مصطفى أبوزيد: حرب غزة أفقدتنا 50% من عائدات قناة السويس مع تراجع السياحة
قال الدكتور مصطفى أبوزيد، مدير مركز مصر للدراسات الاقتصادية والاستراتيجية، إن الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة أثرت سلبًا على الاقتصاد المصرى بشكل مباشر وغير مباشر، بعد أن تسببت فى انخفاض إيرادات قناة السويس بنسبة ٥٠٪، مع تراجع السياحة والصادرات من الغاز الطبيعى لتوقف أو تراجع إنتاج بعض آبار الغاز فى المنطقة، مشيرًا إلى أن استضافة ٩ ملايين شخص بسبب الاضطرابات فى المنطقة تشكل عبئًا إضافيًا على الموازنة العامة، لأنهم يحصلون على ١٠٪ من المخصصات للمواطن.
وأوضح «أبوزيد»، خلال حديثه لبرنامج «الشاهد»، الذى يقدمه الإعلامى الدكتور محمد الباز على فضائية «إكسترا نيوز»، أن الدولة المصرية كانت تتحرك فى اتجاه النمو المستدام بعد تنفيذ برنامج الإصلاح الاقتصادى، والتدخل الحكيم لتنفيذ المشروعات القومية لتنشيط الاقتصاد، ما أسهم فى تحقيق طفرة اقتصادية ظهرت فى مؤشرات الاقتصاد الكلى، ووصول معدل النمو إلى ٥.٦٪، موضحًا أنه لولا الإجراءات والسياسات المتوازنة وقت جائحة كورونا لأصبح المشهد الاقتصادى كارثيًا.
■ كيف كان وضع الاقتصاد المصرى قبل أن ندخل فى نفق الأزمات على المستوى الدولى؟
- الاقتصاد المصرى قبل الدخول فى الصراعات الموجودة فى المنطقة حاليًا كان يشهد طفرات فى المؤشرات الكلية بعد تطبيق برنامج الإصلاح الاقتصادى نوفمبر ٢٠١٦ فى مرحلته الأولى.
وهذا البرنامج كان يهدف لتهيئة البيئة التشريعية والاستثمارية للاقتصاد المصرى، وزيادة معدلات النمو الاقتصادى، عن طريق الاهتمام بقطاعى الزراعة والصناعة، وزيادة مساهمتهما فى الناتج المحلى الإجمالى، بالإضافة إلى قدرة الدولة المصرية فى هذا التوقيت على إطلاق العديد من المشروعات القومية التى توفر الكثير من فرص العمل، وهذا أسهم بشكل كبير جدًا فى وضع الاقتصاد المصرى على مسار تصاعدى بالنسبة للناتج المحلى الإجمالى، وبالتالى زيادة فى النمو الاقتصادى.
ووصل معدل النمو الاقتصادى قبل جائحة كورونا إلى ٥.٦٪، وهذا كان رقمًا إيجابيًا جدًا، فقبل تطبيق برنامج الإصلاح الاقتصادى فى ٢٠١٦ كان معدل النمو يتراوح بين ٢.٥٪ و٣٪، لكن بعد تطبيق البرنامج زاد إجمالى الناتج المحلى، وكان يصل إلى ٦ تريليونات جنيه، ثم ٧، ثم ٨ تريليونات جنيه، بمعنى أننا كنا نزيد تقريبًا تريليون جنيه كل سنة.
وهذا نتيجة أن الدولة كانت تضخ استثمارات حكومية كثيرة فى العديد من المشروعات القومية فى الصناعة والزراعة والطاقة المتجددة، ما جعل الناتج المحلى يتطور بشكل ملحوظ.
وفى الفترة منذ ٢٠١٦ حتى العام المالى ٢٠١٨/ ٢٠١٩ استطاعت الدولة توفير ٥ ملايين فرصة عمل بسبب كل المشروعات القومية، كما أن معدل البطالة هبط من ١٤٪ إلى ٧.٢٪، وهذا معناه حدوث طفرة فى أعداد المشتغلين، الذين أضيفوا لقوة العمل بشكل كبير جدًا، يكاد يكون الضعف.
