تأمين مكاسب الإصلاح.. تثبيت الفائدة يحقق الاستقرار بالأسواق ويدعم استمرار تراجع التضخم
أشاد خبراء اقتصاديون بقرار البنك المركزى، خلال اجتماعه أمس الأول، تثبيت سعر الفائدة على سعرى العائد على الإيداع والإقراض لليلة واحدة وسعر العملية الرئيسية عند ٢٧.٢٥٪ و٢٨.٢٥٪ و٢٧.٧٥٪ على الترتيب، وسعر الائتمان والخصم عند ٢٧.٧٥٪.
ورأى الخبراء، فى حديثهم مع «الدستور»، أن تثبيت سعر الفائدة كان متوقعًا، مؤكدين أنه قرار صائب وجيد للاقتصاد، ويستهدف كبح التضخم تدريجيًا للوصول به إلى مستهدفات أقل من ٢٥٪ خلال الفترة المقبلة، مع الأخذ فى الاعتبار استمرار المخاوف من تأثير التوترات الجيوسياسية.
قرار «المركزى» يُنشّط عجلة الاقتصاد
قال محمد عبدالعال، الخبير المصرفى، إن القرار كان متوقعًا، وجاء متسقًا ومتوافقًا مع التحليلات والمؤشرات الاقتصادية المعلنة خلال الفترة السابقة، وسيكون له تأثير إيجابى على الاقتصاد المصرى، ويساعد على استقرار الأسواق.
وأضاف «عبدالعال»: «البنك المركزى رفع أسعار الفائدة بقيمة ٨٪، خلال الربع الأول من العام الجارى، فى أول اجتماعين له خلال فبراير ومارس الماضيين، بقيمة ٢٪ و٦٪ على التوالى، وقرار الإبقاء على أسعار الفائدة وتثبيتها يمنح الأسواق فرصة لالتقاط الأنفاس، فى ظل السياسة النقدية التشددية، بهدف كبح جماح الموجة التضخمية، وبالفعل حدث تراجع تدريجى لمعدلات التضخم خلال شهرى مارس وأبريل الماضيين». وواصل: «تثبيت سعر الفائدة سيؤدى إلى تنشيط عجلة الاقتصاد، وتباطؤ التضخم، الذى بلغ معدل ٣١.٥٪، رغم الحاجة إلى تراجعه إلى أقل من ٢٥٪ خلال الشهور المقبلة»، مشيرًا إلى أن شهادات الادخار ذات العائد المرتفع ما زالت مطروحة بالبنوك، ومنها الشهادات ذات العائد ٢٣.٥٪ شهريًا، و٢٧٪ سنويًا، و٣٠٪ المتناقصة على مدار ٣ سنوات.
فرصة لالتقاط الأنفاس
رأى وليد جاب الله، الخبير الاقتصادى، أن قرار الإبقاء على أسعار الفائدة جاء مدفوعًا بتراجع معدلات التضخم خلال الشهرين الماضيين، مع ارتفاع الإقبال على شراء السندات الدولية لمصر، رغم خفض نسبة الفائدة عليها، بالإضافة إلى تحقيق استقرار اقتصادى فى ظل الظروف الحالية، متوقعًا خفض البنك المركزى أسعار الفائدة خلال الاجتماعات المقبلة.
وأضاف «جاب الله»: «قرار التثبيت يمنح الجميع فرصة لالتقاط الأنفاس، وتقييم جميع القرارات السابقة، حتى موعد اجتماع يوليو المقبل، المتوقع أن يشهد خفض أسعار الفائدة، لذا كان الإبقاء على الأسعار الحالية أفضل الخيارات المتاحة الآن، فى ظل الأوضاع الاقتصادية غير المنضبطة بسبب التوترات الجيوسياسية فى المنطقة».
صمود الجنيه أمام الدولار
أرجع عبدالمنعم السيد، مدير مركز القاهرة للدراسات الاقتصادية والاستراتيجية، التثبيت إلى عدة أسباب، على رأسها زيادة معدل النمو الاقتصادى خلال الربع الأول من العام الجارى، واتجاه معدل التضخم للانخفاض خلال الشهرين الماضيين.
وقال «السيد» إن البنك المركزى انتهج السياسة التشددية، واقتدى بالبنوك المركزية العالمية، مشيرًا إلى أن الفيدرالى الأمريكى ثبت أسعار الفائدة خلال اجتماعه الأخير، وكذلك البنك الأوروبى، والبنك المركزى البريطانى.
