلب من الإدارة الزراعية ومهندسيها البحث عن تلك التعديات وأصحابها، ولأن عددهم قليل والمطلوب كثير، فإن الأخطاء واردة.

وهنا يضيف أحمد حسن شاكر، مواطن ثالث يواجه نفس المصير: «قلة عدد المهندسين لا تبرر أبدًا تحرير محاضر عشوائية ضدنا وحبسنا بدلًا من المتعدين الفعليين»، متسائلًا: «كيف ينام هذا الشخص وهو يعلم يقينًا أنه ظلم إنسانًا بريئًا وتسبب فى حبسه؟».

جهود مضنية من نيابة الخانكة لإنقاذ المظلومين 

تبذل نيابة الخانكة جهودًا مضنية لاستئصال فساد مستشر داخل المدينة، ويشيد الكثير من المحامين وأهالى المدينة بالمستشار أحمد حقى، رئيس النيابة، الذى يسعى لملاحقة الفاسدين والمرتشين ومساندة المواطنين الأبرياء الذين تورطوا ظلمًا فى مثل هذه القضايا.

وتراجع نيابة الخانكة أوراق القضايا بمجرد وصولها إليها، والخاصة بمحاضر المجنى عليهم التى تأتى من مركز الشرطة، أما الذين أحيلت قضاياهم للمحاكم فليس أمامهم سوى طلب تصريح من المحكمة موجه لإدارة الزراعة لبيان المتعدى الفعلى.

وبعد أن بدأت «الدستور» حملتها فى التفتيش عن الفساد ونبش أوراق القضايا المحررة ضد المواطنين، نزل المهندسون مع العديد من المجنى عليهم لإعادة المعاينة وإحضار المتعدين الفعليين وأخذ التعهدات والإقرارات عليهم؛ لتصبح جاهزة متى طلبتها المحكمة أو النيابة فى أى وقت.

هل يجب إعادة النظر فى منح الضبطية القضائية لمهندسى الإدارات الزراعية؟

فى عام ٢٠١٧، وبالتحديد فى عهد وزير الزراعة الأسبق عبدالمنعم البنا، فعّلت الوزارة «الضبطية القضائية» لمهندسى حماية الأراضى، وذلك طبقًا لقرار وزير العدل رقم ٧٠٦ لسنة ١٩٩٦، كما سعت لسد ثغرات كانت موجودة فى محاضر المخالفات الخاصة بجرائم التبوير والتجريف والتقسيم على الأرض الزراعية. ولتفادى الأخطاء السابقة، نسقت وزارتا الزراعة والعدل بينهما فيما يخص محاضر التعدى على الأراضى الزراعية، واشترطتا وجود شهادة من الجمعية التعاونية الزراعية معتمدة من الإدارة الزراعية المختصة تتضمن طبيعة الأرض وحالتها قبل وقوع المخالفة لوقف إحالة قضايا حماية الأراضى لمكتب الخبراء وتلافيًا لطول فترة التقاضى وسرعة الفصل فيها.

وفيما يبدو أن السلطة المطلقة الممنوحة لمهندسى الإدارات الزراعية فى تحرير المحاضر ضد المواطنين أصبحت سلاحًا ذا حدين، فهى ضرورية لضبط المخالفين الفعليين وغير ضرورية إذا كانت ستورط الأبرياء فى قضايا جنح، ما يعنى أنه يجب إعادة النظر فى اشتراطات منح تلك الضبطية وضمان النزاهة والشفافية.

رئيس قطاع حماية الأراضى بوزارة الزراعة، الدكتور أحمد يس، أكد أن مهندسى الإدارة لديهم الضبطية القضائية لكنها ليست مطلقة والأمر له ضوابط وشروط، لافتًا إلى أنه سيعيد الحق لأصحابه طالما كان المواطنون غير متورطين فى قضايا تعد بالفعل.

محافظ القليوبية لـ«الدستور»: قلة عدد مهندسى الإدارة لا تبرر ارتكاب الجرائم.. وسنحاسب المتورطين

أكد اللواء عبدالحميد الهجان، محافظ القليوبية، لـ«الدستور»، متابعته تلك الوقائع وتسلمه مذكرة تتضمن تفاصيلها، وكذلك المهندسون المتورطون فيها، متعهدًا بالشفافية التامة والتحقيق مع هؤلاء فيما ارتكبوه من جرائم بحق المواطنين.

وقال: «لا يمكن القبول بمبرر قلة عدد المهندسين، إذ لا يجوز توريط مواطنين أبرياء فى قضايا بمثل هذا الشكل، ومن ثم لا يجوز إعفاؤهم أبدًا من المسئولية، ونفحص حاليًا المذكرات المرسلة من المواطنين المتضررين، وسأتخذ كل الضمانات لعدم تكرار ما حدث».

بدوره، أكد وكيل وزارة الزراعة بالقليوبية، رجب شحات، تكليف لجنة لمراجعة كل الوقائع الخاصة بالإدارة الزراعية فى الخانكة، لافتًا إلى أنه خلال أيام قليلة ستجرى اللجنة حصرًا بالأمر وتتخذ ما يلزم من إجراءات فورية لمحاسبة الموظفين المقصرين وسؤالهم عن أسباب توريط المواطنين بهذا الشكل.

وحدد «شحات» موعدًا لذهاب اللجنة إلى الإدارة الزراعية، وكان فى انتظارها العديد من المواطنين أصحاب تلك الوقائع، إلا أنها لم تأت فى الموعد المحدد، واكتفت المديرية بإرسال مدير حماية الأراضى المهندس محمد عزت للجلوس مع المواطنين فى محاولة لإيجاد حلول لهم. وكل الحلول أمام المواطنين الأبرياء دارت حول «توكيل محام للدفاع عنهم»، خاصة أن القضايا الخاصة بهم أخذت أحكامًا بالفعل والكثير من هؤلاء بسطاء جدًا؛ لدرجة أنهم لا يستطيعون توكيل محامين ذوى خبرة، ما يعنى أنهم سيدفعون الكثير من المال لتبرئتهم فى قضايا لم يرتكبوها.