ومع زيادة الإنتاج، أيضًا، خلال تلك الفترة، حدثت طفرة فى الصادرات، ووصلنا فى هذا التوقيت إلى مرحلة الاكتفاء الذاتى من الغاز، وبدأت مصر تضع اسمها على خريطة تصدير الغاز الطبيعى المسال مع تصديره إلى أوروبا من محطتى إدكو ودمياط.
وبالتالى كانت مصر تسير على الطريق الصحيح خلال تلك الفترة، واحتياطياتها النقدية فى الفترة من ٢٠١٨ حتى نهاية ٢٠١٩ وصلت إلى أكثر من ٤٥ مليار دولار، وهذا الرقم كان كبيرًا جدًا فى هذا التوقيت، ويُؤمّن مستلزمات مصر من الإنتاج والاحتياجات الاستيرادية من السلع الأساسية والاستراتيجية لمدة تتراوح بين ٦ و٧ أشهر.
وهذا كان يعطى راحة لتحرك الحكومة فى سداد التزاماتها بالنسبة لأقساط وفوائد الديون، وكانت الدولة تسير فى إطار النمو المستدام، بمعنى أن عملية التنمية الشاملة الاقتصادية والاجتماعية تدور فى كل ربوع الجمهورية وفى مناطق مثل الصعيد كانت مهمشة فى العصور السابقة. رأينا مشروعات كبيرة جدًا، خلقت تنمية حقيقية وفرص عمل لأهالى المنطقة.
■ كيف بدأت الصورة تتغير والأوضاع تتأثر بسبب جائحة كورونا؟
- الدولة المصرية، وقت ظهور جائحة كورونا، انتهجت سياسة متوازنة تعتمد على الإنتاج مع اتخاذ الإجراءات الاحترازية، رغم أن هناك العديد من الدول الذى بدأ يتبع سياسات بها قيود كبيرة وبدأت مرحلة الإغلاق، لكن مصر من الدول القليلة، وربما الوحيدة، التى انتهجت سياسة متوازنة، بمعنى الحفاظ على تشغيل الاقتصاد والأنشطة الاقتصادية المهمة مع اتباع كل الإجراءات الاحترازية.
وكان السبب هو أننا قطعنا شوطًا كبيرًا فى عملية الإصلاح الاقتصادى، وكانت الدولة مهتمة جدًا بل حريصة على عدم إهدار النتائج الاقتصادية التى تحققت، أو التراجع عنها، وبالتالى استخدمت منهج التوازن فى التعامل مع جائحة كورونا، وهذا الأمر كان سياسة دولة وتوجهًا فى الاقتصاد المصرى، الذى كان يواجه العديد من التحديات، وكان لا بد من العمل عليها والاستمرار فيها لكى نصل إلى النتائج المستهدفة.
وهذه كانت الرسالة الواضحة دائمًا من الرئيس عبدالفتاح السيسى الذى كان يتابع تنفيذ المشروعات كل يوم، ويمر ويرى التوقيتات الزمنية للانتهاء من المشروعات، وأيضًا كان يضغط لتنفيذ تلك المشروعات فى وقت أقل من المستهدف، وكان يقول دائمًا: «معندناش وقت نضيعه».
■ ما التأثير الذى حدث بسبب تلك السياسة المتوازنة؟
- سياسة مصر المتوازنة وقت جائحة كورونا حافظت على قدر كبير مما حققه الاقتصاد خلال ٣ سنوات، من ٢٠١٦ إلى ٢٠١٩، وهو ما ظهر فى المؤشرات الكلية للاقتصاد المصرى فى ٢٠١٨ و٢٠١٩، لكن فى وقت كورونا تأثرت عملية الإنتاج، لأننا دولة تحتاج لمستلزمات إنتاج يتم استيرادها من الخارج ومن دول بدأت تنفيذ عمليات الإغلاق، وبالتالى فإن سلاسل الإمداد تأثرت بشكل كبير، وإنتاج مصر انخفض، وهذا بالتأكيد انعكس على النمو الاقتصادى، لكن لم يحدث لدينا انكماش أو تراجع كبير، مثلما حدث فى الدول المتقدمة، التى عانت هذا الأمر.