وأضاف: «هناك عدة مكاسب لقرار التثبيت، منها الحفاظ على استقرار الأسعار فى السوق، واستقرار سعر صرف الجنيه أمام الدولار، فضلًا عن عدم تحريك سعر الفائدة داخل البنوك على الشهادات الدولارية أو العادية، واستمرار اتجاه التضخم للانخفاض، مع حدوث المزيد من الانخفاض فى أسعار السلع والمنتجات، كما حدث خلال الفترة الماضية». وواصل: «ارتفاع معدلات التضخم خلال عام ٢٠٢٣ والربع الأول من ٢٠٢٤ فرض العديد من التحديات أمام السلطات النقدية، ممثلة فى البنك المركزى المصرى، الذى لجأ لسياسة رفع معدلات العائد، وكان من المتوقع أن يُبقى المركزى على هذه المعدلات المرتفعة دون تغيير، على الأقل فى الأجل القصير». وأكمل: «استمرار سياسة أسعار الفائدة الأعلى لفترة أطول يفرض بدوره العديد من الضغوط على الأوضاع المالية للجهاز المصرفى، خاصة فى البنوك المملوكة للدولة، وشركات القطاع الخاص، ومن ثم على بيئة الاقتصاد الكلى».
وتابع: «بالنسبة للقطاع المصرفى يمثل تزايد أسعار الفائدة سلاحًا ذا حدين، فهناك تأثير إيجابى، من خلال تحصيل أسعار فائدة مرتفعة من المقترضين، مع الحفاظ على انخفاض أسعار الفائدة على الودائع، إلا أن استمرار هذه السياسة قد يمثل خطورة مع احتمالية تزايد خسائر القروض مع ارتفاع تكاليف الاقتراض على المستهلكين ومؤسسات الأعمال، على السواء، كما أن حيازة البنوك للسندات والأوراق المالية الأخرى المرتبطة بالدين تعرضها لخسارة قيمتها عندما ترتفع أسعار الفائدة، وقد تضطر البنوك إلى بيعها بخسارة مع التعرض لطلب كبير للسحب من الودائع». وأفاد بأنه «فيما يتعلق بالشركات العاملة فى القطاع الخاص؛ فإن ارتفاع أسعار الفائدة يؤدى بشكل مباشر إلى زيادة تكاليف خدمة الديون وارتفاع معدلات التخلف عن السداد، وينال كذلك من ربحية الشركات».
خفض تكلفة الإنتاج وزيادة السلع
اتفق الدكتور أشرف غراب، الخبير الاقتصادى، فى إرجاع تثبيت سعر الفائدة إلى استمرار تراجع معدلات التضخم، خلال شهرى مارس وأبريل الماضيين، إضافة إلى تثبيت الاحتياطى الفيدرالى الأمريكى سعر الفائدة فى اجتماعه الأخير.
وتوقع «غراب» استمرار التراجع التدريجى لمعدلات التضخم خلال الفترة المقبلة، بالتزامن مع المبادرة التى طرحتها الحكومة بالتعاون مع الغرفة التجارية والمصنعين لتخفيض الأسعار، إضافة إلى استمرار تراجع سعر صرف الدولار مقابل الجنيه، والذى يتوقع أن ينخفض لما بين ٣٠ و٤٢ جنيهًا قريبًا.
وأضاف: «تراجع سعر الصرف يسهم فى خفض تكلفة الإنتاج، وزيادة المعروض من السلع بالأسواق وبأسعار مخفضة، بما ينعكس بالإيجاب على استمرار تراجع معدلات التضخم بدرجة كبيرة خلال الشهور المقبلة».
ونبّه إلى أن رفع سعر الفائدة إحدى الأدوات التى يلجأ إليها البنك المركزى لخفض معدلات التضخم، لكنها ليست الأداة الوحيدة، ولسنا فى حاجة إلى استخدامها فى الوقت الحالى، مع تراجع المعدلات تدريجيًا.
وواصل: «لذا قرر البنك المركزى تثبيت سعر الفائدة لإتاحة وقت كافٍ لمراقبة تأثير الزيادة الأخيرة فى سعرها بنسبة ٨٪ فى شهرى فبراير ومارس الماضيين على أسعار السلع».
