أضخم انتخابات فى العالم
الانتخابات العامة الهندية، التى انتهت مرحلتها السابعة والأخيرة، أمس الأول، السبت، ليست الأضخم، فقط؛ لكونها جرت فى أكثر دول العالم تعدادًا، لكن، أيضًا، لأنها الأطول أمدًا، والأكثر اتساعًا، إذ ظل الناخبون يدلون بأصواتهم، منذ ١٩ أبريل الماضى، أى على مدى ستة أسابيع، فى أكثر من ١.٢٥ مليون مركز اقتراع، عبر ٥.٥ مليون جهاز تصويت إلكترونى فى ٢٨ ولاية، و٩ أقاليم اتحادية، واستعانت «لجنة الانتخابات الهندية» بنحو ١٥ مليون شخص للإشراف عليها.
جرت أول انتخابات عامة فى الهند، بعد الاستقلال، فى أكتوبر ١٩٥١ وانتهت فى فبراير ١٩٥٢. وتاريخيًا، شهدت انتخابات سنة ١٩٦٢، أول تطبيق فى العالم، لفكرة استخدام الحبر الفسفورى، المعروف باسم «حبر الانتخابات»، لمنع الناخبين من الإدلاء بأصواتهم أكثر من مرة. ومنذ عشر سنوات تقريبًا، تزايد اهتمام دول العالم المختلفة، شرقًا وغربًا، بهذه الانتخابات، وصولًا إلى ترجيح وسائل إعلام أمريكية وبريطانية وفرنسية، بأن نتيجة الانتخابات الحالية، المقرر إعلانها غدًا الثلاثاء، وشبه المحسومة أصلًا، سيكون لها تأثيرات كبيرة، على المستويين الإقليمى والدولى!
أحزاب بلا عدد، تنافست على ٥٤٣ مقعدًا برلمانيًا، وأنفقت أكثر من ١٤ مليار دولار، وفقًا لتقديرات مركز الدراسات الإعلامية بنيودلهى، غير أن ١٠ أحزاب فقط شغلت، ومن المتوقع أن تشغل، نحو ٨٥٪ من مقاعد الـ«لوك سابها»، المجلس الأدنى بالبرلمان، أبرزها حزب «بهاراتيا جاناتا»، الذى يتزعمه ناريندرا مودى، رئيس الوزراء الهندى، الذى يتولى السلطة، منذ سنة ٢٠١٤، والمستمر، غالبًا، لولاية ثالثة.
خلال ولايتى مودى، تحديدًا منذ سنة ٢٠٢٢، صار الاقتصاد الهندى خامس أكبر اقتصاد فى العالم، متقدّمًا على المملكة المتحدة، القوة الاستعمارية السابقة، مع ناتج محلى إجمالى يبلغ ٣.٧ تريليون دولار. وبينما يتوقع صندوق النقد الدولى أن ينمو اقتصاد الهند بنسبة ٦.٨٪ فى السنة الجارية، تعهّد مودى بأن تصبح بلاده ثالث أكبر اقتصاد فى العالم بحلول سنة ٢٠٢٧، بتحقيق ناتج محلى إجمالى قيمته ٧ تريليونات دولار، تجعلها تتجاوز اليابان وألمانيا إلى المركز الثالث بعد الولايات المتحدة والصين على مستوى ترتيب الاقتصادات الرئيسية، و... و... وهناك دول غربية عديدة تراهن على الهند، لمواجهة النفوذ الصينى المتنامى!
كان المنافس الرئيسى لحزب مودى، هو «حزب المؤتمر»، أقدم حزب سياسى فى البلاد، يعود تاريخه إلى سنة ١٨٨٥، وقت أن كان البريطانيون يحتلون شبه القارة الهندية. لكن مكانة هذا الحزب الكبير تراجعت بشكل حاد فى الحياة السياسية الهندية، منذ سنة ٢٠١٤، مع صعود ناريندرا مودى السريع، ولم يعد كثيرون ينظرون إلى ذلك الحزب الأقدم، بوصفه بديلًا حقيقيًا، بعد أن خسر، بشكل دراماتيكى، جولتين انتخابيتين متتاليتين، وافتقاده القيادة المحفزة أو الكاريزمية، مع أن الحزب، حين تولى السلطة، لآخر مرة، منذ نحو عشر سنوات، كانت سونيا غاندى، زعيمته وقتها، ووالدة رئيسه الحالى، أقوى شخصية فى الهند.
يقود «حزب المؤتمر» ائتلاف «التحالف الوطنى الهندى التنموى الشامل» الذى جرى تشكيله لإزاحة «بهاراتيا جاناتا» عن السلطة، ويضم أحزابًا إقليمية بارزة، مثل «حزب ساماجوادى»، و«حزب مؤتمر ترینامول»، و«حزب درافيدا مونيترا خازاجام»، و«حزب آم آدمى»، و... و... ولم يتمكن من الاتفاق على مرشح لرئاسة الوزراء، وظل يتخبط فى خلافات حول تقاسم المقاعد، وبنى برنامجه الانتخابى على تحميل حكومة مودى مسئولية «تراجع الديمقراطية»، أو اتهامها بتبنى المعتقد الدينى للغالبية، على حساب الأقليات، خاصة المسلمين، البالغ عددهم ٢١٠ ملايين، من أصل مليار و٤٠٠ مليون هندى.
.. ولا يبقى غير أن ننتظر النتائج، المقرر أن يتم إعلانها غدًا، الثلاثاء، وإن كنا نتوقع، ومعنا كثيرون، فوزًا سهلًا، كبيرًا ومريحًا، لحزب «بهاراتيا جاناتا» والأحزاب الإقليمية المتحالفة معه، فى ظل حالة التراجع التى يعانى منها حزب «المؤتمر الوطنى» وحلفاؤه. وبالتالى، سيكون الطريق ممهدًا أمام ناريندرا مودى، للفوز بولاية ثالثة، واستكمال مشروعه الوطنى، الذى وضعه فى مصاف كبار قادة وزعماء الدولة الصديقة.