وعندما تأثرنا وقتها حققنا نموًا بلغ ٣.٦٪، ثم فى عام ٢٠٢١ و٢٠٢٢ حققنا نموًا ٣.٣٪، وكانت هناك إشادات من كل المؤسسات الدولية بقدرة الاقتصاد المصرى على امتصاص الأزمات والتكيف والمرونة والتعامل مع الأزمات والحفاظ على هيكل اقتصاد متماسك، وتحقيق معدل نمو اقتصادى، ورغم أن هذا المعدل لم يكن هو المستهدف من قبل، لكن تحقيق نمو فى ظل تلك الظروف هو فى حد ذاته إنجاز كبير، يُحسب للدولة المصرية.
وحتى فى وقت أزمة كورونا، كان معدل البطالة يتراجع، بسبب الاستمرار فى تنفيذ المشروعات القومية.
■ كيف رأيت الأصوات التى نادت وقتها بوقف العمل فى المشروعات القومية؟
- الأصوات التى كانت تنادى بالتوقف عن تنفيذ المشروعات القومية وقت جائحة كورونا كانت تتحدث عن عدم دراية وعدم فهم متطلبات الأمور، فسبب تنفيذ المشروعات القومية كان أن القطاع الخاص أحجم عن العمل فى المشروعات فى الفترة من ٢٠١١ وحتى ٢٠١٣، وكان قلقًا على استثماراته، لذا لم يكن يضخ استثمارات جديدة.
وهنا، كان الوضع يستلزم التحرك من جانب الدولة لزيادة الإنفاق الاستثمارى والتوسع فى مشروعات البنية التحتية، لأن أى اقتصاد فى العالم تحدث له فترة ركود يحاول تنشيط الاقتصاد بزيادة الإنفاق الاستثمارى، لتنشيط حركة الاقتصاد بالمشروعات الجديدة، وتوفير فرص عمل تفيد الناس، فيبدأون فى الإنفاق والاستهلاك وتدور الدائرة الاقتصادية.
وذلك هو ما فعلته الدولة فى تلك الفترة؛ لأنه لو لم تتدخل الدولة فإن الوضع كان سيصبح أصعب، ويحتاج لوقت أطول فى المعالجة، أى أن تدخل الدولة كان فى الوقت المناسب، وكان تدخلًا حكيمًا، لأنها نفذت مشروعات فى العديد من القطاعات بشكل متوازن، لتحقيق المستهدفات الكلية للاقتصاد المصرى، وزيادة مساهمة قطاع الصناعة فى الناتج المحلى، وتعميق الصناعة المحلية، بالإضافة إلى تلبية احتياجات السوق المحلية، فى ظل وجود مشكلات فى سلاسل الإمداد.
وتوسع الدولة فى النشاط الاقتصادى كان أمرًا لا بد منه، لكى لا يدخل الاقتصاد المصرى فى كبوة، ووقتها تدخلت الدولة بشكل واسع فى المشروعات القومية، وبدأت تنظر إلى أمرين، الأول: تهيئة البنية التحتية المحفزة لجذب الاستثمار الأجنبى، وثانيًا: تهيئة البيئة التشريعية والقانونية للاستثمار الأجنبى المباشر.
وقد أصدرنا فى عام ٢٠١٧ قانون الاستثمار الجديد، الذى يتضمن مجموعة من الحوافز الاستثمارية والضريبية لجذب المستثمر، ورأينا نتائج ذلك الآن فى تسهيل حرية انتقال العمالة والبضائع، أى أن الدولة كانت تعمل وفق مخطط مدروس وليس عشوائيًا، وبعدها بدأت فى التخارج لصالح القطاع الخاص والمستثمرين، وهو ما يحدث الآن.
والاستثمار الأجنبى المباشر قبل جائحة كورونا وصل إلى ٧.٨ مليار دولار، وفى ذلك التوقيت أشاد العديد من المؤسسات الدولية، وعلى رأسها صندوق النقد الدولى والبنك الدولى، بالتطور الملحوظ فى حجم الاستثمار؛ لأن ذلك يعطى إشارة إلى أن المناخ أصبح مناسبًا للاستثمار فى مصر.
