النكبة: مايو 48 «2-2»
مر بنا فى المقال السابق ما وصل إليه حال العالم العربى فى مايو ١٩٤٨، إذ توسعت المنظمات الصهيونية بشدة على حساب السكان الأصليين، عرب فلسطين، وازداد الوضع الأمنى اضطرابًا، وفضلت بريطانيا- دولة الانتداب- إلغاء الانتداب ونفض يديها من القضية، هذا الموقف الذى كان يصب فى حقيقة الأمر فى صالح المستوطنين اليهود.
هكذا سارعت المنظمات الصهيونية، التى أطلقنا عليها للأسف مصطلح العصابات الصهيونية، كنوع من التهوين من خطورتها، بإعلان قيام دولة إسرائيل، هذه الدولة التى بادرت القوى العظمى، لا سيما الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتى، فى الاعتراف بها، فى سابقة تاريخية لا نجد لها مثيلًا.
فى المقابل زجت الدول العربية، المستقلة حديثًا، بجيوشها الوليدة فى معركة غير متكافئة، قيل إنها معركة بين جيوش عربية وعصابات صهيونية، بينما فى حقيقة الأمر كان الجيش الإسرائيلى على أعلى مستوى من التسليح والتدريب، وشارك معظم أفراده مع جيوش الحلفاء أثناء الحرب العالمية الثانية. والأكثر من ذلك أن هذا الجيش، الذى أطلقنا عليه عصابات، كان يمتلك سلاحًا جويًا على أعلى مستوى، بينما كانت جيوشنا العربية لا تزال وليدة، يُفرَض عليها نوع من تحديد أنواع الأسلحة من جانب أكبر موردى الأسلحة لها- إنجلترا وفرنسا- وبالتالى فالتدريب العسكرى ليس على أعلى مستوى، من هنا تأتى قصة الأسلحة الفاسدة فى مصر فى حرب ١٩٤٨، هذه القصة غير الحقيقية، فكل ما فى الأمر، حاولت مصر شراء أسلحة من «السوق السوداء» تحايلًا على الحظر المفروض عليها، ولم تكن هذه الأسلحة على درجة عالية من الكفاءة، لكنها فى نهاية الأمر لم تشارك فى الحرب!
عودة مرة أخرى إلى وقائع النكبة، حيث فشل التنسيق الحقيقى بين الجيوش العربية المشاركة فى الحرب، وهو ما اعترف به عبدالرحمن عزام، الأمين العام للجامعة العربية. وطرح البعض السؤال: هل كان من الأجدى أن تشارك الدول العربية بجيوشها الوليدة فى الحرب؟ أم كان الأفضل هو الاستمرار فى دعم نضال عرب فلسطين، حتى لا تظهر إسرائيل بمظهر الضحية، وتحوز على تعاطف القوى الكبرى، تحت زعم أنها الضحية التى تعانى من هجوم عدة دول عربية عليها؟!
لكن النكبة أظهرت بجلاء المرض العضّال المزمن الذى أصاب الحركة الوطنية الفلسطينية منذ ذلك الوقت وحتى الآن، وهو الانقسام، بل التطاحن بين أجنحة المقاومة الفلسطينية، ففى ذلك الوقت، وفى أجواء النكبة، كان التطاحن على أشده بين جناحى: «النشاشيبى» الذى كان أقرب ما يكون إلى الجناح المدنى، و«الحسينى»، مفتى فلسطين، وهو ما يمثل الجناح الدينى، وما زلنا حتى اليوم فى ظلال هذه الثنائية البغيضة، صراع فتح وحماس، والمستفيد الأول والأخير هو إسرائيل.
فشل العرب فى مواجهة إسرائيل فى حرب ١٩٤٨، وفشلوا حتى على المستوى الدبلوماسى فى حث العالم على تطبيق قرارات الأمم المتحدة التى كانت قراراتها إلى حدٍ ما فى صالح الحد الأدنى لفلسطين. من هنا كان تبجح بن جوريون، مؤسس دولة إسرائيل، فى عام ١٩٥٠، حيث أكد أن قرارات الأمم المتحدة بالنسبة لفلسطين تعتبر ميتة، ولن تقوم لها قائمة أبدًا. وما زال نتنياهو يردد الكلام نفسه الآن، وما زلنا نعيش القصة نفسها منذ نكبة مايو ١٩٤٨.