تهديد "رأس الأفعى".. مصر يجب أن تفكر الآن وتنفذ لاحقًا
بعد النجاح في استصدار قرار من محكمة العدل الدولية تأمر فيه إسرائيل مجددا، في 24 مايو، بوقف هجومها العسكري "فورا" في رفح، رغم أن المحكمة لم تبت بعد في جوهر القضية، وهو اتهام إسرائيل بانتهاك اتفاقية الأمم المتحدة لمنع الإبادة الجماعية عام 1948.
كما أن انضمام مصر والعديد من الدول لدعوى جنوب إفريقيا ضد إسرائيل أمام المحكمة، بالإضافة إلى طلب المحكمة الجنائية الدولية إصدار مذكرة اعتقال بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ووزير دفاعه يوآف جالانت، باعتبارهما يتحملان المسئولية الجنائية عن جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في غزة، يجب أن نعيد التفكير في التعاطي مع الملف بشكل أكثر واقعية وبرجماتية.
إذ إنه يجب التركيز في التحركات الدولية على "رأس الأفعى الحقيقية"، التي تساعد إسرائيل وتتسبب في الخسائر اليومية للأرواح، والتي لولاها لما استطاعت إسرائيل فعل كل ذلك. ونخص بالذكر هنا ثلاث دول بعينها؛ الولايات المتحدة، ثم ألمانيا، ثم هولندا.
واشنطن تدعم.. وألمانيا تطيع.. وهولندا تقدم فروض الولاء
بعد موافقة الكونجرس وبايدن على حزمة الدعم الجديدة بقيمة 14 مليار دولار لإسرائيل وحدها، يمكن القول إن الولايات المتحدة الأمريكية لن تتوقف عن استخدام "الفيتو" في مجلس الأمن لصالح إسرائيل إلا إذا اتُهمت في مرمى النيران أمام محكمة العدل الدولية، واتهم قادتها أمام المحكمة الجنائية الدولية، بمسئوليتهم عن دعم وتمويل إسرائيل وقادتها لارتكاب جرائم حرب ترقى للإبادة الجماعية. وحينئذٍ، سيكون قرار البيت الأبيض أكثر برجماتية فيما يخص إسرائيل حتى لو انتهت الحرب صباح الغد!
ولن تتراجع ألمانيا كذلك عن الدعم العسكري لإسرائيل، الذي زاد وقت الحرب 10 أضعافه مقارنة بعام 2022، في الوقت الذي تحقق فيه شركات التصنيع العسكري الألمانية أرباحًا من الحرب في غزة، وتحاول إقناع العالم بأن أسلحتها لا تستخدم في الإبادة الجماعية! وقد ظهرت بالفعل دولة نيكاراغوا التي طالبت محكمة العدل الدولية بإلزام ألمانيا بوقف دعم إسرائيل في "تدمير" الشعب الفلسطيني، واتهمتها بتعليق تمويل "أونروا" الذي حرمها من 450 مليون دولار أثناء حرب غزة.
بينما تتنافس هولندا مع ألمانيا على لقب "الأكثر دعمًا لجرائم الاحتلال"، وتقوم بتزويد إسرائيل على سبيل المثال بقطع لطائرات إف-35، التي تسهم بانتهاك القانون الدولي، والتي تجعلها متواطئة في جرائم الحرب. وكان رئيس الوزراء الهولندي هو أكثر زعيم في العالم اجتمع مع نتنياهو منذ بداية العدوان على غزة، ولا شك أن الصادرات العسكرية المتزايدة تجعل هولندا متواطئة في انتهاكات قوانين الحرب، وبتنفيذ العقاب الجماعي لسكان قطاع غزة.
من هنا يمكن إعادة النظر في ضرورة التفكير في الأسباب الحقيقية لاستمرار الحرب، والتي لا تمولها الخزانة الإسرائيلية المتهالكة؛ والتي تحتاج لزيادة 27 مليار دولار على موازنتها السنوية لتستمر في الحرب، حيث يشكل العجز الآن نحو 6.2% من الناتج المحلي الإجمالي، أي نحو 31.6 مليار دولار، بل يجب تهديد الممول الحقيقي للحرب، وهي الدول السالف ذكرها.
مصر يجب أن تفكر الآن وتنفذ لاحقًا
رغم الثقة في صانع القرار والمفاوض المصري، ورغم تفهم عدم رغبة مصر في التصعيد محاولةً للتوصل لاتفاق، وبألا تكون معرقلا للتفاوض، لكن نشير هنا لضرورة وضع تلك الخطوة ضمن الخطوات المستقبلية التي يمكن أن تناور بها مصر، سواء في ملف غزة، أو ملفات أخرى عامة تهم الأمن القومي المصري.
وفي مرحلة ما، يجب اتخاذ خطوات أكثر تصعيدا ضد تلك الدول، ويمكن الاستعانة بتلك الأدوات للمناورة في مقابل الضغوط المستمرة من الغرب في قضايا مثل حقوق الإنسان والأمن القومي والديون، ومحاولة الزج بمصر في حرب تدفع ثمنها وتستنزف من مقدراتها الاقتصادية والعسكرية. حينئذٍ، سيكون التفكير في ذلك أمرًا واجبًا ويدعم المفاوض المصري أمام القضاء الدولي.. حفظ الله مصر.