وقد نجحت الدولة فى الوصول إلى استثمار تراكمى فى بناء الاقتصاد المصرى، من أجل حصد العوائد الاقتصادية فى السنوات المقبلة، الأمر الذى بعث رسالة واضحة للمستثمر بأن مناخ الاقتصاد المصرى جاذب للاستثمار، وأعطى إشارة للمؤسسات الدولية ومؤسسات التصنيف الائتمانية، التى تعتمد على معايير، منها قياس حجم الاقتصاد فى كل دولة.
■ ماذا كان سيحدث لو لم تتخذ الدولة المصرية الإجراءات التى اتبعتها وقت جائحة «كورونا»؟
- إذا لم تتخذ الحكومة المصرية إجراءات اقتصادية بسياسة متوازنة خلال فترة جائحة كورونا كان الاقتصاد المصرى سيتعرض لوضع كارثى؛ لأنه إذا تم وقف عجلة الإنتاج كنا سنتعرض لأضرار عدة، وسترتفع معدلات البطالة، فضلًا عن التوتر الذى ستشهده الساحة السياسية.
والدولة المصرية استفادت من الدروس التى تعرضت لها وقت جائحة كورونا فى التعامل مع الأزمة الروسية الأوكرانية، وخروج الأموال الساخنة، حيث خرج ٢٢ مليار دولار فى وقت قصير للغاية، الأمر الذى أحدث هزة غير بسيطة فى الاقتصاد المصرى.
وسياسة التعامل مع أزمة كورونا نجحت فى تجنب مشكلات عديدة، أبرزها: ارتفاع معدلات التضخم والسيطرة على السلع الأساسية فى الأسواق، وذلك من خلال استمرارية عجلة الإنتاج فى مصر.
■ كيف تعاملت مصر مع تداعيات هذه الأزمة؟
- الأزمة الروسية - الأوكرانية أثرت على الاقتصاد المصرى من خلال ارتفاع الأسعار والتكلفة الخاصة بالسلع الأساسية، ما أسهم فى ارتفاع معدل التضخم، لكن فى نفس الوقت كانت الدولة المصرية تسير فى اتجاه زيادة المساحات المزروعة من القمح والسلع الاستراتيجية، من أجل تأمين بعض الاحتياجات.
وقد واجهت مصر الأزمة، أيضًا، من خلال بناء الصوامع الاستراتيجية، لتأمين عملية التخزين الخاصة بالقمح، بالإضافة إلى تقليل الهدر، الذى كان يحدث فى السابق خلال عمليات النقل والتخزين، الأمر الذى أسهم بشكل كبير فى بناء احتياطى آمن لمواجهة الأزمة الروسية - الأوكرانية، خاصة بعد تداعيات جائحة كورونا.
والدولة المصرية توسعت، أيضًا، فى زيادة البدائل لتأمين احتياجاتها من القمح، من خلال البحث عن مصادر أخرى له، مثل الهند وكازاخستان والعديد من الدول الأخرى، لتجنب حدوث أى فجوة تؤثر على المخزون المصرى.
وهذه كانت إحدى السياسات الحكيمة التى اتبعتها الدولة المصرية خلال السنوات الماضية، فمنذ عام ٢٠١٧، رأينا الرئيس عبدالفتاح السيسى يهتم بشكل كبير بتدعيم الدبلوماسية الاقتصادية، بمعنى تعزيز التعاون مع كل دول العالم، حتى تكون هناك مساحة أوسع لاختيار البديل فى الوقت المناسب، وفقًا لاحتياجات الدولة المصرية، وقد توسعت مصر فى أسواق جديدة لم تكن موجودة من قبل، وذلك بفضل الدبلوماسية الاقتصادية التى اتبعتها وقت الأزمات.
كما أن الرئيس السيسى وجه بضرورة وجود احتياطى استراتيجى آمن لمدة ٦ أشهر، الأمر الذى أسهم فى تأمين احتياجات المواطنين من السلع الأساسية، وهنا يجب التأكيد على أن عملية الاقتصاد «تراكمية»، ونتائجها لا تظهر فى وقت قصير، كما أن تضافر الجهود الحكومية بضخ كميات كبيرة من السلع كانت رسالة طمأنة للمواطنين.