وأكمل: «أى زيادة فى سعر الفائدة فى الوقت الحالى تتسبب فى تباطؤ معدل النمو وزيادة الضغوط على القطاع الخاص، نظرًا لزيادة عبء تكلفة الفائدة عليه، لأن أى زيادة فى السعر ترفع من تكلفة الاقتراض على الشركات، كما أننا لسنا بحاجة لرفعها حاليًا مع استمرار تراجع معدلات التضخم الشهرية تدريجيًا».
جذب المزيد من الاستثمارات
رأى هانى أبوالفتوح، الخبير المصرفى، أنه على الرغم من استمرار ارتفاع معدلات التضخم السنوية، فإن التطورات الإيجابية الأخيرة، المتمثلة فى تباطؤ التضخم خلال شهر أبريل، واستقرار سعر صرف الجنيه فى مايو الحالى، دفعت لجنة السياسات إلى تثبيت أسعار الفائدة.
وشرح «أبوالفتوح» أن الدوافع الرئيسية لتثبيت أسعار الفائدة تتمثل فى تباطؤ معدلات التضخم، على الرغم من أنها لا تزال أعلى من المستهدف، لكنها اتجهت للانخفاض فى أبريل مقارنة بشهر مارس، ما يؤكد فاعلية السياسة النقدية الحالية فى كبح جماحه، وأيضًا استعادة الجنيه بعض قيمته فى مايو، بما يحقق استقرارًا فى سعر الصرف ويخفف من الضغوط التضخمية المستوردة.
وأضاف: «تثبيت أسعار الفائدة يسهم فى استقرار أسعار السلع وكذلك سعر الصرف، بما يعزز الثقة فى الاقتصاد المصرى، لأن أسعار الفائدة المنخفضة تشجع على الاستثمار والإنفاق، ما يدعم النمو الاقتصادى ويخلق فرص العمل».
وأكد أن جميع التوقعات تشير إلى استقرار أسعار الفائدة فى الأجل القصير، مدعومة بتباطؤ التضخم واستقرار سعر الصرف، وهذا التوجه يتماشى مع قرارات لجنة السياسة النقدية الأخيرة بتثبيت أسعار الفائدة.
وتابع: «من المتوقع أن نشهد انخفاضًا تدريجيًا فى أسعار الفائدة فى الأجل المتوسط، بالتزامن مع استمرار تراجع معدلات التضخم، هذا التوجه أيضًا يهدف إلى تحفيز النمو الاقتصادى وتشجيع الاستثمار».
وقال «أبوالفتوح» إن توقعات معدلات التضخم تشير إلى استمرار تباطؤ المعدلات فى الأجل المتوسط، مدعومة باستقرار سعر الصرف وتراجع أسعار السلع العالمية، متوقعًا انخفاض معدل التضخم تدريجيًا إلى ٢٥.٧٪ بحلول ٢٠٢٥، وفقًا لتوقعات صندوق النقد الدولى.
كما توقع أن يبدأ البنك المركزى دورة التيسير النقدى فى النصف الثانى من العام الجارى، شريطة استمرار تراجع معدلات التضخم واستقرار سعر الصرف، مضيفًا: «من المتوقع أن تكون هذه الدورة تدريجية وحذرة، لتجنب أى آثار سلبية على استقرار الاقتصاد الكلى».
تقييم رفع الفائدة 6%
قال الدكتور على الإدريسى، الخبير الاقتصادى، إن قرار التثبيت كان متوقعًا ومناسبًا للفترة الحالية، ويمنح البنك المركزى فترة لتقييم القرارات الاستثنائية التى اتخذها فى ٦ مارس الماضى، ومنها رفع أسعار الفائدة بقيمة ٦٪ دفعة واحدة. وأضاف «الإدريسى»: «القرار سيؤدى إلى تراجع تدريجى فى معدلات التضخم التى ما زالت مرتفعة، إذ يهدف لخفضها خلال الشهور المقبلة»، مشيرًا إلى أن معظم البنوك المركزية عالميًا ثبتت أسعار الفائدة خلال اجتماعاتها الأخيرة، على رأسها البنك الفيدرالى الأمريكى، والبنك المركزى الأوروبى، وكذلك الصينى، ما دفع البنك المركزى المصرى لانتهاج نفس السياسة التشددية لكبح جماح الموجة التضخمية العالمية.