عينى أم نقدى!
فتحت تصريحات الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء، حول إلغاء الدعم العيني وتحويله إلى الدعم النقدي، باب الجدل من جديد لهذا الملف الذي لم يغلق كليًا منذ انتفاضة يناير 1977 أو بما يعرف بانتفاضة الخبز، فمنذ هذا التاريخ وحالة الجدل حول الطريقة المثلى لتقديم الدعم للمواطن المصري المستحق للدعم، وتكونت طوال السنوات الماضية وجهات نظر بين المؤيدة والرافضة لفكرتي النقدي والعيني.
والمؤكد هنا أن كلتا وجهتي النظر لا تختلفان على أهمية استمرار الدعم والاختلاف فقط في الطريقة التي يصل بها هذا الدعم للمواطن، وهي أولى النقاط الإيجابية التي جاءت في تصريحات الدكتور مدبولي، التي تؤكد استمرار الدولة في تقديم الدعم بحوكمة تهدف إلى تقليل الأعباء المالية التي تتحملها الدولة وكيفية مراعاة أي نوع من الزيادات في الأسعار لتكون أقل وطأة على الفئات محدودة الدخل.
نفس وجهة النظر هذه ترى أن إلغاء الدعم العيني سوف يضمن وصول الخبز المدعم مثلًا لمستحقيه من المواطنين، ويقلل من فكرة التربح من السلع المدعمة التي تعد تجارة ثابتة منذ عشرات السنين ويعمل بها ضعاف النفوس وأصحاب الكروش من مهربي الدقيق المدعم والمواد البترولية وغيرها من السلع.
على الجانب الآخر يرى فريق الرفض لفكرة إلغاء الدعم العيني أن الضرر من ارتفاع الأسعار سوف يصيب معظم الشرائح الاجتماعية، ولن يتوقف عند حماية محدودى الدخل فقط، وأن الطبقات المتوسطة أو ذات الدخل الثابت أو الفئات التي تتقاضى أجورها مقابل عملها اليومي - التي تعيش اليوم بيومه – سوف تصاب جميعًا بالضرر الأكبر من ارتفاعات الأسعار خاصة مع ضعف أجهزة حماية المستهلك والرقابة على الأسواق والتي تعيدنا لبدايات اعتماد سياسة السوق الحرة وفتح الأسواق التي بدأت عام 1974 والتي وصفها يومها الكاتب الكبير أحمد بهاء الدين "انفتاح السداح مداح".
وهو تخوف أيضًا مشروع، فقد اعتدنا منذ عشرات السنين على استقبال موجة غلاء في الأسعار مع كل علاوة يحصل عليها موظفو الدولة، رغم أن الزيادة تصيب المجتمع كله بينما تنحصر الزيادات في شريحة العاملين في الدولة والهيئات والشركات التابعة لها فقط، كما نشهد حاليًا موجات من ارتفاع في الأسعار لسلع غير مرتبطة بأسعار الصرف وثبت أن الاحتكارات هي سبب الارتفاعات المتتالية غير المبررة.
وبين وجهتي النظر يصعب أن تصل إلى حلول وسط، فهما اتجاهان لا ثالث لها، إما الدعم العيني بكل سلبياته وإيجابياته، أو الدعم النقدي المباشر للمستحقين بإيجابياته وسلبياته.
وهنا لا بد من الدعوة للحوار المجتمعي حول الفكرتين، ومن محاسن القدر أن تتزامن تصريحات رئيس الوزراء مع بدء المرحلة الجديدة من الحوار الوطني وهى انطلاقة جديدة تعبر عن إيمان الدولة ورئيسها بضرورة الحوار وتؤكد أننا كمجتمع مترابط لا تفرقة بين فئات مؤيدة ومعارضة، وأن المصلحة الوطنية هدف الجميع، وهذه المصلحة تحتم أن نفتح صدورنا وعقولنا للنقاش بعيدًا عن الضجيج الذي لا يفيد.