وكان هناك تضافر فى الجهود بين كل الوزارات المعنية لتوفير السلع بعد أزمة الحرب الروسية - الأوكرانية، سواء كانت وزارة التموين، أو القوات المسلحة، أو وزارة الداخلية، عبر منافذها كلها، حيث كانت تضخ كميات أكبر، حتى ترسل رسالة طمأنة للمواطن المصرى بأن السلع متوافرة، وأن المواطن يجب أن يشترى على قدر احتياجاته، فلا يوجد داعٍ لزيادة الاستهلاك، لأن كل شىء متوافر.
والأسعار فى ظل الحرب الروسية - الأوكرانية لم تكن مرتفعة بشكل كبير، رغم عدم استقرار سلاسل الإمداد، واحتمالية تأخر بعض المنتجات، أو احتمالية عدم وصولها من الأساس، وذلك لأن الدولة المصرية كان لديها مخزون استراتيجى قوى من السلع ما جعلها قادرة على التحمُّل فترة من الوقت، مع استخدام مساحة البدائل المتاحة مع العديد من الدول البعيدة عن أطراف النزاع، وهو ما ساعد الدولة على تعزيز مقوماتها وإمكاناتها.
كما أن التضخم المستورد، الذى جاء لمصر بعد عدة أزمات، لم يكن قد وصل وقتها إلى السوق المصرية، وذلك بسبب توافر المنتجات والسلع بالتكلفة القديمة.
والارتفاع فى الأسعار بعد ذلك كانت له أسبابه ومبرراته الواضحة، فمع طول الأزمة الروسية - الأوكرانية قل المخزون من السلع وتكلفته القديمة لم تعد قائمة، لأن تكلفة الإنتاج الجديدة أصبحت أغلى وفقًا للمتغيرات الاقتصادية الجديدة بالنسبة لأسعار الطاقة وأسعار الغذاء ومستلزمات الإنتاج، التى شهدت كلها ارتفاعات، وهو ما كان له انعكاس كبير جدًا على تكلفة الوحدة المنتجة من السلع أو المنتج.
ووفقًا لتصريحات رئيس الوزراء، الدكتور مصطفى مدبولى، فقد واجهنا نوعين من التضخم؛ تضخم مستورد، نتيجة استيراد مستلزمات إنتاج بتكلفة عالية، وتضخم حدث من الداخل.
■ رغم استمرار الحرب الروسية - الأوكرانية فإن الأمور كانت قد أوشكت على الاستقرار ثم حدثت حرب غزة.. فما الانعكاس المباشر لهذه الحرب على الاقتصاد المصرى؟
- هناك تأثير مباشر وغير مباشر للحرب الإسرائيلية على قطاع غزة على الاقتصاد المصرى.
والتأثير المباشر للحرب الإسرائيلية فى غزة كان على عائدات قناة السويس، التى تأثرت بشكل كبير، ووفقًا لآخر تصريحات فقد فقدنا ما يقرب من ٥٠٪ من عائدات قناة السويس التى كانت تعتبر مستقرة وتزيد، ووصلت فى العام الماضى إلى ١٠ مليارات دولار، وهو رقم كبير جدًا.
كما تأثرت، أيضًا، عائدات السياحة فى ظل تحذيرات الدول من السفر إلى المنطقة، لأن الحرب رسالة مقلقة للسياح بشأن قدومهم إلى مصر أو الأردن أو أى من دول الجوار، وهذا أثر على قطاع السياحة الذى استطعنا أن نحقق فيه خلال العام الماضى ١٤ مليار دولار، وهو رقم كبير لم يتحقق من قبل، حتى فى عام ٢٠١٠.
وأيضًا، الحرب فى غزة أثرت على العملة الدولارية لدى مصر، وعلى قطاع الصادرات البترولية، فالإنتاج فى حاجة إلى مستلزمات إنتاج يتم استيرادها من الخارج بالدولار، وبالتالى فإن اضطراب سلاسل الإمداد، وعدم القدرة على الحصول على المستلزمات زاد من الأسعار، التى بدأت أيضًا فى التضاعف بسبب الاضطراب فى البحر الأحمر، وارتفاع تكلفة الشحن مع ارتفاع تكلفة التأمين.
