«السيرة سيرتنا».. فرجة مسرحية مدججة بالأسئلة
على قدر ما استمتعت بمشاهدة العرض المسرحى «السيرة سيرتنا»، والمعروض حاليًا بقاعة صلاح جاهين بمسرح البالون، على قدر ما أثار العرض فى نفسى من تساؤلات حول حاضر المسرح المصرى، وما نتوقعه منه وله، فالعرض الذى يقوم ببطولته مجموعة من نجوم الفرقة القومية للموسيقى الشعبية، ولأنه من إنتاج البيت الفنى للفنون الشعبية والاستعراضية، أقرب إلى حالة الفرجة المسرحية، أو هى بالفعل حالة من البهجة والمتعة البصرية المتواصلة لما يقرب من الساعة ونصف الساعة، ما بين اللوحات الاستعراضية التى تختصر الكثير من قصة السيرة الهلالية، وتضعك فى قلبها، وبين المشاهد التمثيلية التى أجاد المخرج الكبير أشرف عزب فى توظيفها، وترك لأبطاله حرية الإبداع والتعبير عن تفاصيل الشخصيات التى يقدمونها، فانطلق كل منهم فى رحلة شديدة الخصوصية مع الشخصية التى يقوم بها.
ومن بين العدد الكبير من نجوم العرض، تألق الفنان سيد جبر فى أدائه شخصية الزناتى خليفة، الذى أظن أنها المرة الأولى التى يتخلى فيها عن الكوميديا، ليتقمص شخصية مليئة بالتساؤلات حول ولاء مجموعة الأمراء، والتسليم لابنته سعدة التى قامت بدورها الفنانة إيمان رجائى بدهاء تشعر معه وكأنه طبيعتها هى الشخصية، فيما قدم وائل إبراهيم مزيجًا متميزًا بين الكوميديا، فى حدود المساحة التى سمح له بها دور العلام، ودراما الداهية الذى لا يتوقف عن التخطيط والتآمر على الزناتى خليفة.. فيما أبدع النجم علاء أبوزيد فى تقديمه شخصية أبوزيد الهلالى، الدور الذى احتوى على مساحات من التباين فى المواقف والتصورات، فانتقل بينها برشاقة تليق بحجم موهبته التى غابت عنا طويلًا، وأظن أنه حان الوقت لإعادة اكتشافها، ووضعها فى المكانة التى تليق بها، وإن كنت أظن أن طبيعة الطريقة التى جسد بها الشخصية أقرب إلى الحالة السينمائية، أو الدراما التليفزيونية منها إلى المسرح، وإن جاءت منضبطة تمامًا فى سياق عرض «السيرة سيرتنا»، إذ اعتمد علاء بصورة كبيرة على تعبيرات الوجه والجسد فى إيصال حالة الانتقالات الانفعالية، والحالة المزاجية للشخصية، دون إفراط فى الحركة، أو استخدام الصوت بتلويناته المتعددة، وهى النقطة التى منحت الفنان أحمد أبوعميرة جزءًا كبيرًا من تميزه بين أبطال العرض، لما يمتلكه من إمكانات صوتية وجسدية ساعدته على ملء المسرح طوال فترات ظهوره فى دور دياب بن غانم، وأغلب الظن أن نص المسرحية تعرض لعمليات قص كثيرة، خصوصًا أنه يعتمد على السيرة الهلالية كمصدر رئيسى، وهى كما نعلم جميعًا، لا تتحملها سهرة محددة الزمن، إلى جانب ثرائها بالأفكار والمواقف التى يمكن البناء عليها، وإن كان النص المعروض يكفى لتوضيح الفكرة التى أراد المؤلف محمد الشاعر والمخرج أشرف عزب وضع المتفرج فى بؤرتها.
على أننى استمتعت بصورة شخصية بالاستعراضات الغنائية التى صممها الفنان المبدع سيد البنهاوى، ووضع ألحانها المتألق صلاح مصطفى، ولعبت دورًا أعتقد أنه أحد أدوار البطولة فى العرض، سواء عبر توزيعها بكثافة ملحوظة فيما بين مشاهد العرض التمثيلية، أو عبر اختيار عناصرها كافة، إذ نجح فريق الاستعراضات بفاعلية مدهشة فى التخفيف من رتابة بعض المقاطع، التى جاءت نتيجة لالتزام عدد من الممثلين بالنص الشعرى المكتوب وتقطيعاته، وهى فى ظنى مسألة كان ينبغى على المخرج الانتباه لها، أو تنبيه نجومه، إما بالالتزام بسياق الجملة أو العبارة، أو تقطيع الجمل وفقًا للوزن والقافية، وإن كنت بصورة شخصية أميل إلى فكرة تجاهل الوزن والقافية لصالح المواقف الدرامية، وانفعالات الممثلين بها.
تبقى نقطة أظن أننى يجب أن أتوقف عندها، تخص ضيق القاعة التى أقيم بها العرض، وإن تمكن المخرج من تجاوزها، بتوزيع ديكورات العرض، وتقسيمه إلى أكثر من بؤرة مسرحية، ما جعل المشاهد يشعر وكأنه يعيش فى قلب الحدث، الفكرة التى قام العرض كله عليها، أو الرسالة التى أراد أن نصل إليها.. من أن ما نشاهده ليس هو السيرة الهلالية، ولا مجرد رجوع فى التاريخ، فالسيرة سيرتنا.. والدواعش والخونة يعيشون بيننا، يتآمرون علينا، وعلينا أن ننتبه إلى ألاعيبهم التى لا تنتهى.. ويبدو أنها لن تتوقف.
أخيرًا.. هذا عرض يستحق المشاهدة، لن يكلفكم كثيرًا، وأعدكم بمتعة صافية تمتزج فيها جميع عناصر الفرجة المسرحية، من أداء تمثيلى متميز، إلى موسيقى شديدة الروعة والتعبير عن الأحداث، إلى فريق استعراضى مدهش.. هى بالفعل متعة ما بعدها متعة.. فلا تفوتوها، والعنوان ما يتوهش.