والسفينة التى كان يصل سعر شحنها لـ١٥٠٠ دولار أصبح سعر الشحن لها يصل إلى ٤٠٠٠ أو ٥٠٠٠ دولار، والشركات الكبيرة الخاصة بالشحن بدأت توقف بعض رحلاتها عبر البحر الأحمر، بسبب التوترات فى باب المندب، وتأخذ الطريق الخاص برأس الرجاء الصالح، وهو أمر ينعكس فى ارتفاع أسعار تكلفة البضائع والسلع، بالإضافة إلى الخسائر التى تحدث للمواد الغذائية التى تنتهى مواد صلاحيتها، وهو ما يسهم فى ارتفاع أسعار السلع، الذى بدوره يعمل على زيادة معدلات التضخم.
وكذلك تأثرت صادرات مصر من الغاز، فإلى جانب الاعتماد على الإنتاج المحلى كان يتم الإتيان بالغاز من الخارج من دولة مجاورة ليتم تسييله فى المحطات المصرية، ثم يعاد تصديره إلى أوروبا، وهو ما كان يدر عائدًا دولاريًا، لكن بعض حقول الغاز بالمنطقة توقف إثر الحرب، ومع استمرار ضح حقول الغاز مرة أخرى إلا أنها لم تصل إلى الكمية التى كانت تضخها قبل الحرب، وهو ما أثر على الدخل المصرى فيما يتعلق بالعائد الدولارى الناجم عن الصادرات البترولية، ومن ثم، حدث انخفاض فى إجمالى حجم الصادرات المصرية، التى كانت قد وصلت فى العام الماضى إلى ٤٢ مليار دولار. أما بالنسبة للانعكاس غير المباشر، فيتمثل فى ملف اللاجئين، فالتوترات فى منطقة الشرق الأوسط ككل زادت من أعداد اللاجئين فى مصر، بسبب تزايد النازحين من كل الدول التى تحدث بها صراعات. وتستضيف مصر، حاليًا، نحو ٩ ملايين ضيف على أراضيها، يشكلون عبئًا إضافيًا على الموازنة العامة للدولة، بالإضافة إلى العبء الأساسى المتمثل فى نقص السيولة الدولارية، فهؤلاء الضيوف يشاركون فى الحصول على دعم الكهرباء ودعم المحروقات والخدمات الصحية والتعليمية وكل شىء، وهو ما يفرض عبئًا إضافيًا على الموازنة العامة للدولة، لأنهم أصبحوا يمثلون ١٠٪ من السكان، أى أن حجم المخصصات الموجهة من الموازنة العامة للدولة إلى المواطن يذهب منه ١٠٪ لدعم الـ٩ ملايين لاجئ وضيف، ولذلك فإن الدولة المصرية طالبت المجتمع الدولى، مؤخرًا، بالمشاركة فى دعم اللاجئين، وفقًا للمواثيق الدولية.
■ كيف أثرت الأزمة الروسية- الأوكرانية على الاقتصادين المصرى والعالمى؟
- الأزمة الروسية - الأوكرانية كانت لها تداعيات سلبية كثيرة على الوضع الاقتصادى المصرى، خاصة أن دول العالم لم تكن قد استعادت عافيتها من وقت الإغلاق خلال فترة جائحة كورونا، حيث حدث انكماش كبير لمعظم الاقتصادات حول العالم.
وعندما عاد الاقتصاد إلى طبيعته مرة أخرى، كانت المخزونات الاستراتيجية فى معظم الدول قد شارفت على الانتهاء، وفى ذلك الحين، حدثت موجة تضخمية كبيرة للغاية؛ بسبب الطلب المتزايد فى ظل معروض ليس موجودًا، وكانت هذه الاقتصادات تحتاج إلى بعض الوقت من أجل إعادة بناء مخزوناتها الاستراتيجية، والضخ من جديد بشكل طبيعى داخل الأسواق، الأمر الذى أسهم بشكل كبير فى ارتفاع السلع الأساسية والبضائع، بالإضافة إلى ارتفاع أسعار الطاقة.
وفى وقت حدوث الأزمة الروسية الأوكرانية تعرضنا لارتفاع آخر فى أسعار الطاقة، وتأثرت إمدادات معظم الدول من القمح والحبوب وسلة الغذاء بشكل عام، لأن معظم الدول حول العام كان يستورد القمح والحبوب من روسيا وأوكرانيا، ما أثار حالة من القلق الواسع بين الاقتصاديات الناشئة والمعتمدة على تأمين احتياجاتها منهما.